شيرزود آرتيكوف– ترجمة نزار سرطاوي
عن الكاتب
شيرزود آرتكوف كاتب قصص ومقالات ومترجِم من أوزبكستان، وأحد الفائزين بجائزة “إقليمي اللؤلؤي” للأعمال النثرية. ولد في مدينة مارغيلان عام 1985. تخرج من معهد فرغانة للبوليتكنيك عام 2002. صدر له كتاب بعنوان “سيمفونية الخريف” في عام 2020. ينشر أعماله في الصحافة المحلية، وكذلك ينشر في المجلات الالكترونية الروسية والأوكرانية مثل “كاميرتون” و”توبوس” و”أوتوغراف”. كما نشرت قصصه مجلات ومواقع أدبية في العديد من دول العالم كالولايات المتحدة والصين والهند وباكستان وألمانيا والسعودية ومصر واليونان وإسبانيا وإيطاليا والأرجنتين والمكسيك وسواها.
—————————————————–
صحوتُ فجأةً من نومي. كان الصباح قد حلّ. أحدهم يناديني بصوتٍ عالٍ يأتي من الشارع.
قلت مُرحّبًا وأنا أفتح البوابة وأرى جاري يرتدي ملابس غير مناسبة: عمي نورمات.
قال على عجل: أنا… أنا… أنا أنادي عليك منذ وقتٍ طويل. البرد شديد. فلنذهبْ إلى الداخل.
كان العم نورمات في السبعين من عمره، رجل نحيف وضئيل للغاية، لم يسقط شعر رأسه. عاش كما يعيشُ المتسولون. توفيت زوجته منذ سنواتٍ طوال، وتركتْه وحيدًا مع طفلتيه. لم يكن له أقارب يزورونه ويعتنون به سوى هاتين الابنتين.
كان ممثلاً لم يلعب طوال حياته سوى أدوار ثانوية.. رجُلٌ عادي تحوّلَ حلمه في تجسيد شخصيات شكسبير على المسرح إلى رغبةٍ وصلت حدّ الهوس. هذا الرجل الذي كان الدور الوحيد المهم الذي أدّاه على المسرح هو شخصية بوبتشينسكي في مسرحية “المفتش الحكومي”* كان صادقًا متحررًا من العناد المتجذر في كبار السِّن، حسنَ النية مفعمًا بالحيوية. في تلك السنّ لم يكن ثمّة ما يريده من الحياة، ولا ما يشكو منه من القدر. لكن لسببٍ ما، وعلى الرغم من خبرةِ أربعين عامًا، لم يكن لديه الإحساس بالثقة بالنفس على المسرح، ولذا فإنه على ما يقولون، لم يتمكن من أداء دور الملك العجوز لير في مسرحية شكسبير الشهيرة. قال وهو يعدو أمامي إلى داخل الغرفة بسبب البرد، ليستدفئ بجوار الموقد: لم يسِرِ الأمر على ما يرام. لم يكن مناسبًا. قلت لنفسي حينَها: كيف يمكنني أنْ أتدرب هكذا في المساء؟ لا بد أنْ أتدربَ في الصباح، أنْ أستيقظ مبكرًا. أظن أن هذا هو القرار الصحيح. ففي الليلة الماضية أعدت مونولوغ الملك المسكين في المشهد الأخير أربع مرات. لم يكن ناجحًا، وفي هذا الصباح كان أداءُ عبدِك المتواضع أفضل بكثير. قال ذلك وهو يفرك يديه معًا.
تابع الجار حديثه: هل يمكنني أنْ أجلس على الكرسي؟
ويبدو أن الدفء انبعث في جسده فابتعد عن الموقد.
– أنظر! كنتُ أجلس هكذا، بقامة غير منتصبة، بل مُنحنية قليلًا لأنّ الملك لير يجلسُ هكذا. فهو عجوز منهك. يداه لا تكفّان عن الارتعاش. لذا لا يستطيع أنْ يعانق جثة ابنته بقوة. وزيادة على ذلك فإنّه يفتح عينيه على وسعهما، ولا يريد أن يصدق أنها بلا حياة.
فتحَ عينيه كما يريد، وأخرج قطعة ورق مجعدة من جيب سترته. وأخيرًا اتخذ وضع الملك لير وراح يتلو مونولوغًا حزينًا وهو يُلقي نظرة خاطفة على قطعة الورق.
– لديّ بعض نقاط الضعف التي عليّ أنْ أعالجها، قال وقد أنهى المونولوغ
– في الغالب سأضطر إلى العمل على هذا المشهد الأخير. هذا هو الجزء الأصعب.
نهض عن كرسيه، مشى نحوي ونظر حوله بخجل وهمس: حتى كبار الممثلين بالكاد يستطيعون أداء هذا المشهد الأخير. عليَّ أنْ أكون جادًّا بشأن المونولوغ وأنْ أتعلمه. إلى متى أحمل معي مونولوغات مكتوبة؟ إنْ عدت إلى المسرح اليوم أو غدًا، فليس من سبيل إلى قراءة المونولوغ من ورقة .
فرك صدغه وأخذ نفسًا.
– لا بد لي من حلّ هذه المشكلة. من الأفضل أن أذهب إلى البيت.
على عجل أعرب عن امتنانه لي أنني شاهدت البروفة. ثم أمسك ورقة المونولوغ في قبضة يده وانطلق خارجًا من الغرفة،.
بعد ذهابه خرجت مرتديًا ملابس دافئة. قضيت اليوم كله أعمل في مكتبة المدينة. تصفحت بعض الكتب، وجمعت معلومات لورقة بحث أكتبها عن أدب أميركا اللاتينية. وحين عدت إلى المنزل في المساء، قابلت عمي نورمات ثانيةً عند البوابة. كان يضربُ بقبضته على البوابة وقد نفد صبره. كان يرتدي الملابس نفسها كما قبل ساعتين.
قال عندما رآني: آه، لستَ في المنزل؟
أجبتُ وأنا أشير إلى الكتب: ذهبتُ إلى المكتبة.
قال متجاهلاً الكتب: ذهبتُ إلى المسرح اليوم. أردت أن أتحدث مع المخرج عن العودة إلى العمل. انتظرت خارج مكتبه لفترة طويلة، لكنه لم يظهر. غدًا سأفعل. سأذهب مرة أخرى. سأخبره أنني قررتُ العودة إلى العمل: سألعب دور الملك لير.
حين مررت ببيته في اليوم التالي انفتحت النافذةُ المطلةُ على الشارع فأحدث إطارها صريرًا وأطلّ العم نورمات.
– صرخ ملوحًا بيده: جاري! التقيتُ بالمدير الليلة الماضية: لقد حضر. أخبرته عن نيتي. استمع إليّ باهتمام وتحدث بإطراء عن عودتي. لكن يبدو أنه تمّ تأجيل الوظيفة لأمدٍ طويل لأنه لا يوجد مكان شاغر في المسرح حاليًّا. قال إنه سيُبلِغني هاتفيًّا بمجرد توفر شاغر.
خلال الأيام الثلاثة اللاحقة، لم يخرج العم نورمات لرؤيتي. وحين التقيته أخيرًا، بدا في غاية الانزعاج. راح يكرر بلا توقف: أوغاد، أوغاد!
جلس بجانب الموقد كعادته. كان يكثر من الإيماء أثناء حديثه.
– ابنتاي هنا!
كانت في صوته نبرة غضبٍ غريبةٍ عن طباعه.
– أخبرتهما أنني سأعود إلى المسرح، لكنهما لم توافقا على فكرتي. قالتا إنني كبرتُ ولم أعد أقوى على العمل كما كنت من قبل. قالتا إنه ليس في استطاعتي أنْ أعمل الآن. لا، هذا لن يحدث! إنه الوقت المناسب لأداء دور الملك لير. وعمري الآن مناسب. الملك لير كان عمره حوالى سبعين عامًا.
فجأة نهض، وراح يذرع الغرفة جيئةً وذهابًا ويداه خلف ظهره.
قال: لقد رأيتَ بنفسك، أليس كذلك؟ وقف فجأة أمامي.
– لقد رأيتَ أنّ في مقدوري أنْ ألعب دور الملك لير، وقد درستُ حالته العقلية بعمق. لقد سمعتَ بأذنيك كيف كنتُ أقرأ المونولوغ بصورة مُعبّرة. وهما لم تريا ولم تسمعا. ابنتاي ملأتا روحي غمًّا بكلماتهن القاسية.
نظرتُ إلى الأعلى وقد شتّتَتْ ذهني أوصافُ لوحةٍ لوجه ماريو بينيديتي. ** كان ذلك جزءًا من عملي الأكاديمي.
لم يكن في وسعي أن أعمل حين كان العم نورمات في حالة توَتّر بالغ. في تلك اللحظة كان الماء يغلي في الإبريق الكهربائي، فأعددتُ الشاي.
قال العم نورمات: الشاي يرفعُ ضغط الدم.
لم يكن عطشانًا فوضع الكأس على حافة النافذة.
قلتُ وأنا أكرع الشاي مرةً واحدة: عمي، ربما أن ابنتيك تقولان الحقيقة. ثم نظرتُ بأسفٍ إلى حثالة الشاي التي تركتها في قاع الكوب.
نظر إليّ العم نورمات بحزن: إنهما لا تعرفان أي شيء.
هذه هي المنطقة التي كنت أستأجر فيها مكانًا لأعيش فيه. كانت زياراتي لوالديّ تتأخر أحيانًا بسبب العمل في المعهد، حيث يستهلكُ العمل في مجال العلم الكثير من الوقت. لكنني منذ أخذت إجازةً من عملي في القسم، أصبح لديّ ما يكفي من الفرص لأزورهما أكثر من ذي قبل.
حين شعرت أن العم نورمات هدأ قليلاً قلت: غدًا سأذهب إلى القرية، سأزور والديّ ليومين أو ثلاثة، وربما لأسبوع.
أومأ برأسه وكأنه يقول حسنًا.
– حتى ذلك الحين سيكون مدير المسرح قد اتصلّ بي.
مكثت في القرية مدة أسبوعين. أيام يناير الباردة بدتْ أشدّ برودةً هناك. واصلتُ عملي البحثي دون أنْ أغادر البيت بسبب البرد. كانت الأيام مملة. عمدتُ إلى ترجمة قصص بينيديتي إلى اللغة الأوزبكية. تساقطت الثلوج بكثافة في اليوم الذي عدتُ فيه إلى المدينة، فغرقَتْ في الثلج حتى الرُكَب. كانت الطرق زلقة. لم يكن المشي وحده خطيرًا، بل كانت قيادة السيارة خطيرة كذلك. كنا نتحرك ببطء شديد، حتى بدا كما لو أنّ عداد السرعة في سيارة الأجرة معَطّل نظرًا للسرعة البطيئة.
عندما ترجَّلتُ من السيارة قريبًا من منزلي، لاحظتُ وجود سيارة إسعاف على القرب من بوابة العم نورمات، ولم يكن السائق يتحرك. كان مُتَكوّمًا فوق عجلة القيادة. بعد حين خرج أحد المسعفين من المنزل حاملاً في يده حقيبة أدوات طبية، وجلس على المقعد الأمامي. تحركت العربة ببطء على الطريق. بعد أن دفعتُ الأجرة لسائق التاكسي، ذهبتُ إلى بيت العم نورمات. عندما دخلتُ، كانت ابنته الكبرى زريفة تستخرجُ الماء من البئر، وألقتْ عليّ التحية. استفسرتُ عن أحوالها وصحتها، ثم دخلتُ البيت. كان العم نورمات مستلقيًا على سريره، يحدّقُ في السقف ورأسه مغطى بضمادةٍ بيضاء.
قالت زريفة: بالأمس كان في حالةِ سُكْرٍ شديد، وانزلق على الثلج فأصيبُ في مؤخرة رأسه.
جلستُ على كرسي بجانب السرير بعد أن ركنتُ أمتعتي بعيدًا.
قال العم نورمات عندما رآني: لم يتصل بي المخرج من المسرح بعد.
ساد الصمت لبرهةٍ قصيرة. جلتُ بنظري في أنحاء الغرفة. كان الموقد مشتعلًا. ثمّة خِزانة مائلة تحتوي على نحو دزينتين من الكتب، وسرير زنبركي، وكرسيٌّ قديم، وجهازُ هاتفٍ قديم، وبجانبه زجاجةُ نبيذٍ فارغةٍ على عتبة النافذة، وكومة من الملاءات والمحاقن المستعملة المتناثرة هنا وهناك. كانت الغرفة شديدة البرودة.
عندما رآني العم نورمات أحضرُ للموقد حطبًا من الفناء، قال بقلقٍ: جاري! ألقِ نظرة على الهاتف، هل السلك مفصول؟
قلتُ وأنا ألقي نظرةً سريعةً على الهاتف: لا، كلّ شيء على ما يرام. أشعلت الفرن بعود ثقاب.
قال بارتياح كبير وقد طمْأنَتْه إجابتي: أوه، حسنًا! إذا اتصل المدير سيرن الهاتف.
سرعان ما سخن الموقد وراح الخشب يطقطق وانتشر الدفء في الغرفة. لابد أن زريفة رأت الدخان المنبعث من الموقد فدخلت الغرفة لتستدفئ.
قال العم نورمات حين خرجتْ ابنته إلى الفناء بعد أن شعرَتْ بالدفْ: لقد حفظتُ خطبَ ومونولوغاتِ الملك لير جميعًا عن ظهر قلب.
لم يستطع أن يهزّ رأسه بسبب إصابته. فأدار عينيه وهو يتحدث.
– ومع ذلك، لم أتلق أيّ اتصال من المسرح. أنتظرُ كل يوم. ليس ثمة أخبار.
بعد قليل غفا العم نورمات. من الجليّ أنّ المسعف أضاف حبوبًا منومة عندما أعطاه حقنة التخدير. ذهبت سميرة، ابنة العم نورمات الصغرى، إلى حافة النافذة بمجرد دخولها الغرفة ومزقت الملاءات المتناثرة إلى أشلاء. وحين انتهت، جلستْ على حافة السرير حيث كان والدها يرقد.
قالت وهي تقترب من العم نورمات بعد أن استيقظ: لا بد أنْ تذهبَ إلى المستشفى دون أيّ جدال.
نظر العم نورمات إليها مندهشًا، ثم إلى ابنته الكبرى التي أحضرت الشاي إلى الغرفة.
– لا أريد الذهاب إلى المستشفى. سأتلقى مكالمةً من المسرح قريبًا.
هزت ابنتاه رأسيهما. عندما سمعتا كلماته.
– قالت سميرة وهي تطلقُ آهةً عميقة: لن يتصلوا… أتعرف لماذا لا يتصلون بك؟ لأنهم لا يحتاجون إليك. هناك العشرات من الممثلين في المسرح يمكنهم لعب دور الملك لير. وهم جميعًا موهوبون أكثر من الآخرين. لن يمنحك المخرج الدور، بل سيعطيه لهم. لم يمنحوك دور البطولة حين كنت تعمل هناك. هل تعتقد أنهم سيعطونه لك الآن؟
زريفة، الابنة الكبرى، قالت بصوتٍ عالٍ من عتبة الباب: ما تقوله شقيقتي صحيح… طوال حياتك كنت تحلم أنْ تلعب دور الملك لير. لقد أفنيتَ الكثير من حياتك وشبابك في سبيل هذا الحلم. لم يتحقق، لم يكن هذا قدرك. الآن تقدم بك العمر… لم تعد في سنٍّ يسمح لك أنْ تركض وراء حلم.
تنهد العم نورمات بعمق قابضًا على حافة السرير بكلّ ما أوتي من قوة: أنتما… كلاكما… اخرجا من الغرفة.
بعد أن غادرتا رقَد بهدوء، ولم يرفع عينيه عن الباب. عندما تحدث، لم أستطع أن أُميّز فيما إذا كان يتحدث إلى نفسه أم إليّ.
– مرتْ حياتي، ليس في الجري وراء حلم، بل في مكابدة رعاية ابنتيّ. كان زملائي جميعًا يأتون إلى المسرح في الصباح بملابس نظيفة وشعرٍ مُرجّل، بينما كنت آتي بثيابي البالية ولحيتي التي تظل بدون حلاقة لأسابيع. فلم يكن لديّ الوقت ما يكفي لأعتني بمظهري. لقد توليتُ رعاية ابنتيّ يوميًّا بسبب مرض زوجتي. أعتني بهما وأنظفهما وأطعمهما وأخذهما إلى روضة الأطفال والمدرسة وأساعدهما في حلّ واجباتهما المنزلية حين يصيبهما المرض، وأمكثُ معهما في المستشفى لبضعة أيام. ولذلك لم أتمكن من العمل في المسرح كما كنت أحلم. كنت موهوبًا أيضًا. لكن العناية بابنتيّ كانت تأخذُ الكثير من الوقت. عند تقديم مسرحيةٍ على المسرح كان مدير المسرح كثيرًا ما يُوبخني، ليس لأنني لم أستطع أداء الدور المنوط بي بصورة مثالية فحسب، بل لأنّني لم أكن قادرًا حتى على حفظ نصوص الشخصيات. لم أكن أتعب على نفسي كالآخرين. لم أقرأ الكتب، ولم أطور قدرتي على الحديث. لأربع وعشرين ساعةً في اليوم كنت لا أفكر إلّا في ابنتيّ. توقفوا عن إعطائي الأدوار. غدوت في نظر المخرج المسرحي سيّءَ السمعة باعتباري ممثلًا يفتقرُ إلى الكفاءة، لا يصلحُ لأيّ دور، ليس عنده أيّ حسٍّ بالمسؤولية على الإطلاق، وتم إقصائي وتجاوزي في توزيع الأدوار قبل الأداء، ولم ألعب أيّ دور منذ شهور. تم تكليفي بأدوارٍ من حينٍ لآخر وبشكلٍ غير متوقع، لكنها كانت أدوارًا ثانوية في أعمالٍ صغيرة لا تتمتع بشعبية، مجرد أعمالٍ عارضة لا تتجاوز سطرين أو ثلاثة.
كان العم نورمات صامتًا يحدق باكتئاب في الهاتف. توقفت الدموع في عينيه وتجمعت ثم سحّت على عظام وجنتيه.
قال وهو يغمضُ عينيه: لم أقضِ حياتي جريًا وراء حلم.
لا بد أن الخشب الموجود في الموقد قد احترق الآن، لأنّ حرارة الموقد انخفضت كثيرًا. أحضرتُ حزمة أخرى من الحطب من الفناء.
فيما كنت أشعلها، فُتِح الباب، وظهر المسعف الذي رأيته في الصباح على عتبة الباب.
قال لسميرة ملتمسًا لنفسه العذر: حاولنا نقل والدكِ إلى المستشفى، لكنه رفض أن يذهب بنفسه.
ردت الابنة وهي تنظر بحرج إلى السرير، حيث كان والدها يرقد: الرجل يغدو متقلبًا جدًا عندما يشيخ.
حمل الرجلان العمَّ نورمات بعناية على نقالة. لم يُبدِ أية مقاومة. بل لم يفتح عينيه. ذهبتُ إلى النافذة، وقفتُ وحيدًا لبعض الوقت في وسط الغرفة. كانت قصاصات من الأوراق التي كُتبت عليها مونولوغات وخطوط الملك لير مبعثرةً عند عتبة النافذة، بعضها ملقى بجانب زجاجة نبيذ ومِحقنة، والبعض الآخر وراء الهاتف. شعرتُ بالرغبة في تهوية الغرفة وترتيبها قليلاً. عندما رأيتُ زريفة تقفُ على العتبة، خرجتُ إلى الممر. وقفتُ هناك متأملاً وأنا أتكئُ على الحائط. فجأةً رنّ جرس الهاتف. بعد هنيهة سمعت صوت زريفة وهي ترفعُ السماعة: هل أدخلتم والدي المستشفى؟ ها أنا أقوم بتهوية الغرفة، الرائحة تنبعث في كل مكان.
———————————————————–
هوامش
* مسرحية “المفتش الحكومي للكاتب الروسي الأوكراني نيكولاي غوغول (1809 -1852)
** ماريو بينيديتي صحفي وروائي وشاعر من أورغوي في أميركا الجنوبية(1920 – 2009).
تعليقات