فكري قاسم *
زمان غنّى الفنان الكبير أيوب طارش يناشد اليمنيين “ارجع لحولك”، و”اليمن تنتظركم يا حبايب بالأحضان”، ولمّا رجعوا مشتاقين لبلادهم ولربعهم وللأحضان غنى لهم “ما هلنيش”، وهذا على أيّ حال مقْلب كبير، ومش عادي، تكعّفه عدد غير قليل من المغتربين اليمنيين في أصقاع الأرض.
أيوب طارش مش غلطان أبدًا هو فنان شفيف وصادق في أشجانه وفي ألحانه الطروبة، يغنّي ويُدندن من دون حساب للظروف المعاكسة، وما دراه أصلاً أن الأوضاع شتعتصد.
والمغترب اليمني والكل مش غلطان أيضًا حين يشتاق من صدق، وحين تهز مشاعره الكلمات والألحان اللي فيها ريحة بيته وطينة أرضه وذكرياته وأنسام بيته وأهله وجيرانه وقريته وحارته ومدينته وبلاده بكل تفاصيلها وكماكيلها، وذلك لأنه بطبيعة الحال إنسان يولد بجناحين وبجواز سفر على الرغم من ارتباطه الشديد والوثيق ببلاده التي لم تهدأ ولم تعرف الاستقرار على مر التاريخ.
ومن أول ما يتكعدل اليمني إلى الدنيا عمومًا وعاده إلا يبدأ يفتح عيونه يشوف ما في الدنيا، وما يدرى إلا وقد بوه حوله ناس كثير كلهم راكنين عليه ومراعين له بس أيحين يكبر، مش مِنسب يزوجوه، ولا منسب يعينوه، ولا منسب يسندوه، ولكن كلهم مريعين له يشتحط منسب يقع رجّال، ويسير يشقي عليهم.
واليمني الطموح في الغالب إنسان ما تخارجه بلاده اليمن، ولو أن فيها خراج أصلاً كنا شنسمع ولو لمرة واحدة مثلاً أن التاجر اليمني فلان الفلاني كوّن ثروته الهائلة من العمل الدؤوب داخل بلاده.
كل رؤوس المال اليمني بدأوا حياة الصفر من خارج اليمن، عدا الشيخ حميد الأحمر بس، اشتحط وكد وشقي وتعب داخل اليمن بارك الله فيه، وربي ما قصر معه فتح عليه من “صندقة” في البلاد.
وخلال سنوات هذي الحرب اللعينة والله لولا أنو مع نصّ الشعب اليمني أهل وأقارب مغتربين في كل بلدان الدنيا يسندوهم ويعاونوهم، وإلا أن قد بان خبر الناس جَمْعَه، لكن الحمد لله عاد احنا لحد الآن عايشين ومستورين في بيوتنا بفضل خطة مخرج الطوارئ.
وطبعا ما فيش مع غالبية العائلات اليمنية في مثل هذي الظروف الصعبة من مخرج طوارئ غير مجاميع كثيرة من المغتربين المطعفرين في بلدان الدنيا مش عشان أنهم بيدوروا لهم أوطان بديلة، ما فيش عند اليمني أحسن من بلاده ومن وطنه الأم أيًّا كان حاله، ولكنهم في حقيقة الحال مطعفرين في بلدان الغربة لأنهم في الأساس الرصيد الحيوي المهم ومخرج الطوارئ الأكثر فاعلية بالنسبة لعوائلهم الفقيرة والمتضررة على الدوام من ظروف الحروب المستمرة التي لطالما أضرت بالاقتصاد وأقعدته وأفقرت الشعب وطحنت أحلام أجيال كثيرة من اليمنيين.
في هذي الفترة الصعبة عمومًا يتم ترحيل غالبية اليمنيين من السعودية، وهم أحرار، هذي بلادهم يعملوا ما اشتوا، وهذي هي أصلاً طبيعة السعودية جارتنا الثرية الطارئة في الوجود الإنساني والجغرافي.
والموضوع مش جديد عليها طبعًا، ولا هو جديد على اليمنيين أيضًا.
لقد طردت كل المغتربين من بلادها أثناء حرب الخليج، وما وقع بالمغتربين حقنا أي شيء غير أنهم كرهوا أغنية “ارجع لحولك”، وبطلوا يصدقوا أيوب.
وأما الجديد في الموضوع هذه المرة، أن الحرب في اليمن ومش في الخليج، وأن السعودية في هذا الظرف الصعب طردت المغتربين وهي عارفة أساسًا أن هولا المغتربين هم مخرج الطوارئ الوحيد بالنسبة لشعب فقير مكافح، بلاده خربانة وملطومة بثلاث سلطات أمر واقع، كل واحدة منهن أفسد وأسرق من الثانية.
وما هو مرير ومؤلم وصادم في هذي المرة أن الجارة الثرية الطارئة تطرد المغتربين اليمنيين من بلادها في الوقت الذي دخلت فيه بلادهم العثيرة في هذي الحرب المدمرة دفاعًا في الأساس عن السعودية وعن العروبة من التمدد الفارسي اللي بتتكلم عليه وخايفة منه ودخلتنا بسببه في جحر الحمار الداخلي! ويا عيباه.
ويحق للجارة الطارئة أن تعمل أكثر من هذا مع الشعب اليمني العريق لأنه حكومتنا الشرعية ورئيسنا الشرعي أصلاً مقعللين عندهم في الفنادق، وأيوب ما كوده يغني لهم “ارجع لحولك”، وهم في الرياض بيرضعوا حولين كاملين صعب يفتطموا أصلاً، والله لو ما زاد بقي في السعودية مغترب يمني!
أيوب يغني لهم “اليمن تنتظركم يا حبايب بالأحضان”، وهم ولاااااا يسمعوه، ولا يشتوا يسمعوه،، ولا يشتوا يرجعوا من أصله ويكفي لا قدهم مرجومين هاناك في أحضان الريال السعودي مو يعملوا بحضن اليمن، ومو شيعمل لهم الريال اليمني؟!، ومو شيعمل لهم أيوب بكله وهو نفسه أصبح بعد كل هذا العمر والعطاء فنان حانب، حتى النشيد الوطني ما شفع له ولا خارجه، هذا وأيوب طارش فنان اليمن الكبير يعني، ومع هذا حنبته كبيرة لأنّه جلس في هذي البلاد وما سار منها، وأعتقد أن فنه العظيم هو مخرج الطوارئ الوحيد، وفي النهاية ماعد وقع له إلا عبدالقوي الشيباني مخرج الطوارئ الوحيد كلما مرض أو حنب.
*كاتب يمني ساخر
تعليقات