وضاح عبدالباري طاهر*
ولد الأستاذ الأديب الشاعر محمد سعيد جرادة ونشأ بمدينة عدن، وأخذ عن العلامة أحمد العبادي – شيخ البيحاني في مسجد زكو بمنطقة الشيخ عثمان بعدن. أقبل جرادة على الأدب والشعر ومهر فيهما، حتى صار من الشعراء والأدباء الذين يشار إليهم.
عمل جرادة شطرًا كبيرًا من حياته في مجال التعليم، كما عمل في الإذاعة، وذلك بإعداد وتقديم برامج إذاعية لإذاعة عدن، وفي السنوات الأخيرة من عمره عُين مستشارًا ثقافيًّا للسفارة اليمنية في أثيوبيا.
من مؤلفاته:
- الثقافة والأدب في اليمن عبر العصور، صدر في جزأين عن دار الفارابي – بيروت.
- أعلام في الفن والأدب، ط.
- الأعمال الكاملة، صدرت عن وزارة الثقافة بصنعاء، عام 2004.
قدم الأستاذ الأديب عبدالرحيم الأهدل ديوانه (مشاعل الدرب)، وأثنى على شعره بأنه عميق، وطيد الصلة بمناخه، فيه إلهام الطبع، ومعطيات الطبيعة، وتدفق الموج، ورقة النسيم، وجزالة الكلمة، مع التجديد والابتكار في المضمون…. (الأعمال الكاملة، ص5).
كما قدم له الأستاذ المناضل محمد عبده نعمان الحكيمي ديوانه (لليمن حبي)، فذكر أن لشعر جرادة ميزة لم يختص بها إلا فطاحل الشعراء أمثال شوقي والمتنبي، تلك هي القدرة على صياغة الحقائق التاريخية والعلمية في قوالب شعرية رائعة لا تفقدها وضوح المعنى، وروعة الفن، ما يدل على سعة إدراك الشاعر، وغزارة ثقافته، وعمق فهمه.
ويصف الحكيمي جرادة بأنه صار مرجعًا في اللغة، والأدب، والتاريخ الثقافي لليمن بإقرار غالبية الكتّاب والأدباء. (الأعمال الكاملة، ص150- 151).
وحقًّا، فمن قرأ لجرادة، يتبين له سعة علمه في مجال الأدب والشعر والتاريخ الإسلامي، وهو ذو حظ كبير من الثقافة الإسلامية والمعاصرة، جعلت له حضورًا لافتًا في ميدان الأدب والفكر.
عاش جرادة أول حياته فقيرًا، وعانى ظروفًا قاسية؛ فنراه يرحل إلى تعز، ليمدح الإمام أحمد بقصيدته:
إليك يزف الشعر عذراء أوتاري/ وباقة ورد من خمائل أفكاري
وأبلغ من فني مدينتك التي/ قضت أمس ليلاً لا يقاسُ بأدهارِ
وفيها يقول عنه:
ويطربه قصف المدافع واللظى / كما تطرب المعمود ألحان قيثار
ويشبه هذا البيت بيتًا لابن عبدالله السقاف يمتدح الإمام يحيى، وفيه يقول:
نغمات زمجرة المدافع في الوغى/ خير له من أن تحرك مِزهرا
وفي أبيات جرادة تشبيه طرب الإمام أحمد لقصف المدافع بطرب المحب الذي عمده الحب عند سماعه ألحان قيثارة، أما بيت ابن عبيد الله، فلا مجال للتشبيه؛ لأن الإمام يحيى كعالم دين له رؤية دينية متشددة تحرم الغناء وآلات الطرب. فالنغمة الوحيدة التي يحب سماعها هي دوي قصف المدافع فقط. ومن المعلوم أنه في عصر الإمام أحمد كان أكثر تفتحًا من عصر أبيه، فقد كانت الإذاعة في عصره تبث بعض الأغاني، وقد أنكر عليه بعض علماء الزيدية، ممن ينظرون إلى الغناء نظرة صارمة، في ذلك الوقت.
أما قصيدة جرادة التي ألقاها في عيد النصر بين يديه، ففيها يستحثه على تخليص الجنوب من الاحتلال البريطاني، وهو يذكرنا أيضًا بجهود مفتي حضرموت وشاعرها ابن عبيد الله السقاف، وقصائده في الإمام يحيى حميد الدين يستنهضه فيها لبسط نفوذه على حضرموت، وتخليصها من البريطانيين. يقول جرادة:
أرضي أيجني شهدها مستعمر/ وأنا أذوق بها كؤوس العلقم؟!
أرضي وفيها طعنة مسمومة / تدمي فؤاد الشاعر المتألم
ثم يقول:
إن الجنوب ليرتجي بك وثبةً/ تعليه من درك الحضيض المعتمِ
إن الجنوب ليبتغي بك نهضةً/ تبنيه بعد تدهور وتهدمِ
أبناؤه وفدوا إليك وكلهم/ يهوي السماع إلى زئير الضيغمِ
وقصيدة ابن عبيد الله هي:
أليس لهذا الليل في سره فجرُ/ أم اسود وجه الصبح أم خانني الصبرُ
ولي وطن مذ ألف عام وأرضه/ لزهر الهدى أوج وللأوليا وكرُ
أترتاح نفسي بعدما أوثقت به / حبائل في طياتها الغدر والمكرُ
….
فهل من خلاصٍ هل لنا من وسيلةٍ/ يذاد بها عن قطرنا الطاهر الشرُ
دعونا بيحيى في الخطوب ومن دعا/ بيحيى لخطب جاءه الفتح والنصرُ
قال المؤرخ زبارة في (نزهة النظر) عقب إيراده هذه القصيدة: “وقد رد عليه الإمام يحيى برسالة مشفوعة بقصيدة من نفس البحر والقافية، وفي الرد شيء من التسويف والمماطلة”.
ورثى جرادة الزبيري بهمزية تذكرنا برثاء قصيدة الشريف الرضي لأمه، وفيها يقول جرادة:
كفكفت يوم رزئت دمع إبائي/ وذهلت من هلع ومن برحاءِ
ولمست جنبي باحثًا متحسسًا/ قلبًا أصيب بطعنة نجلاءِ
نبأ رجوت بأن أكذب مسمعي/ من هول موقعه فخاب رجائيِ
والبيت الأخير يذكرنا ببيت المتنبي حين رثى أخت سيف الدولة الحمداني حين توفيت بميافارقين:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ/ فزعت فيه بآمالي إلى الكذبِ
يقصد خبر نعيها، وكان قد رجا المتنبي أن يكون الخبر كذبًا، وتعلل بهذا الرجاء.
أما همزية الشريف الرضي فهي:
أبكيك لو نقع الغليلَ بكائي/ وأقول لو ذهب المقالُ بدائي
وأعوذ بالصبر الجميل تعزيًا/ لو كان بالصبر الجميل عزائي
وممن رثاهم جرادة الشيخ المناضل الداعية عبدالله الحكيمي، ورجل التنوير الأستاذ محمد علي لقمان، ثم امتدح ثورتي سبتمبر وأكتوبر بقصائد طنانة، ومدح جمال عبدالناصر مدحًا يليق بمكانة هذا الإنسان.
بوركت يا أيول إن مبادئًا / ولدتك حرًّا نسلها لا يعقم
وخلدت يا تشرين إنك صورة/ اليمن الجديد ورمزه المتجسم
وقصيدته للشيخ عبدالله الحكيمي هي:
جئنا نحيي مجدك الوثابا/ ونفي علاك من الولاء نصابا
وفيها يقول:
حملت أناملك اليراع فلم تدع/ للناطقين الأبيناء خطابا
وكشفت من تاريخ قومك غامضًا/ وأزحت عن وجه النفاق نقابا
وقصيدته في الأستاذ محمد علي لقمان:
سل موكب النور ماذا أسكت الحادي/ وأين ألقى عصاه المرشد الهادي
دليل قافلة التحرير أين صدى/ تأويبه رائحًا بالركب أو غادي
سل عنه سلعًا وسل وادي العقيق فقد/ يشجيك صوت الأسى من ذلك الوادي
وقوله: (سل عنه سلعًا) شبيه ببديعية ابن المقري:
إن جئت سلعًا فسل عن جيرة العلم/ واقري السلام على عرب بذي سلم
ومرثاته للزعيم جمال عبد الناصر:
ثباتًا على هول الفجيعة يا مصر/ وإن ضاق عنها الذرع وامتننع الصبرُ
ثباتًا على عظم المصاب الذي عرا / فما من مصاب مثله بعده يعرو
ولن تذرف الدنيا الدموع على امرئ / نظير الذي عن مثله عقم الدهرُ
ومالي أوصي مصر بالصبر وحدها/ وكل بلاد العرب في حزنها مصرُ
…
جمال زعيم العرب والقائد الذي/ به شجب العدوان وانهزم الكفرُ
وفي قصيدته فردوس القرآن التي يقول فيها الأستاذ عبدالله فاضل فارع إن الشاعر ربما كان ينصت إلى المقرئ وهو يرتل سورة مريم:
أيها القارئ المرتل آي الذكر شنف بلحنه مسمعيا
وأعده علي إني به أنهل نبعًا من الضياء سخيا
منبعًا من سنى الهداية والرشد ينيل النهى غذاء وريا
يبعث الدفء في القلوب الذكيات ويذكي حماسها العبقريا
سور من مشارف الوحي تنساب نشيدًا موقعًا قدسيا
زاد مرُّ المدى صداها صفاءً وكساها ثوب الجلال السنيا
وقد ذكرتني هذه القصيدة التي هي من نسج سورة مريم، بقصة، وهي أن أحد أبناء العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، أو أحد أحفاده، ولعله العلامة علي بن إبراهيم الأمير، دخل كنيسًا يهوديًّا، وصلى فيه، وشرع يقرأ سورة مريم بصوته الشجي، حتى تأثر كبير اليهود، وانحدر الدمع من عينيه وبكى، فطمع ابن الأمير في إسلامه، وقال له: وما يمنعك من ذلك؟ فأجابه كبير اليهود: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
وقد ظن ابن الأمير أن هذا العيلوم قد بكى خشوعًا، وهذا سوء فهم منه، فإن بكاء اليهودي كان ألمًا وحزنًا واستفضاعًا من انتهاك هذا الرجل المسلم حرمة الكنيس، ثم تلاوته لسورة تذكر فيها مريم وابنها المسيح الذين يرميانهما اليهود بالعظائم، ومن المعلوم أن اليهود كان لهم الضلع الأقوى في الوقوف ضد المسيح وتعاليمه، والسعي في قتله، وإغراء الدولة الرومانية به، ولذلك نرى المعري يقول:
عجبًا للمسيح بين النصاري/ وإلى أي والدٍ نسبوه
أسلموه إلى اليهود وقالوا / إنهم بعد قتله صلبوه
ليت شعري وليتني كنت أدري/ ساعة الصلب أين كان أبوه
وإذا أردت برهان ذلك، فاعكس القضية، وتخيل لو أن يهوديًّا دخل مسجدًا من مساجد المسلمين، وشرع يتلو التوراة بصوت عالٍ، وهو يهز رأسه كحرباء في يومٍ قائظ شديد الرمضاء، فما عسى أن يكون رد المسلمين الغيورين على مساجد الله تجاه ذلك؟!
ليس الذي يبكي على وصلهِ/ مثل الذي يبكي على فقدهِ
أما استدلال كبير اليهود بهذه الآية، فمن دهاء اليهودي وسعة حيلته، إذ يظهر فيه اطلاعه على القرآن الكريم، وسرعة بديهته في تبنيه مذهب أهل الجبر، وأن لا سبيل إلى إيمانه، إلا بمشيئة الله، وإلا فالمعتزلة يذهبون أن هذه الآية من المتشابهات، وأن الآيات المحكمات مثل قوله تعالى: (وهديناه النجدين) وقوله: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
ثم إن قصيدة ابن بهران هي أيضًا على هذا الوزن التي نسج عليها جرادة، وهي من روائع الشعر العربي، وهي:
بدا كالبدر توج بالثريا / غزال في الحما باهي المحيا
رماني باللحاظ فصرت ميتًا / وحيا بالسلام فعدت حيا
وبالكف الخضيب أشار نحوي / وأدناني وقربني نجيا
وكذلك قصيدة ابن شهاب:
بدت فأغاضت القمر الضويا / وأخجلت السنان السمهريا
بربك هل ترى قمرًا سواها / بدا متمثلاً بشرًا سويا
وفي قصيدته (ذكريات)، نرى جرادة يقول:
من شاء أن يتخلى عن غوايته/ فليقذف النفس في دوامة المحن
وهذا مخالف لتعاليم القرآن الذي يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، ونصيحة العربي لابنه: إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر، وقول الشاعر العربي هدبة بن الخشرم:
ولا أتمنى الشر والشر تاركي/ ولكن متى أُحمل على الشر أحمل
أما قصيدته التي يتحدث فيها عن الروح قبل أن تهبط من مستقرها العلوي، وتتصل بالجسد الأرضي على رأي بعض الفلاسفة، فنجد صداها في قصيدة ابن سينا.
يقول جرادة:
كنت سرًا عميقْ/ لا يهاب الظروفْ
هازئًا بالظروفْ/ ساخرًا بالحتوفْ
وأراد الإله/ أن أعود الترابْ
وأعب الحياة/ من معين الترابْ (هكذا وردت في الديوان ولعل الصواب: من معين السراب)
فشققت السبيل / بين نور ونارْ
واحتملت الثقيل/ من ضروب الإسارْ
وقصيدة ابن سينا:
هبطت إليك من المحل الأرفع/ ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف/ وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما/ كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما أنست فلما واصلت/ ألفت مجاورة الخراب البلقع
وأظنها نسيت عهوداً بالحمى/ ومنازلاً بفراقها لم تقنع
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها/ في ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت/ بين المعالم والطلول الخضع
تبكي إذا ذكرت دياراً بالحمى/ بمدامع تهمي ولما تقطع
أما قصيدة جرادة حول تحرير المرأة، فهي:
والمرأة احتقر الرجالُ مقامها/ واستخدموها دميةً خرساء
يا ليتهم درسوا الكتاب وأدركوا/ أثر الحديث فقدروا حواءَ
أوصى الرسول صحابه أن يسألوا/ شطر الشريعة تلكم الحمراء
نجده عند الرصافي:
أليس العلم في الإسلام فرضًا / على أبنائه وعلى البنات
وكانت أمنا في العلم بحرًا/ تحل لسائليها المشكلات
وعلمها النبي أجل علمٍ/ فكانت من أجل العالمات
لذا قال ارجعوا أبدا إليها/ بثلثي دينكم ذي البينات
فقول: جرادة (شطر الشريعة تلكم الحمراء)، وقول الرصافي: (بثلثي دينكم) فيه إشارة إلى الحديث النبوي: خذوا شطر دينكم من الحميراء، يعني أم المؤمنين عائشة. والحميراء تصغير حمراء، وهي المرأة البيضاء.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري (فتح الباري) عن هذا الحديث: “لا أعرف له إسنادًا، إلا في النهاية لابن الأثير، وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنه سأل المزي والذهبي عنه، فلم يعرفاه، وقال السخاوي: ذكره في الفردوس بغير إسناد، وبغير هذا اللفظ، ولفظه: خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء”.
جرادة وفلسفة الصمت
لقد كان جرادة ممن يؤثرون الصمت والسكوت أمام الأنظمة القمعية؛ خوفًا على حياته، وصونًا لنفسه أن يمسها سوء، أو ينالها اضطهاد، حتى لقد لاحظ الأستاذ الدكتور أحمد الهمداني أن شعر جرادة تهلهل وضعف في أخريات حياته، بسبب طبيعة نظام الحكم في الجنوب الذي كان يعيش تحت ظله، فالنظام في تلك الفترة كان يرى أن الشعر الكلاسيكي ذي القافية نوعًا من الرجعية، بخلاف شعره في الأربعينيات والخمسينيات الذي كان يعيش فيها جرادة عصره الذهبي في الأدب والشعر.
يقول جرادة متحدثًا عن فضيلة الصمت:
ألم يعتصم بالصمت والصمت حكمة/ إذا كسب المرء المذلة ناطقا
ويقول:
إنني أعرف هذا / إنني أعرف أكثرْ
غير أني أؤثر الصمت / وذنب الصمت يغفرْ
يذكرنا بأبيات الرصافي:
يا قوم لا تتكلموا / إن الكلام محرمُ
ناموا ولا تستيقظوا/ ما فاز إلا النومُ
…..
من شاء منكم أن يعيـــ/ ش اليوم وهو مكرمُ
فليُمسِ لا سمعٌ ولا بــ / صرٌ لديه ولا فمُ
وفي قصيدته (من عدن إلى عمان)
يقول:
قولي لعمان الشقيقة / إن نجم الفرد آفل
قولي لها إن الصباح/ يشع من ليل المشاكل
والبيت الأخير يذكرنا ببيت البردوني:
إن السماءَ ترجى حين تحتجبُ
وفي قصيدته (وداع):
جاءت تجر خطًا إلىَ ثقيلة / كحليف سقم أو صريع مدام
في وجهها الهادي الحزين خواطر/ خرساء تغني عن فصيح كلام
وبطرفها الساجي الكسير من الأسى / ضربٌ من الإيحاء والإلهام
قالت تعجلنا اللذاذة والمنى/ قلت الظروف شديدة الإحكام
عانقتها ورجوت منها موثقًا / ألا تضيع مودتي وذمامي
فروت مدامعها حديث شعورها/ وتلفتت في حيرة وهيام
وأتت مدامعها بأصدق شاهد/ عن عظم ما تخفي من الآلام
فمشهد الوادع عند جرادة يشبهه عند ابن شهاب، فقوله: (قلت الظروف شديدة الإحكام) يشبه قول ابن شهاب:
ولم أنسَ الوداع وما جرى لي/ غداة السير إذ عز المقامُ
بكت خوف النوى وبكيت قهرًا/ دمًا فبي وبها لعب الغرامُ
تبث إلى شكواها فأشكو / إليها والدموع لها انسجامُ
تناشدني أترجع عن قريب/ فقلت نعم وللدهر احتكامُ
وأزمعت الرحيل وفي فؤادي/ لوحدتها لهيب واضطرامُ
أما نهج البردة لجرادة، وبمقارنتها ببردة ابن عبيد الله السقاف، يلاحظ القارئ – بحسب رأيه – أن جرادة حلق عاليًا في بردته، ومستهل بردة جرادة هي:
راع المشوق وميضٌ في دجى الظلم/ وحرم النوم ذكرى جيرة العلم
وأوقد الشوق نيرانًا مؤججةً / في صدر مضطربِ الأحشاء مضطرمِ
إلا أنه لم يعجبني قوله:
حنى إلى الله رأسًا ما انحنى أبدًا/ لحاكمٍ قاهرٍ أو غاصبٍ غَلمِ
لم يعجبني لفظة: (غلم)؛ فإن الغُلمة هي الشبق الجنسي، ولو قال (خَصِمِ)، لكان أفضل بحسب رأيي، إلا أن يكون استعمل الغلمة والتي تعبر عن شدة الشهوة في غير محلها، على سبيل الاستعارة، وهو شهوة الغاصب لاغتصاب ما ليس له.
أما قصيدة ابن عبيد الله، فهي:
كم ذا يهيج نَوح الوُرق من ألمي/ وكم يُقطِّع قلبي بارقُ الظلم
ألوثُ بُردي على صدري مخافة أن/ يسيل من دمعي القاني على قلمي
هذه جولة قصيرة على ديوان الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة، مع مقارنته ببعض ما ورد في ديوان العربية، ولعل الظروف تسمح بدراسة أوسع عن هذا الشاعر الكبير.
*كاتب يمني.
تعليقات