Accessibility links

كيف يتعاملُ اليمنيون مع معاناة الأفارقة الأميركيين؟


إعلان

بقلم د. وليد مهدي*

 هناك خلل ما في خطاب عدد من العرب والمسلمين في الولايات المتحدة فيما يتعلق بوضع الأميركيين من أصول أفريقية. وعادة تكمُنُ المشكلة في قصورٍ لِفهم البُعد التاريخي والبُعد المؤسساتي لقضية التهميش، حيث إن معاناة المجتمع الأفريقي- الأميركي لم تقتصر على إنشاء اقتصاد متكامل على أكتاف أناس تحوّلوا بين عشيّة وضحاها إلى عبيد، ولكن أخذت أشكالًا متعددة من الظلم المجتمعي للكثير  من الأميركيين الأفارقة.

 أخذت هذه المعاناة أشكالًا متعددة عبر التاريخ الأميركي، ابتداءً من ترسيخ تفرِقة مجتمعية إثر حرب أهلية دامية (1861-1865م) قدّمت مفهوم الفصل العنصري “مفصولين ولكن متساويين” كجزء لا يتجزأ من الثوابت الأميركية. وبعد قرن من الزمان بدا وكأنّ حركة الحقوق المدنية (1954-1968م) ستُحدث تغييرًا جذريًّا في النظام الأميركي القائم على تمجيد العِرق الأبيض، ولكن النتيجة كانت محبِطة؛ حيث لم يتم تقديم أيّة تعويضات مادية لأجيال من الأميركيين الأفارقة الذين توارثوا الفقر والظلم والتهميش في حين توارث نظراؤهم من العِرق الأبيض الثروة والتعليم والتمكين على أقلّ تقدير، بل كان التغيير شكليًا في الخطاب قَدّمت من خلاله أميركا، كبلد متعدد الثقافات والديانات واللغات، تعديلات طفيفة بما يتعلق بالمحاصصة أو نظام الكوتا، في حين أن النظام القائم منذ ستينيات القرن الماضي ما زال مبنيًّا على خدمة العِرق الأبيض، وهناك هامش لا بأس به للمهاجرين وأبناء الأقليات ممن اختاروا العمل بصمت والابتعاد عن إثارة سخط السلطة.

من السهل النظر من بعيد لنماذج من المجتمع الأفريقي – الأميركي التي لم “تنجح”، ومن السهل – أيضًا – رفض تصديق أنّ النظام برمته مبني على أحقيّة الرجُل الأبيض في العيش الكريم والتدرج الوظيفي والمعاملة الحسنة في شتى مجالات الحياة. ولكن مجرد النظر في الإقصاء الممنهج للمكون الأفريقي – الأميركي في التعليم والسكن والحقوق المدنية بما لا يتفق مع إسهاماتهم في بناء أميركا قد يساعد على فهم حجم المعاناة، حيث لا يُمكن المقارنة بين تجربة هذه الفئة من الأميركيين بفئات مهاجرين أخرى، حتى التي وفدت من دول أفريقية مثل الصومال وأثيوبيا. يكفي ظاهرة عدم إحساس الرجل الأبيض بالخوف في تعامله مع أجهزة الشرطة لإدراك حجم هذه المعاناة.

المحزن في الموضوع أن هناك نبرة تعالٍ تخرج من أوساط مجتمعاتنا العربية والإسلامية في الولايات المتحدة تُقزِّم من الأميركيين الأفارقة وتُعاملهم وكأنهم كلهم في نفس التيار، وتُشخّصهم على أساس أنهم عالة وكسالى، وتنعتهم بأبشع الصفات، كوصفهم بـ”العبيد” مثلاً. في حال أنّ المطلوب هو التضامن الحقيقي معهم؛ كوننا في نفس الجانب من الاضطهاد، ولكن يتم اضطهادنا (وخاصة اليمنيين) بأشكال وأدوات مختلفة. حيث تعاملت الحكومات الأميركية المتعاقبة مع الأميركيين من أصول يمنية وكأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، فقد تم تعليق العمل بروح الدستور الأميركي وتوقيع أقصى أنواع الامتهان لهم، سواءً من خلال مصادرة جوازات بعضهم بطُرق لا تنسجم مع الأعراف القانونية الأميركية، أم عدم توفير سُبل الحماية لهم من مخاطر الحرب في اليمن، أم شلّ قدرتهم على استقدام عوائلهم بالطرق القانونية، أم من خلال المراقبة الدائمة لكثير منهم واعتبارهم مصدَر قلق أمني دائم، حتى وصل ذلك الامتهان بكرامة اليمني الأميركي إلى قتل بعضهم بدمٍ بارد عبر طائرات بدون طيار لمجرد الاشتباه بهم.

المحزن في الأمر أيضًا أن هناك عددًا من أبناء المجتمع اليمني في أميركا ممن اعتنق رؤية الرجل الأبيض فيما يتعلق بالحلم الأميركي، والنظر إلى أميركا وكأنها بلد العدل والمساواة والبلد الذي ما ينقص الفرد فيه فقط هو الجهد والتعب ليصل إلى أعلى المراتب، في حال أنّ كل ما يصل إليه اليمنيون من نجاح وتفوّق مرهون بشكل دائم إلى قدرتهم في غض النظر عن مواجهة نظام الظلم في أميركا سواء في سياساته الخارجية التدميرية تجاه دول مثل اليمن أم ضد أبناء الشعب الأميركي من ذوي البشرة غير البيضاء.

حتى أنني أكاد لا أصدّق نبرة التعالي التي تصدر من بعض العرب والمسلمين وهم يكيلون الأوصاف السيئة للفئات التي قررت أنْ تُحدِث حالات شغب، أو حتى أنْ تنهب المحلات التجارية على أساس أن هذه الأعمال همجية وتؤذي الحراك السلمي. هذه الرؤية أصلاً لا تمتّ لمعاناة هذه الفئات بأيّة صلة، وإنما تنظر للواقع من بيئات لم تذق طعم الألم والخوف والضياع الذي يعاني منه البعض في المجتمع الأفريقي – الأميركي. أرجو ألا يُفهم كلامي على أنه تبرير لأحداث العنف والشغب أو تحريض على ذلك، فقد أحزنني كثيرًا كيف أنّ أحداث العنف تلك طالت أعمالًا تجارية لبعض من أصدقائي اليمنيين في ولاية منسوتا. وإنما ما أريد قوله إنه ينبغي طرح سؤال مهم، وهو ماذا قدّم الآخرون لهؤلاء المخربين في المجتمع في أوقات السِّلم عوضًا عن الاكتفاء باستنكار أعمالهم وقت الغضب؟، بمعنى آخر لقد طالت بعض هذه الأعمال التخريبية محلات تجارية لمهاجرين عرب ويمنيين مقربين مني في ولاية منسوتا، وهو أمر محزن بلا شك، فبدلاً من الاكتفاء بوصف هؤلاء المخربين بأبشع الصفات، يجب أيضًا التساؤل عمّا قدمه القائمون على هذه المحلات من خدمات مجتمعية حقيقية لأبناء المكون الأفريقي – الأميركي.

كم أتمنى إدراك الدور الحقيقي الذي يقدمه 30% من المجتمع المسلم في أميركا، والذي ينحدر من أصول أفريقية لخدمه الإسلام، ووقوف كثير من الناشطين الحقوقيين من أبناء المجتمع الأفريقي – الأميركي مع قضية فلسطين منذ ستينيات القرن الماضي، ووقوفهم أيضًا ضد تهميش العرب والمسلمين منذ أحداث 11 سبتمبر!، وكم أتمنّى أنْ نُدرك – ولو متأخرًا – أننا في المجتمعين (العربي والإسلامي) في أميركا قد خذلناهم مرارًا وتكرارًا عبر التاريخ. متى يتغير الخطاب الإسلامي في الولايات المتحدة مثلاُ ليُبادر بنشر الخير والعطاء في أوساط المجتمع الأفريقي – الأميركي، لا لمقابل هدايتهم وإنما استشعارًا منا بالمسؤولية تجاه الجار، وإنْ كان من دِين أو عِرق آخر..!

* أستاذ مساعد في جامعة أوكلاهوما ومختص بتداخلات الثقافة والسياسة في العلاقات الأميركية والعربية

   
 
إعلان

تعليقات