Accessibility links

إعلان

وضاح عبدالباري طاهر*

عند قراءتي في سورة البقرة في الآية (188)، وهي قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقًا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)، لفت انتباهي قوله تعالى: (لتأكلوا فريقًا من أموال الناس)، فقد بدا لي غريبًا إطلاق الفريق على أموال الناس، ومع شيء من التأمل في الآية، سنح لي كما لو أن في الجملة تقديمًا وتأخيرًا، وهو: (لتأكلوا أموال فريق من الناس).

عدتُ للتفاسير لمراجعة الآية، فكان توقعي صائبًا، وقد انفرد من بين المفسرين الذين راجعت تفاسيرهم مفسران اثنان: هما الماوردي (ت 450هـ)، والقرطبي (ت 671 هـ)- بحكاية هذا الرأي كاحتمال ثانٍ.

قال الماوردي في تفسيره «النكت والعيون» (1/ 248): “(لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِاْلإِثْمِ)، يحتمل وجهين:

أحدهما: لتأكلوا بعض أموال الناس بالإثم، فعبّر عن البعض بالفريق.

والثاني: على التقديم والتأخير، وتقديره: لتأكلوا أموال فريق من الناس بالإثم.

وقال القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» (2/ 340): قوله تعالى: (لتأكلوا) نصب بلام كي. (فريقًا)، أي قطعة وجزءًا، فعبّر عن الفريق بالقطعة والبعض1. والفريق: القطعة من الغنم تشذ عن معظمها.

وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ التقدير: (لتأكلوا أموال فريق من الناس)”.

ثم غلب على ظني أن الوجه الثاني الذي ذكره المارودي والقرطبي يمكن ترجيحه لسببين، الأول:

هو أني استقرأت كلمة فريق في القرآن الكريم، فبلغت خمسًا وعشرين موضعًا.. أربعة وعشرين منها بيّنت فيها كلمة «فريق» بجماعة الناس، إلا الآية (188) من سورة البقرة، فإنها بينت بالأموال، والآيات هي كالآتي:

1-  (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ…). [البقرة: 75].

2-  (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم…).[البقرة:100].

3- (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ).[البقرة:101].

4- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُون). [آل عمران:23].

5- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً).[النساء:77].

6- (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُون).[النحل:54].

7- (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُون)[النور:48].

8- (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُون).[الروم:33].

9- (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيم)[التوبة:117].

10- (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِين).[المؤمنون:109].

11- {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين).[النور:47].

12- (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ). [الأحزاب:13].

13- (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير). [الشورى:7].

14- (ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ).[البقرة:85].

15- (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون).[البقرة:87].

16- (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون).[البقرة:146].

17- (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ). [آل عمران 78].

18- (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِين). [آل عمران:100].

19- (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُون).[المائدة:70].

20- (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ).[الأعراف:30].

21- (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون).[الأنفال:5].

22- (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا).[الأحزاب:26].

23- (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِين).[سبأ:20].

24- (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُون).[النمل:45].

25- (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون).[البقرة:188].

أما معاجم اللغة، فقد قال الجوهري في «الصحاح» (ض-ي/ 239): “والفِرْقَةُ: طائفةٌ من الناس، والفَريقُ أكثر منهم”.

وقال في «القاموس»، للفيروزبادي، (3/ 266): “والفرقة الطائفة من الناس… والفريق- كأمير – أكثر منها”.

وقال نشوان الحميري، في «شمس العلوم»، 8/ 5152:” الفريق: الطائفة، قال الله تعالى: فريق في الجنة وفريق في السعير”.

وقال المرتضى الزبيدي في «تاج العروس من جواهر القاموس»، تحقيق عبد الحكيم العزباوي، (26/ 290): “الفرقة: الطائفة من الناس…، والفريق – كأمير-: أكثر منها”.

ثم قال المرتضى الزبيدي: “وفي حواشي عبد الحكيم أن الفريق يجيء بمعنى الطائفة، وبمعنى الرجل الواحد 2.. انتهى.

وفي اللسان الفِرْقة، والفِرْق، والفريق: الطائفة من الشيء المتفرق. وقال ابن بري: الفريق من الناس، وغيرهم: فِرقة منه”.

وقال ابن منظور في «لسان العرب» (2/ 1085 “والفِرْقُ والفِرْقةُ والفَرِيقُ: الطائفة من الشيء المُتَفَرِّق… والفِرْقةُ طائفة من الناس والفَرِيقُ أَكثر منه…. قال ابن بري: الفَرِيقُ من الناس، وغيرهم فِرْقة منه”.

وقال الزمخشري في «أساس البلاغة» (1/ 472): “وماله إلا فِرق من الغنم و فريقة؛ أي يسير”.

وقال الراغب الأصفهاني في «مفردات ألفاظ القرآن» (1/ 277): “الفَرِيق: الجماعة المتفرّقة عن آخرين”.

ومن خلال ما ذكره الجوهري والفيروزبادي والأصفهاني يتبين أن لفظ الفريق يخص الطائفة من الناس، وأنه أكثر من الفرقة، وهو مذهب ابن بري الذي يذهب إلى أن: الفريق من الناس، وأن غيرهم يقال له فرقة؛ أي فلا يطلق الفريق إلا على الناس.

أما الرأي الثاني الذي ذكره ابن منظور فهو أن «الفِرق»، و«الفِرقة»، و«الفريق»: الطائفة من الشيء المتفرق. ويبدو أنه أخذه من ابن سيده صاحب المحكم، فإنه ذكر هذا الكلام حيث قال في «المحكم والمحيط الأعظم» (6/ 384): “والفرق، والفرقة، والفريق: الطائفة من الشيء المتفرق.

ثم إن من نحا من اللغويين إلى جواز إطلاق الفريق على الطائفة من الشيء المتفرق قد يكون مستنده هذه الآية: (فريقاً من أموال الناس)، وبعض النصوص العربية التي سنأتي على ذكرها.

أما من رأى من المفسرين أن في الآية (لتأكلوا فريقًا من أموال الناس) تقديمًا وتأخيرًا، فمرده – في ما يظهر لي – أنهم يمنعون إطلاق الفريق على غير الطائفة من الناس، متابعين في ذلك بعض اللغويين كابن بري، لذلك قالوا بالتقديم والتأخير، فأصل تركيب الآية عندهم هو: (لتأكلوا أموال فريق من الناس).

بقي لنا بيت هو أحد شواهد النحو، وهو ينسب إلى المفضل النكري، أو عامر بن أسحم بن عدي على خلاف في ذلك، وهو:

أحقًّا أن جيرتنا استقلوا (3)… فنيتنا ونيتهم فريق

والبيت يصور حال الشاعر أنه كان وجيرانه قبل أن يرتحلوا على أمر واحد، فلما ارتحلوا افترقت نية من ارتحل عن نية المقيم، واختلف بعضها عن بعض، فكأن كل نية فارقت أختها، وهذا مثل قول عروة بن حزام:

هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى … وإني وإياها لمختلفان

فالناقة تحن لأعطانها وولدها الذي تركته خلفها، وهوى الشاعر أمامه، وهو المكان الذي يقصده لأجل قضاء أغراضه.

بقي تعبير آخر، وهو: «فريق الخيل» ومعناه، كما يقول أبو هلال العسكري في «الفروق اللغوية»: “ما يفارق جمهورها في الحلبة فيخرج منها”.

قال الزمخشري في «أساس البلاغة» (1/ 472) شارحًا المثل السائر: “وهو أسرع من فريق الخيل، وهو سابقها، فعيل بمعنى مفاعل؛ لأنه إذا سبقها فارقها”.

ففريق بمعنى مفارق على وزن مفاعل.

ونحن الآن بين خيارين:

الأول، هو القول بالتقديم والتأخير، ويبقى السؤال هو عن علة وسبب التقديم والتأخير، ولماذا عدل عن قوله: (لتأكلوا أموال فريق من الناس) إلى (لتأكلوا فريقًا من أموال الناس)؟!

لم أجد الماوردي ولا القرطبي تعرضا لهذه المسألة. ويمكن الجواب أن القول: (ولا تأكلوا فريقًا من أموال الناس)، يتضمن أمرين، هما: أن لفظ الفريق يطلق على جماعة من الناس، والنهي عن أكلهم يجوز على جهة المجاز، فتارة قد يطلق الأكل، ويراد به سلب المال، وتارة قد يقصد به نيل العرض بالثلب والقدح، وآخر قد يراد به القتل، ومن الأخير: قول شأس بن نهار (الممزق العبدي)، يناشد عمرو بن هند، وكان أسيرًا عند بني تميم، وقد هموا بقتله:

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكلٍ … وإلا فأدركني ولمّا أمزق

فلما بلغته القصيدة خلصه منهم، وقال: لا آكلك ولا أؤكِلُك غيري.

أما القدح في العرض والنيل منه، فيذكر أبو عبيد البكري في «فصل المقال في شرح كتاب الأمثال» (1/213): أنه وقع بين أبي مرحب اليربوعي، وبين ضرار شر، فذكره أبو مرحب عند النعمان، والعيار حاضر.

وضرار غائب، فأمضّه (4)، فشتم العيار أبا مرحب، وذكره، وقال: مثلك يشتم ضراراً؟! فقال النعمان: ويلك، ألم أسمعك تقول في ضرار أخبث مما قال؟ فقل العيار: إني آكل لحمي ولا أدعُهُ لآكل”.

ومنه نهي الله عز وجل أن يغتاب الرجل أخاه، وأن يذكره بسوء، وتشبيه من يفعل ذلك كحال من يأكل لحم أخيه ميتًا تفظيعًا للأمر، وتقبيحًا لحال فاعله، قال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا). [الحجرات: 12].

وقول المقنع الكندي:

فإن أكلوا لحمي وفَرتُ لحومهم … وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدًا

أما سلب المال، فمنه قول العداء بن حجر، حين أراد زياد بن لبيد أن يأخذ عليه ناقته النفيسة شذرة: “يا آل عمرو، بالرياض أضام وأضهد! (5) إن الذليل من أكل في داره!”. فقد كنى عن أخذ ناقته رغمًا عنه بأكله.

ولما كان المأكول صراحة هو المال، وليس الشخص، بيّن ذلك بالمال؛، لأن المال مما يملكه الشخص، فقال: (فريقًا من أموال الناس)، إما على طريقة الاستخدام البلاغية، وهي أن تحتمل اللفظة معنيين، ثم يكون حملها على أحد وجهيها، أو هي شبيهة ببدل الاشتمال النحوية، كأن تقول أعجبني المتنبي شعره، فأنت في البدء قلت: أعجبني المتنبي، ثم عدلت عن ذلك، وقلت بعدها: شعره، لتبيّن أن الذي أعجبك من المتنبي ليس شخصه أو سلوكه مثلاً، وإنما شعره.  

وكذلك لفظ «فريق»، فإنها تطلق على الجماعة أو الطائفة من الناس، ثم بيّنها بالمال لأنه هو المأكول حقيقة، والناس هم من يمتلكونه، فإذا تعديت وأكلت أموالهم، فكأنك أكلتهم، فجمع هذا التعبير القرآني بين الأمرين، وهو ما لم يؤدِّه التعبير بـ: (لتأكلوا أموال فريق من الناس).

أو ربما، وهو احتمال قوي، أنه تجوز بإطلاق كلمة «فريق» على المال؛ لأنه لمّا أضيفت لفظة «أموال» إلى الناس في الآية، صح إطلاق الفريق على الأموال بهذا المناسبة.

أما الاحتمال الثاني: فأن يكون فريقًا بمعنى مفارق، كما مر عن الزمخشري؛ لأن المأخوذ والمسلوب من المال يفارق سائر المال الذي في حوزة الشخص، ولذلك قيل له: (فريقًا من أموال الناس).

هذا ما عرض لي أثناء قراءة هذه الآية والبحث فيها، والله سبحانه أعلم.

هوامش:

1- هكذا ورد! ولعل الصواب، فعبّر بالفريق عن القطعة والبعض.

2- لعل هذا وهم وخطأ، فالطائفة، وليس الفريق، هي التي فسرت بأنها قد تأتي بمعنى الرجل الواحد. جاء عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: (وليَشْهَد عَذابَهما طائفةٌ من المؤمنين): الطائفةُ الرجل الواحد إلى الأَلف، وقيل الرجل الواحد فما فوقه. وفي «مفردات ألفاظ القرآن» (2/45)، للراغب الأصفهاني: “والطائفة من الناس: جماعة منهم، ومن الشيء القطعة منه، وقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين). [التوبة/122]، قال بعضهم: قد يقع ذلك على واحد فصاعدًا، وهذا مروي عن ابن عباس وغيره، فقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين). [سورة النور: 2]. قال: الطائفة: الرجل فما فوقه.

3- استقلوا: ارتحلوا.

4- أمضه: آلمه وأوجعه.

5- أُضهد: أُظلم وأقهر.

* كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات