Accessibility links

قراءة في مصطلح البغي في الشريعة والقانون للباحث أحمد حنشل


إعلان
إعلان

وضاح عبد الباري طاهر* 

تحتوي رسالة (جريمة البغي في الشريعة الإسلامية والقانون – دراسة مقارنة) والتي نال بموجبها الباحث أحمد حنشل درجة الماجستير من جامعة عدن، على أربعة فصول مسبوقة بمبحث تمهيدي يتناول فيه الحديث عن الجريمة السياسية في القوانين الوضــعية، «لمحة تاريخية»، منذ القرون القديمة حتى العصر الراهن، ومقارنتها بجريمة البغي في الشريعة الإسلامية. ثم ذكر الباحث نبذة موجزة عن تطور الجريمة السياسية في العصور القديمة. وكيف كانت القسوة التي تتم بها معاملة المجرم السياسي في تلك العصور القديمة، وكيف كانت طائلة المجرم السياسي تنال أسرته وممتلكاته من بعده، وأنَّ التمييز بين المجرم السياسي والعادي لم تتم إلا بعد الثورة الفرنسية، ولم تعرف القوانين الوضعية تخفيف العقاب للمجرم السياسي إلا في العصر الحديث.

الفصل الأول: حقيقة البغي في الشريعة الإسلامية. 

الفصل الثاني: أركان جريمة البغي. 

الفصل الثالث: قتال البغاة. 

الفصل الرابع: أحكام البغاة. 

بدأ الباحث رسالته بمقدمه تكلم فيها عن النظام والقانون، وأنه من الأمور الضرورية للبشر؛ فهو الذي ينظم أمورهم، ويحدد حرياتهم وحقوقهم. وتكلم عن ضرورة وجود سلطان؛ لأطر الناس على القانون، والإشراف على تنفيذه؛ لأنه راعي المجتمع ورئيسه. 

ثم ذكر أنَّ الشريعة الإسلامية بينت معالم الحكم في الإسلام، وأن الأمة هي صاحبة السلطة؛ فلها أن تختار من تراه صالحاً للحكم لينوب عنها في تنفيذ شرع الله؛ ليحقق لها الخير، ويدفع عنها الظلم والفساد. ولهذا فقد حرصت الشريعة الإسلامية على تأكيد طاعة الحاكم متى حرص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية؛ لأنها فرض، ولأن طاعته من طاعة الله سبحانه وتعالى، ومن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير معصية. أما إذا حكم بالجور والظلم واتباع الهوى؛ فإن طاعته لم تعد واجبة، ويجب على الأمة أن تتوجه إليه بالنصح والإرشاد، وإذا أصر على ظلمه وجوره، يجوز لها أن تعزله وتختار من تراه مناسباً لينوب عنها في تنفيذ أوامر الله؛ لأنه مجرد وكيل عنها، ويجوز لها عزله متى قصر في تنفيذ وكالته، أو تجاوزها مثله مثل الموكل الذي يعزل وكيله للغرض نفسه.     

 

البغي في الشريعة الإسلامية

ذكر الباحث في طيات بحثه آراء أهل المذاهب الأربعة إضافة إلى مذهب الزيدية والظاهرية والإمامية والإباضية.  

 

البغي في القانون اليمني:

عرف القانون اليمني البغي بأنه: «الخروج على الدولة مكابرةً استناداً إلى منعة. ويُعاقب الباغي وفقاً للأحكام المقررة للجرائم الماسة بأمن الدولة المنصوص عليها في هذا القانون».

 

معاملة مدبر البغاة وأسيرهم وجريحهم: 

يرى بعض الشافعية أنَّ مدبر البغاة لا يُتبع، ولا يتم اللحاق به وقتاله إلا إذا كان متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة قريبة. 

فعن أبي أمامة قال: «شهدت صفين، فكانوا لا يُجهزون على جريح، ولا يطلبون مولياً، ولا يسلبون قتيلاً».

 

 ممتلكات البغاة:

  اتفق الفقهاء على عدم جواز تقسيم أموال البغاة، قال الشافعي في (الأم) (ص292): «ولا نأخذ لهم مالاً، ولا تسبى لهم ذرية». وقال ابن قدامة المقدسي: «ولا يُغنم لهم مال، ولا تسبى لهم ذرية، ولا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافاً، لما ذكرناه من حديث أبي أمامة وابن مسعود؛ ولأنهم معصومون، وإنما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم، وما عداه يبقى على أصل التحريم»

 

ملاحظات على الرسالة

قال الباحث ص 21: «استجاب الخليفة العادل عثمان بن عفان- رضي الله عنه- إلى طلبات الكوفيين، فعزل الوالي، وهو الوليد بن عقبة؛ بناءً على طلبهم. وقد اتهموه بشرب الخمر؛ فأقام سيدنا عثمان عليه الحد، فقال: أقيم الحد، ويذهب الشاهد الزور إلى النار. على الرغم أنَّ الوليد كان ضحية الفتن والبهتان».  

أقول: نقل الباحث تبرئة الوليد بن عقبة إلى العلامة أبي بكر بن العربي المالكي في كتابه (العواصم من القواصم). ومن المعلوم أنَّ ابن العربي قد تحامل في كتابه هذا وتعصب في رد كثر من الأمور الثابتة والتي منها التصريح بتعاطي الوليد بن عقبة الخمر، وأنه شرب الخمر، وصلى بالناس، ثم قال للمصلين: أزيدكم! والقصة مشهورة. وممن تعرض له بالطعن في عدالته المؤرخ والمفسر ابن كثير في (البداية والنهاية)، وذكر تعاطيه لبنت العنب (الخمر)، وكذلك الذهبي في (سير أعلام النبلاء)، ويحي بن أبي بكر العامري في كتابه (الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة). 

 والغريب من الباحث أنه نقض ما أبرمه في متن الكتاب حين ترجم للوليد بن عقبة فقال عنه في الحاشية رقم (3) ص21: «والٍ من فتيان قريش، وشعرائهم وأجوادهم، فيه ظرف ومجون ولهو!».

ذكر الباحث عند الكلام على الخوارج وتكفير أهل الحديث لهم حملاً للحديث على ظاهره وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية»مع أنَّ الإمام على بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال عنهم: «إخواننا بغوا علينا». ثم نقل عن ابن المنذر قوله: «لا أعلم أحد (كذا وردت! والصواب أحداً) وافق أهل الحديث على تكفيرهم، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء».

وهذا فيه دلالة إلى أنَّ أهل الحديث دائماً ما ينزعون إلى ظواهر الرواية بخلاف الفقهاء.

 نقل الباحث عن القرطبي في تفسير قوله تعالى:)وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما). قال القرطبي: «في هذا الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين، وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين واحتج بقوله عليه السلام: «قتال المؤمن كفر». ولو كان قتال المؤمن الباغي كفر (كذا وردت والصواب كفراً)، لكان الله تعالى قد أمر بالكفر – تعالى عن ذلك-. وقد قاتل الصديق- رضي الله عنه- من تمسك بالإسلام، وامتنع عن الزكاة، وأمر إلا (كذا وردت! والصواب ألاَّ) يتبع مول، ولا يجهز على جريح، ولم تحل أموالهم بخلاف الكافر» ().

أقول: هذا فيه دلالة على ما ذكره الشافعي والخطابي والقاضي عياض أنَّ الذين قاتلهم الصديق كانوا على أصناف منهم: النوع الأول: وهم أهل الردة الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم كفار.

النوع الثاني: وهم الذي بقوا على الإسلام، وتأولوا الزكاة بقولهم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذها ليصلي عليهم بها، فلما مات امتنعوا عن أدائها، وهؤلاء لم يقاتلهم الصديق لأجل كفرهم، بل لأجل امتناعهم عن أداء الزكاة. لكن العلامة ابن تيمية ذهب إلى تكفيرهم أيضاً، واحتج بأنَّ الصديق سبى الأموال والنساء والذراري لهؤلاء الصنف، وهذا يدل على كفرهم، إذ لا يحل له سبي هؤلاء مع بقاء إسلامهم.

وذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): أنَّ الصديق قام بسبي الأموال، ثم في عصر عمر لما جاؤوا تائبين ردها عليهم، وأنت ترى كلام القرطبي يتناقض تماماً مع كلام ابن تيمية، وابن تيمية فقيه متشدد. 

وبهذا تنتهي قراءتنا لهذه الرسالة، مع ذكر بعض الملاحظات عليها.

   
 
إعلان

تعليقات