Accessibility links

ما بين احتمالات السلام وتوقع عودة الحرب


إعلان

عبدالباري طاهر*

التوقع أسوأ من الوقوع، هكذا يقال، وانتظار الحرب لا يقل سوءًا عن وقوعها. مرت اليمن بهدنتين وتهدئة، بعد حروب استمرت ثمان سنوات.

التهدئة الأخيرة، منذ 2 أبريل 2022، حققت بعض الإنجازات الإيجابية، كوقف الحرب المؤقت، وتبادل الأسرى، وبداية التفاوض بين أنصار الله (الحوثيين) والسعودية، ولكن تهديد الحرب لا يزال قائمًا، فالتعتيم والغموض سيدا الموقف. وفي حين يقبل أنصار الله (الحوثيون) بالتفاوض مع السعودية، ويصرون عليه، وهو أمر إيجابي جدًّا؛ لأن السعودية طرف في العدوان، فإنهم – أي الحوثيون – لا يقبلون بالتفاوض مع إخوانهم اليمنيين في الشرعية والانتقالي.

كما أن التهدئة القلقة والهشة لم تحقق المطالب الأساسية، وهي: رفع الحصار الخارجي: البري، والبحري، والجوي المفروض على اليمن، كما لم ترفع الحصارات الداخلية بين الشمال والجنوب، ومن حول تعز، ولم يجرِ تبادل الأسرى على قاعدة «الكل مقابل الكل»، ولم يتوقف خطاب الكراهية، والتحريض الطائفي والسلالي والجهوي، كما لم يجرِ إطلاق المعتقلين السياسيين، والمختطفين والمختفين قسريًّا لدى كل الأطراف، ولم تُصرف المرتبات، ولم تتوحد العملة، أو البنك المركزي، وكلها مؤشرات على إبقاء جذوة الحرب مشتعلة، والعودة – لا سمح الله – إليها في أيّة لحظة.

هناك احتمالات عديدة، أهمها: تحقيق السلام، والخلاص من الحرب، والوصول إلى تسوية سياسية، وهذا الاحتمال مصدره ثبات حالة التهدئة لأكثر من عام، واستمرار مساعي التفاوض، وربما حصول لقاءات هنا وهناك بين أطراف الحرب، والأهم الاتفاق الإيراني – السعودي، وهما القوتان الإقليميتان الضالعتان في الحرب، والطرفان الأساسيان في الصراع الإقليمي، وكانت اليمن الميدان الأكثر احتدامًا في هذا الصراع، ثم أيضًا حالة التعافي في المنطقة العربية والمحيط، كما أن للحرب في أوكرانيا دورًا في تركيز صُنّاع الحروب وأباطرتها: الأمريكان والأوروبيين على الحرب في أوكرانيا.

الحرب في أوكرانيا مصيرية بالنسبة لأمريكا وأوروبا، وتستنزف جل جهدهم وقدراتهم، وهم يحاولون تهدئة الصراعات في أكثر من منطقة للتفرغ لمعركتهم الأولى مع روسيا، ومع الصين التي تعتبرها أمريكا العدو الأول، والخطر الأكبر.

لتحولات الصراع في العالم أثر كبير على حالتنا العربية بعامة، وحالتنا في اليمن بشكل خاص، فضعف العوامل الداخلية، وارتهان الصراع اليمني للإقليمي، وارتباط الصراع الإقليمي بالدولي قوي.

عودة التفاوض مع إيران، والتقارب التركي – المصري والسوري، والتركي مع السعودية ودول الخليج – كلها مؤشرات تزكي الميل لوقف الحرب، والتفاوض السياسي.

الاحتمال الثاني: العودة إلى الحرب، أو الاستمرار في التهدئة، وإطالة أمدها، أي حالة «اللا حرب»، و«اللا سلم»، وهو ما تريده الأطراف المستفيدة من الحرب، وبالأخص قادة المليشيات، والمرتزقة، ودعاة الحروب، وقد يجد هذا الوضع استجابةً لدى الأطراف الإقليمية الطامعة في استمرار هيمنتها على اليمن، واستيلائها على الجزر، وتعطيل الموانئ، وبالأخص ميناء عدن.

إن احتمالات مد التهدئة، وتحويلها إلى حالة اللا حرب، واللا سلم، وإطالة أمد المفاوضات بين السعودية وأنصار الله (الحوثيين)، وحالة التعتيم والغموض هو ما تريده قوى نافذة في الداخل والخارج، وهو أخطر الاحتمالات وأكثرها ضررًا على اليمن واليمنيين، ففي الداخل اليمني هناك أنصار الله (الحوثيون)، وقادتهم، وهم الأقوى، فهؤلاء مصلحتهم في بقاء الأوضاع على حالها من الفوضى، وسيطرة مسلحيهم، فلا مصلحة لهم في السلام، ولا شأن لهم ببناء دولة، أو تحقيق مصالحة، أو حل سياسي، وهم لا يشعرون بمعاناة الشعب، والكارثة المحدقة باليمن.

وهناك الشرعية والانتقالي، وهؤلاء قد سلموا أوراقهم للتحالف، ويكتفون بما يحصلون عليه من مرتبات وامتيازات، ولا علاقة لهم بمتاعب اليمن وشعبها، فهم يتصرفون وفق إرادة أولياء الأمور: السعودية، والإمارات، ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، والانتقالي مهجوس بالدعوة للانفصال، معتمدًا على دعم الإمارات التي لاهم لها إلا تعطيل ميناء عدن، والاستيلاء على جزر اليمن، وبالأخص جزيرة سوقطرة.

أطراف الحرب اليمنية، شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا، نائمون في العسل، ويتعيشون على حساب نكبة ومأساة شعبهم، فالحرب أو حالة اللا حرب واللا سلم، تكفل بقاءهم في مواقعهم، وتبقي مصالحهم وامتيازاتهم، فقد ارتبط مجدهم السياسي، ومصالحهم وتسيدهم بالحرب، ورياح السلام قد تهدد هذه المصالح، إن لم تضعهم موضع المساءلة.

الفاعلون الأساسيون، والطرف الأقوى في الحرب، سواء بالانخراط المباشر فيها، أو بالتغذية والتمويل والدعم بالسلاح، وتحديدًا السعودية، والإمارات العربية، وإيران – هم في طريقهم لحل خلافاتهم، وضمان مصالحهم، وهي الأساس، بحيث تتحول مناطق الصراع: العراق، وسوريا، ولبنان واليمن، وبالأخص اليمن – إلى هامش، وليس متنًا، فيمكنهم التوافق على حل صراعاته، وفي حالة الاستعصاء يمكن تركه، والاكتفاء بتغذية الصراع، والبراءة منه، أو التنصل من تحمل أي مسؤولية مادية أو أدبية أو أخلاقية إزاءه، وهو احتمال يؤكده تسارع التصالح الإيراني – السعودي، وتباطؤ التفاوض بين أنصار الله، والسعودية، ثم إن أيّ حل بدون تشريك الأطراف اليمنية سيكون صعبًا، إن لم يكن مستحيلاً.

وفي الأخير، فالأطراف الدولية، وتحديدًا الرباعية، لن يكون موقفها أو رؤيتها للحل بعيدًا عن موقف ورؤية العربية السعودية والإمارات.

* نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.

   
 
إعلان

تعليقات