صنعاء ـ “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي
«نتيجة لعجزي الحركي وانبهاري بالكمبيوتر والإنترنت، ورغبتي في إثبات نفسي ومساعدة والدي، خاصة بعد انقطاع راتبه في 2016، قررتُ تعلّم المهارات الأساسية لبرمجة الكمبيوتر والربط الشبكي اللازم لتجهيز مقاهي الإنترنت»، يقولُ طارق الهادي (21 سنة)، وهو شاب يمني معاق انتصر على معاناته، وأثبت ذاته من خلال الاحتراف الذاتي في مجال الربط الشبكي لمقاهي الإنترنت.
لم يستسلم للعجز، بل حول انبهاره بالكمبيوتر والإنترنت إلى قوة استطاع من خلالها احتراف أساسيات عمل مقاهي الإنترنت بجهود ذاتية، حيث استفادَ من موقع “يوتيوب” الذي ساعده على تعزيز قدراته ومهاراته حتى أصبحَ محترفًا في برمجة وتجهيز مقاهي الإنترنت التي يُدير واحدًا منها في صنعاء، ويساعدُ من خلال دخله في هذا المجال، بإعالة عائلته، التي ضاعفت الحرب من أعبائها.
يشيرُ طارق في حديثٍ لـ”اليمني الأميركي” إلى أنّ المقهى الذي يديره حاليًّا هو من قام بتجهيزه وبرمجته، منوهًا بالبداية التي كانت استجابة لانبهاره بالكمبيوتر والانترنت عند أول زيارة له لمقهى إنترنت، وحينها كان عمره لم يتجاوز تسع سنوات، وذلك في إحدى زياراته العلاجية لصنعاء برفقة عائلته.
الإعاقة
يُعاني طارق من إعاقة حركية جراء حادثة تعرضَ لها بداية دخوله المدرسة، حيث سقطَ من أعلى سلالم منزله بمحافظة المحويت/ غرب؛ فانكسر أحد ساقيه، فاستعان والده بالطِّب الشعبي قبل أنْ يعرف أنّ ابنه مصاب بهشاشة العظام.
بعد أسابيع بدأ طارق بالمشي، لكنه لم يكن يعلم أنّ طفولته ستودّع حياة اللعب والركض، حيث قُدِّر له أنْ يُصبح مُقْعدًا، بعد أنْ سقطَ أرضًا؛ ليدخل مع والده، وهو ضابط في الجيش، رحلة طويلة بين المستشفيات بحثًا عن علاج ليستقر التشخيص بأنه مصاب بهشاشة بالعظام.
الكمبيوتر
تعلّق طارق بالكمبيوتر، خلال زياراته لمقاهي إنترنت كان يذهبُ إليها كلما سنحت له الفرصة خلال زياراته العلاجية للعاصمة صنعاء، التي اضطرت عائلته للاستقرار منذ عام 2016م، «لحاجة أخي المتكررة لغسيل الكلى نتيجة إصابته بالفشل الكلوي.. قام والدي باستئجار منزلٍ بحيّ الحصبة، إلا أنّ أخي تُوفّي بعد عدة أشهر».
تأزمت نفسية طارق لوفاة أخيه، وكذا تدهورت الأوضاع المعيشية لأسرته نتيجة انقطاع راتب والده، كما هو حال غالبية الموظفين الحكوميين منذ أغسطس (آب) 2016، كأحد انعكاسات الحرب المستعرة هناك منذ مارس (آذار) 2015.. ما جعله يتفاعلُ مع العرض الذي قدّمه أحد أقاربه، للعمل معه في مكتب دعاية وإعلان، شريطة أنْ يتعلم الجرافيكس.. «التحقتُ بدورةٍ تدريبية في الجرافيكس، وأخرى في اللغة الإنكليزية، وكنتُ أذهب لتطبيق ما درسته في الدورة في أحد مقاهي الإنترنت، ومع مرور الوقت نشأت علاقة صداقة مع صاحب المقهى أيمن الفقيه»، يضيف.
إرهاصات
نظرات الشفقة والرحمة، التي كان يجدها من البعيد قبل القريب، أشعلت فيه الحماسة، وزادته عزيمة وإصرارًا على تحدّي إعاقته وتحويل تلك النظرات إلى نظرات إعجاب، وهذا لن يتحقق إلا بالانتصار على عجزه الحركي، فتولدت لديه قناعة بإمكانية إثبات نفسه في مجال الكمبيوتر؛ كونه يعتمدُ على المجهود الفكري، خاصة بعد أنْ بات يمضي جُلّ وقته في مقهى صديقه أيمن، يساعده، محاولاً أنْ يكتسب بعض مهارات برمجيات الكمبيوتر عبر موقع يوتيوب.
«كانت البداية عندما استدعى صديقي أيمن أحد المهندسين لإصلاح خللٍ في شبكة الإنترنت، وبعد أنْ أصلحها المهندس رأيتُ أنه قام بذلك من خلال التعامل مع بعض البرامج، فقررتُ تعلّم برامج وأساسيات الربط الشبكي، وأقنعتُ صديقي بتعلّمها».
تلقّى طارق وصديقه أيمن أساسيات الربط الشبكي من أحد المختصين، اللذَين اتفقا معه على الحضور إلى المقهى ساعة يوميًّا لمدة عشرة أيام مدفوعة الأجر.
«شرح لنا المهندس أساسيات نظام “ميكروتيك”، وهو نظامٌ خاص بالتحكم بالشبكات وتوزيع الإنترنت على المستخدمين، لمدة عشرة أيام، وقُمنا بعدها بالتعمق في النظام عبر موقع يوتيوب».
آلية العمل
أخذ طارق يكتسبُ مهارات متعددة ويطورها من خلال التطبيق في شبكة مقهى أيمن، حتى تلقّى مع صديقه أول عرضٍ عملي، وذلك عندما جاء أحد الزبائن باحثًا عن مهندسٍ يقومُ بتجهيز مقهى للإنترنت في محافظة مأرب (شرق)، وتم الاتفاق على أنْ يقوما بتجهيز المقهى مقابل 150000 ريال، بالإضافة إلى تكاليف السفر (الدولار الأميركي يساوي 600 ريال في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، و900 ريال في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا).
ويستعرضُ خطوات عمله في برمجة وتجهيز أول مقهى إنترنت، حيث قام في البداية بتثبيت نظام الويندوز لكامل الأجهزة، بالإضافة إلى البرامج الأساسية، ومن ثم تثبيت بيئةٍ افتراضيةٍ “في إم وير” على السيرفر، وبالتالي تنزيل نظام “ميكروتيك” على بيئة لينكس، ويثبّت عليها برنامج إدارة المقاهي، وهو برنامج شبيه بالنظام المحاسبي، ولكنه ذو تفاصيل أقلّ، حدّ تعبيره.
«من ثَم أقومُ بربط بقية الأجهزة على السيرفر، وأقومُ بتثبيت برنامج الكلاينت، الذي من خلاله يتم التحكم ببقية الأجهزة، وذلك بالربط السلكي، بعدها أقومُ بتجهيز الاستراحة المرئية وصفحة الدخول إليها بما يمكّنُ المستخدمين من الدخول إلى الاستراحة عن طريق الويب سايت»، يقول.
صار طارق يشعرُ بالسعادة؛ فقد استطاع أنْ يثبت نفسه، ويتجاوز عُقدة العجز التي لطالما أحسَّ بها جراء إعاقته الحركية، وبات ذي خبرةٍ يتواصلُ معه الزبائن لحلّ الاشكاليات البرمجية لشبكات مقاهيهم؛ ولكنه لا يكتفي بما حققه، فقد قرر إكمال دراسته الجامعية في ذات المجال، ليتمكن من فهم اللغات البرمجية وغيرها مما يرتبطُ بعمله، الذي صار له من خلاله مصدر دخل ثابت يساعد بواسطته في إعالة أسرته.
تعليقات