صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد العلفي
يستقبلُ آلاف اليمنيين عيد الفطر لهذا العام 2021م، وقد أثقلت كواهلهم تداعيات الحرب المستعرة هناك للعام السابع على التوالي، مُخلِّفةً أسوأ مأساة إنسانية في التاريخ حسب الأمم المتحدة.
لقد أجبرت الحرب اليمنيين على التخلي عن الكثير من عادات العيد وطقوسه المستمَدة من تراثهم وثقافتهم.. فيما لا يزال هناك منهم مَن يتحدى واقع وظروف الحرب، ويعيشُ بعض طقوس العيد كصورة تعكسُ خصوصية هذا المجتمع في علاقته المختلفة بالحياة.
الأعياد الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى مناسبة لارتداء الجديد من الملابس وشراء “جعالة العيد” (الزبيب والحلوى والشوكلاتة والمكسّرات)، فقد جرت العادة على أنْ تبدأَ علامات ومظاهر عيد الفطر المبارك والاستعداد له من قُبيل منتصف شهر رمضان الكريم، وأحيانًا قبل عيد الفطر بأيامٍ من خلال شراء متطلبات العيد من ملابس وحلويات، وهو ما تستعد له المحلات التجارية كموسمٍ تجاري.
في سنوات الحرب تُجاهدُ آلاف الأسر اليمنية في سبيل توفير القوت الضروري، فيكتفي أفرادها بمشاهدة المعروضات التجارية؛ لعدم امتلاكهم المال الكافي لدخول تلك المعارض والمحلات، خاصة في ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وتردّي الأوضاع المعيشية، وانقطاع رواتب قرابة مليون موظفٍ حكومي.
فيما استعاضَ البعض منهم بالمعارض المفروشة في أرصفة شوارع المدينة (بسطات)، والتي تَعْرضُ ثيابًا وعطورًا وزبيبًا وحلوى ومكسّرات، فيما البعض الآخر لم يتمكن من الشراء حتى من تلك “البسطات”.. وعلى الرغم من ذلك هناك مَن يعيشُ طقوس العيد ويشتري مستلزماته ويبتهجون بالمناسبة في تحدٍّ لظروف الحرب، فالمجتمع اليمني في علاقته بالعيد خلال الحرب يمرُّ بخليطٍ من التعامل مع المناسبة، يبقى فيه العيد حاضرًا بما تبقّى من طقوسٍ، على الرغم من تراجُع كثيرٍ منها.
بلا شك أتت الحرب على أبرز ما في العيد كَلَمِّ شمْل الأسرة وصلة الأرحام والتواصل الاجتماعي التقليدي من خلال ما يُعرف محليًّا بـالعوادة أو عسب العيد (منح الأطفال والنساء مبالغ مالية)، كما كان الموظفون والعاملون في المدينة يستغلون إجازة العيد لزيارة قراهم، واستعادة أجواء الدفء الأسري، بالإضافة إلى القيام بزيارات للضواحي والوديان خارج المدينة، وأيضًا زيارة المدن الساحلية.
لقد أثرت الحرب كثيرًا في ظروف الناس، وانعكس الحال على علاقتهم بكلِّ شيء، بما فيه العيد، فمزقت النسيج الاجتماعي والوطني، لِما خلّفتهُ من جراحات لكثيرٍ من الأسر التي فقدت عائلها أو أحد أفرادها، وشتتت شمْل الكثير من العائلات، وتسببت بحركة نزوح واسعة طالت آلاف الأسر في كثيرٍ من مناطق اليمن؛ الأمر الذي أدّى لفقدان تلك الأسر فرحة وبهجة العيد التي لم يتبقَّ منها إلا الذكريات، وعلى الرغم من ذلك يحاولُ اليمنيون أنْ يعيشوا ولو بعض فرحة المناسبة.
مزّقت الحرب النسيج الاجتماعي والوطني، وشتتت شمْل الكثير من العائلات، وتسببت بحركة نزوح… الأمر الذي أدّى لفقدان تلك الأسر فرحة وبهجة العيد التي لم يتبقَّ منها إلا الذكريات، فيما يُحاولُ البعض تحدّي الحرب وإحياء هذه المناسبة العظيمة.
مشتريات العيد
ارتفعت أسعار احتياجات العيد لهذا العام من ملابس، و”جعالة العيد” (تسمية يمنية لحلويات العيد) على ما كانت عليه العام الماضي بنِسبٍ متفاوتة.
يقولُ طلال، وهو صاحب أحد محلات الملابس النسائية بصنعاء، إنّ نسبة الارتفاع هذا العام تراوحت بين 30 ـ 35% في بعض الملبوسات، مُرجعًا ذلك إلى ارتفاع الجمارك والضرائب والمبالغ الأخرى التي يتم جبايتها من التجار.
فيما يُشير محمد راشد، وهو صاحب دكان ملابس رجالية بصنعاء، إلى أنّ الارتفاع تراوح بين 10 ـ 20% في بعض الملبوسات، وعزا ذلك إلى ارتفاع أجور النقل والازدواج في الجمارك، حيث يقومُ التاجر بدفع الجمارك لدى دخول البضاعة من المنافذ البحرية، أو أحيانًا البرية للسلطة في عدن (الحكومة المعترف بها دوليًّا)، ثم يدفعها مرة أخرى لجمارك سلطة صنعاء “أنصار الله” (الحوثيين)، هذا بالإضافة إلى الارتفاع في نسبة الجمارك.
ولم تسْلم جعالة العيد من موجة الارتفاع في الأسعار، يوضح محمد محسن، وهو صاحب دكان مواد غذائية، أنّ سعر كرتون الزبيب المستورد الذي كان يشتريه العام الماضي بـ 100 ريال سعودي اشتراه هذا العام بـ 160 ريال سعودي، فضلاً عن الارتفاع المتفاوت في قيمة المكسرات والشكولاتة.
هذا الارتفاع في أسعار مشتريات العيد انعكسَ سلبًا على القدرة الشرائية للكثيرين الذين لم يتمكنوا من شرائها.
يقولُ عمار، وهو موظف حكومي: «هذا العام لم أستطع شراء ملابس العيد للأولاد، وسأعملُ مع والدتهم على إقناعهم بارتداء ملابس قديمة ونظيفة، وبالنسبة لجعالة العيد ستقومُ زوجتي بعمل بعض الكعك والحلويات في المنزل».
مجيب هو الآخر موظف حكومي، ولديه ثلاثة أولاد، لكنه استطاع أنْ يشتري ملابس لأولاده.. يقول: «بالكاد استطعتُ شراء ملابس للأولاد من البسطات؛ فأسعارهم تكون أرخص قليلاً رغم رداءة معروضاتهم، أما بالنسبة لجعالة العيد فقد اكتفيتُ بشراء قنينة من شراب الفيمتو (عصير بنكهة توت)».
ويضيفُ بتهكّم: «صرفوا لنا نصف راتب مع بداية رمضان لشراء احتياجات رمضان، واليوم صرفوا لنا النص الثاني لمواجهة مشتريات العيد من كسوة وجعالة وعسب العيد»، «كنتُ أستلمُ راتبي وسعر صرف الدولار بـ 215 ريالًا، بينما اليوم سعر الصرف يصلُ إلى 600 ريال»، متسائلاً: «ما الذي سأعمله بنصف الراتب هذا؟! هل أدفع إيجار البيت، أو مأكل ومشرب، أو ماذا؟!».
تجهيزات العيد
على الرغم من ذلك فمع قدوم العيد ما زال الكثير من ربات البيوت اليمنيات يبدأنَ بعملية تنظيف واسعة لمنازلهن لاستقبال الزوار، أو ما يُعرف محليًّا بـ”المُعَيِّدين”، وهو في أزهى صوره، كما يبدأنَ بصنْع كعك وحلويات العيد، وهو تقليدٌ ما زلن يحرصن عليه معظم ربات البيوت اليمنيات في محاولةٍ لعيش مسرات العيد بأيّ قدْر، على الرغم من تراجُع الزيارات.
وكان الأطفال في القرى يعمدون إلى تجميع الحطب، ومؤخرًا الإطارات المعطوبة للسيارات، ويعملون على إحراقها ليلة العيد إحياءً لعادة ما يُسمّونها “التنصيرة”، وهي عادة قديمة كانت تعتمدُ على الرماد المعجون بالكيروسين.
يقولُ عبدالوهاب، وهو في العقد الرابع من العمر، من أبناء محافظة عمران: «كنا نتسابقُ على جمْع أكبر قدْرٍ من الحطب، ونبحثُ عن المكان البارز لنكون أصحاب أكبر تنصيرة في القرية».
ويشيرُ إلى أنّ هذه العادة تم توارثها من الأجداد، وكانت الإشارة التي يتواصلُ بها اليمنيون من قرية إلى أخرى بانتهاء الصوم وحلول العيد؛ نتيجة انعدام وسائل التواصل حينها، لافتًا إلى تراجُع هذه العادة حدّ الاختفاء في السنوات الأخيرة.
المصافحة وعسب العيد
ما أنْ تُشرِقُ شمس يوم العيد حتى يخرجُ الناس مع أبنائهم لصلاة العيد، وقد لبسوا الجديد، أو أجمل ما يملكون من الملابس، وعقب صلاة العيد يبدأ المصلون بالتصافح، حيث يحرصُ الأصغر سنًّا على مصافحة الكبار، للحصول على العيدية، أو ما يسمونه بـ “العسب”، وهو مبلغ يُعْطَى للأقارب من النساء والأطفال من الكبار، وهو تقليدٌ تركه الكثير من الناس بسبب العوز الذي خلّفته الحرب.
لقد فقدَ العيد لدى الكثير من الأسر اليمنية أحد أهم طقوسه المتمثلة بتجمّع الأهل والأقارب والأصدقاء، وكان يُمثِّلُ فرصة لفضّ الخلافات بين الأهل والأصدقاء، وفتح صفحات جديدة بينهم.
يقولُ إبراهيم الضبياني: «لم يتبقَّ من العيد إلا فرحة الأطفال، واستعداد ربات البيوت… وهذه أثرت فيها الحرب، أما بالنسبة للرجال فالحرب أفقدت العيد الكثير من طقوسه، وأبرزها لمّ شمْل الأُسَر، ولبس الجديد، والسفر إلى القرى، واجتماع الأهل والأقارب، وصلة الرحم، وعمّقت القطيعة بين الأصدقاء، وأحيانًا بين الأقارب، ولم تعُد طقوس العيد تتجاوزُ صلاة العيد، وبعدها ينتهي كلّ شيء».
تعليقات