يمنيون: لا نعرِفُ مدى جِدِّية بايدن بتنفيذ وعوده إزاء اليمن
صنعاء – “اليمني الأميركي”
شكَّلَ فوْز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية حدَثًا مهمًّا، وبقدْر ابتهاج اليمنيين بفوز بايدن وهزيمة ترامب، إلا أنَّهم لا زالوا غير متفائلين بإمكانية الرئيس الأميركي المنتخَب عمل شيءٍ لإنهاء الحرب في بلادهم، على الرغم ممّا أبدوه مِن تفاعلٍ إزاء الوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية، والتي أكَّدَت عزمه إعادة النظر في دعم بلاده لحرب السعودية في اليمن.
من خلال أحاديثهم لـ “اليمني الأميركي” انقسم اليمنيون في تقدير أهمية فوْز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية بين مَنْ يرى أنّ الرئيس المنتخَب لن يُحدِثَ أيِّ تغييرٍ جِذريٍّ يؤدِّي لإنهاء الحرب في اليمن؛ باعتبار السياسة الأميركية محكومة باستراتيجية ومصالح، فيما يرى آخرون، على الرغم مِن عدم تفاؤلهم أيضًا، أنَّ فوز بايدن قد يُحدِثَ بعض التغيير في مواقف وسياسة أميركا تجاه بعض الملفات، بما فيها الحرب في اليمن، لكن هذا الأمر محكوم بتقديرات غير حتمية.
الموقف هو نفسه
وكيل الهيئة العامة اليمنية للكِتاب، القائم بأعمال مدير عام دار الكتب الوطنية بصنعاء، زيد الفقيه، قال إنَّ السياسة الأميركية ثابتة إزاء علاقتها بالآخرين؛ وبالتالي لا يُمكِنُ التفاؤل بأنّ ثمَّة تغييرًا قد يحصلُ، وبخاصة على صعيدي الحرب في اليمن.
«في اعتقادي أنّ السياسة الأميركية سياسة ثابتة؛ لِأنّها تُصْنعُ في دوائر مؤسساتية دستورية، والرئيس – فقط – مُنفِّذٌ لِهذه السياسة؛ وبالتالي فإنَّ انتخابه أو انتخاب غيره لن يُخرِجَ السياسة الأميركية عن إطار المصالح الأميركية»، «الفارق بين الرئيسين أنَّ ترامب كان يُخرِجُ ما يدور تحت الطاولة الأميركية إلى سطحها، فيما غيره يتعامل بدبلوماسية مكثَّفة، لكن الموقف هو نفسه».
ويشاطره الرأي صلاح زايد، وهو موظف حكومي، قائلًا: «صحيح أنّ ترامب كان متهوِّرًا ومتغطرِسًا ومتطرِّفًا في نظرته للأمور، إلا أننا رأينا رؤساء أميركيين آخرين، ولم نجِد فرْقًا جوهريًّا بين الجمهوري والديمقراطي في العلاقة مع اليمن والمنطقة… بالتأكيد ثمّة اختلافات، لكنها بسيطة ولا تتجاوز المصالح الأميركية المعروفة على مستوى المنطقة ككُل».
وأضاف أنَّ معاناة اليمنيين أوصلتهم إلى مرحلة لم يعُد يثقون فيها بأحد، بما في ذلك الرئيس الأميركي الجديد؛ لِأنَّ المصالح تحكم نظرة الدول الكبرى في تعاملها مع الحروب… «ومصالح هؤلاء مرتبطة بدول الجوار التي تعبثُ باليمن… ومصالح أميركا مرتبطة بمصالح هذه الدول التي ما زالت تُمارِسُ القتل والتدمير في اليمن منذ أكثر مِن خمس سنوات».
فيما يرى عبدالسلام مرزاق، وهو طالب جامعي، أنَّ الجميع تابع باهتمام مجريات الانتخابات الأميركية، والكثير- كما يقول – تطلّعوا لفوز بايدن؛ باعتباره خيارًا أفضل مِن ترامب في كلّ الأحوال، «لِأنَّ سياسة ترامب كانت قد استفزَّت الكثير، بما فيهم الأميركيون أنفسهم؛ وبالتالي كان الكثير يتمنّى خسارته، وهو ما حصل، أما ما سيأتي به بايدن فلا أهتم به، ولستُ متفائلًا كثيرًا؛ إذ مرَّتْ علينا أكثر من خمس سنوات حرب وعدوان وحصار ولم يلتفت إلينا أيٌّ مِن دول العالم المتقدِّم، بل كانوا يحرصون على الاستفادة من الحرب من خلال بيع الأسلحة، وفي مقدِّمتهم الولايات المتحدة».
د. همدان دمّاج: ربما سنشْهدُ لُغة سياسية ناعمة للديمقراطيين، لكنها لنْ تُحدِثَ تغييرًا جوهريًّا في السياسة الأميركية أو الشرق الأوسط، ولن تُساهِمَ سوى في إعادة الأقنعة من جديد: أقنعة أميركا، وأقنعة الحُكّام العرب والمسلمين، وهي التي كان ترامب بكلِّ صلَفٍ قد انتزعها
نوعٌ مِن الانفراج
إلى ذلك هناك مَنْ يرى أنه لا يُمكِنُ التفاؤل كثيرًا بتغيير جوهري قد يحدثُ مِن قِبَل سياسة جو بايدن، إلا أنَّ أصحاب هذا الرأي يُرجِّحون قليلًا إمكانية حدوث انفراج في القضية اليمنية، لكن هذا مرهون بما ستُبدِيه واشنطن وأطراف الصراع مِن نوايا صادقة لإنهاء الحرب.
ويعتقدُ الدكتور همدان دماج – نائب رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني – أنّ فوز بايدن كان تحدِّيًا للشعب الأميركي، مُبْدِيًا تفاؤلًا مشروطًا بالتغيير، وإنْ كان قال إنَّ التغيير لن يتجاوزَ اللغة الدبلوماسية الناعمة.
«في الحسابات الاستراتيجية والسياسية البعيدة المدى كان فوز بايدن، أو بالأصح هزيمة ترامب، أمرًا متوقَّعًا ومطلوبًا، فالعالم يمُرُّ بمتغيرات كبرى سترْسمُ ظلالها على قادم السنوات، وأميركا في المرحلة القادمة بحاجة لترميم علاقتها مع هذا العالم، ولم يكن ترامب لِيُساعِدَ في هذا الاتجاه، وهو موقف عبَّرَ عنه بعض قادة الحزب الجمهوري، كما أنَّ الشعب الأميركي بحاجة إلى نوعٍ مِن المصالحة بعد أنْ شكَّلَت سياسات ترامب تحدِّيًا لنسيجه الاجتماعي، وعودة بعض المظاهر التي كان قد تجاوزها».
وفي ما يخُص انعكاسات ذلك على الشرق الأوسط أضاف دمّاج أنَّ التغيير لن يتجاوز اللغة الدبلوماسية الناعمة التي تعودُ معها الأقنعة التي أسقطها ترامب.
«ما يخصُّ الشرق الأوسط فلن يتغيَّر الشيء الكثير، ربما سنشهدُ لُغة سياسية ناعمة للديمقراطيين، لكنها لن تُحدِثَ تغييرًا جوهريًّا في السياسة الأميركية أو الشرق الأوسط، ولن تُساهِمَ سوى في إعادة الأقنعة مِن جديد: أقنعة أميركا، وأقنعة الحُكّام العرب والمسلمين، وهي التي كان ترامب بِكلّ صلفٍ وغطرسة قد انتزعها».
أما على صعيد اليمن «فأيّ تغيير في سياسات الدول العظمى، وخاصة أميركا، سيعكِسُ ظلاله على الموقف الدولي، وعلى موقف دول الإقليم دون شكّ، وهو ما قد يُحدِثُ نوعًا مِن الانفراج، ويُعزِّزُ المزيد من التفاهمات والاتفاقيات بين جميع الأطراف الأساسية للصراع، هذا طبعًا إذا ما صدَقت النوايا».
ويرى عبدالسلام صعد، وهو مدرِّس لغة إنكليزية في مدرسة ثانوية بصنعاء، أنّ هزيمة ترامب تُعدُّ بحدِّ ذاتها إنجازًا كبيرًا للشعب الأميركي، ولِشعوب العالم – حدّ تعبيره.. وقال: «مِن وجهة نظري أنّ العالم سيشهدُ بعض التحسُّن في أجواء العلاقات الدولية، وبخاصة بين الولايات المتحدة وإيران، ومما لا شكّ فيه أنَّ الأمر سينعكسُ على حرب اليمن، فلا أعتقدُ أنَّ الوضع سيبقى كما كان عليه في عهد ترامب، وإنْ كنتُ أحيانًا أنظرُ للأمر بتشاؤم، معتقدًا أنّ الوضع في اليمن لن يشهدَ أيّ تغيير؛ لِأنَّ المصالح تتحكم بصناعة القرار الأميركي، وحرب اليمن هي حرب مصالح».
السفير عبدالوهاب العمراني: مِن غيْر الواضح إلى أيِّ مدى سيُطبِّقُ بايدن الوعود بإنهاء الحرب في اليمن، خصوصًا أنّ الدعم الأميركي لِهذه الحرب لم يبدأ مع ترامب، بل تحت إدارة الرئيس السابق أوباما الذي كان بايدن نائبه
ملفّات وأولويات
أما السفير عبدالوهاب العمراني فله رؤيته المختلفة، حيث قال إنّ هناك ملفات تُعدُّ ذات أولوية للإدارة الأميركية من خلال أيِّ رئيسٍ يسكنُ البيت الأبيص، مثل القضية الفلسطينية، ودعم إسرائيل، وعلاقات واشنطن مع بعض بلدان المنطقة.
«ما يهمّني هنا، كـ(يمني)، هو أنْ أطرحَ رؤيتي بما أعتقِده في الشأن اليمني، وانعكاس تأثير سياسة الرئيس المنتخَب في اليمن، والحرب الدائرة فيها.. لقد تعهّدَ الرئيس المنتخب بايدن، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه دول المنطقة، بإعادة النظر في علاقة واشنطن بالرياض، وإنهاء الدعم الأميركي للحرب السعودية في اليمن، والتي أدَّت حتى الآن إلى مقتل نحو 90 ألف يمنيّ، وتسببت بأسوأ أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين».
وأشارَ العمراني إلى وعود بايدن خلال حملته الانتخابية بالعمل على إنهاء الحرب في اليمن من خلال إنهاء الدعم الأميركي لحرب السعودية فيها، لكن العمراني لا يعرِفُ إلى أيِّ مدى سيُطبِّقُ بايدن هذه الوعود، لا سيما أنَّ الدعم الأميركي لِهذه الحرب بدأ في عهد باراك أوباما الذي كان بايدن نائبًا له.
«مِن المحتمل أنْ يستغلَّ الرئيس المنتخَبْ قضية خاشقجي للمساومة، وورقة ابتزاز جديدة ضد السعودية، وبداهة سينعكسُ ذلك لمصلحة إنهاء الحرب في اليمن.. ومما جاء في تصريحات بايدن قوله: “سنُعِيدُ تقييم علاقتنا بالمملكة (السعودية)، ونُنهي الدعم الأميركي لِحرب السعودية في اليمن، ونتأكدُ مِن أنَّ أميركا لا تتنكّرُ لِقيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط”، لكن مِن غير الواضح إلى أيِّ مدى سيُطبِّقُ بايدن هذه الوعود، خصوصًا أنّ الدعم الأميركي لِهذه الحرب لم يبدأ مع ترامب، بل تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان بايدن نائبه».
الاستراتيجية الأميركية
لكن السفير العمراني عاد لِيؤكِّدَ أنّ الاستراتيجية الأميركية عبْر الإدارات المتعاقبة في المضمون متشابهة بالهدف، لكنها حتمًا تختلفُ في الوسائل الدبلوماسية، والتعامل الفعلي خارجيًّا.
«هناك جُملة ملفات تُعدُّ مهمة مِن وجهة نظر إدارة الرئيس المنتخب بايدن داخليه ودولية، وحتمًا سيُعادُ صوغ العلاقات مع القوى الكبرى (الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، وحلف الأطلسي)، وكذلك مع قوى إقليمية تعبثُ بالشرق الأوسط، مثل إيران، ودول الخليج كالسعودية والإمارات، وتحديدًا بملف اليمن».
ويرى العمراني أنَّ مستقبل علاقات واشنطن بطهران «سينعكسُ هو الآخر على الحرب في اليمن؛ باعتبار إيران فاعلًا أساسيًّا في الحرب، ولو بصورة أقلّ، مقارَنةً بدولتي التحالف (السعودية والإمارات)».
وقال إنَّ الشعب اليمني هو الرابح الأول من إنهاء الحرب العبثية التي غدَتْ بلا أُفُقٍ ولا هدف…«وينطبق هذا، أيضًا، على الأميركيين مِن أصولٍ يمنية، الذين يراقبون برُعْبٍ أفراد أسرهم ومنازلهم العزيزة وهي تتعرضُ للدمار، في الوقت الذي تُغذِّي فيه الولايات المتحدة القتال، وتُدِيرُ ظهرها للنازحين من الحرب».
وأشار إلى ما اعتبره إسهام الجالية اليمنية بأميركا في مواجهة قرارات ترامب، علاوة على دورهم «في تحويل المقعدين الجمهوريَيْن في جنوب بروكلين من السيطرة الجمهورية إلى الديمقراطية عام 2018، مما ساعد على انتخاب الديمقراطي “ماكس روز” في مجلس النواب الأميركي، بعد أنْ كان جنوب بروكلين تحت سيطرة الجمهوريين على مدى العقود الثلاثة الماضية».
وقال: «الآن، هناك فرصة لتسخير هذه الطاقة لإنهاء الحرب في اليمن».
في الأخير:
لا زال اليمنيون على اختلاف مواقفهم من الرئيس المنتخب بايدن غير مُطْلِقِيّ العنان لتفاؤلهم بما سيُحقِّقه على صعيد الإيفاء بوعوده لإنهاء الحرب في بلادهم؛ فللحملات الانتخابية ظروفها، ولصناعة القرار الأميركي مؤسساته ومقتضياته ومصالحه… إلا أنّ هذا لا يمنعُ من القول بأنّ ثمة احتمالًا واردًا بحدوث تغيير قد تشهده القضية اليمنية.
تعليقات