ديترويت – “اليمني الأميركي”:
مما لا شكّ فيه أنّ الهجرة إلى الولايات المتحدة والاستقرار فيها هو حلم كلّ عربيّ؛ باعتبار أميركا بيئة مناسبة يتوفر فيها الاستقرار المعيشي والمادي، ويُتاح فيها النجاح العلمي والعملي، وهو ما يوفره ما يطلق عليه بـ(الحُلم الأميركي).
صحيفة (اليمني الأميركي) تحاول أن تُسجل وترصد حكايات نجوم هذا الحُلم مهما كان عمر تجربته.
قيل – قديمًا – إن الحُلم الأميركي يبدأ بالاستقرار، والاستقرار يبدأ بشراء المنزل؛ باعتبار تحقيق هذا الحُلم يتطلب توفر عدة عوامل، أبرزها: الدخل والتاريخ المالي.. لكن كيف يُحقق الشخص هذا الحلم؟!.. ثمة قاعدة أثبتت صوابها خلال العقود الماضية، وهي: أن البداية الجادة في التحصيل العِلمي والعمل بمثابرة تؤدي بصاحبها – حتمًا – إلى نتيجة إيجابية.
النجاح
في هذا العدد نروي قصة أحد اليمنيين الأميركيين الشباب ممن استطاع إثبات حضوره، وتعزيز وجوده خلال فترة قصيرة من وصوله؛ لذا رأينا أن نقرأ بدايته ونتتبع خطوات تجربته، ونعرف حكايته ونرويها؛ لتكون حافزًا لغيره، لا سيما، وهو مثال في الالتزام بكل ما لهذه الكلمة من معنى، متحققًا بإيجابية لافتة دفعتنا لقراءة قصته.
وصل إلى الولايات المتحدة عام 2016م، وعندما التقاه ناشر الصحيفة رشيد النزيلي كان حينها ما زال دون عمل، ولم يكن قد امتلك سيارة، ولغته الانكليزية لا زالت ضعيفة، وشخصيته كانت خجولة.. وها هو الناشر يلتقيه مرة أُخرى بعد ثلاث سنوات ليجد وضعه قد تغيّر كثيرًا، فقد قطع مشوارًا في التعليم، وصار لديه عمل، ويمتلك سيارة، ويسعى بمثابرة لتحقيق حلمه، حيث يرنو إلى الالتحاق بالجامعة لدراسة التمريض للانطلاق في مشروعه المستقبلي، الذي ينشد من خلاله مساعدة الآخرين.
قاسم المريسي (21 عامًا) – محافظة الضالع/ جنوب اليمن، درس وأنهى الثانوية العامة في مدرسة قريته بوطنه الأم، ووصل إلى أميركا في مارس (آذار) عام 2016م.
عند وصوله إلى هنا وجد نفسه في مجتمع جديد عليه، واعترضته العديد من التحديات كاللغة ومواصلة التعليم.. لكن تلك التحديات لم تنل من إصراره على تجاوزها.
يُدرك قاسم أن التعليم الخطوة الأهم في حياة الفرد.. يقول: “يعود الفضل في حرصي على التعليم لوالديّ فهما كانا يوصِياني – دائمًا – بالاهتمام بالتعليم؛ باعتباره الطريق الوحيد لمستقبل أفضل، وأُعتَبَرُ أول شخص في عائلتي يواصل تعليمه وصولاً إلى الجامعة”.
ويُضيف في حديث للصحيفة: “كانت الأمور معقدة عند وصولي، لكنّي قررتُ أن أضع التعليم نصْبَ عينيّ؛ فرأيتُ، عند عدم قبول التحاقي بالجامعة، أنْ أُنهي الدراسة الثانوية هنا، لا سيما وأنهم لم يقبلوا شهادتي الثانوية التي حصلت عليها في اليمن، وقد طلبوا منّي – حينها – دراسة العام الأخير من المرحلة الثانوية، وبالفعل التحقتُ بمدرسة (Western-international high school) – جنوب غربي ديترويت، وتم قبولي لإنهاء آخر ثمانية أشهر في ( senior class)”.
كانت – بلاشك – الأشهر الأولى لقاسم في الولايات المتحدة صعبة، وكما يقول: “كنتُ كالأعمى لا أعرف أين أذهب بسبب اللغة وتعقيد المواصلات، وكلّ مَن حولي يتحدثون لغة غير لغتي؛ لكنّي درستُ وواجهت صعوبات اللغة، وبإصرارٍ تجاوزتها، وتكيّفت – خلال فترة قصيرة – مع المجتمع والنظام التعليمي الجديد”.
التعليم
ويسرد قاسم بعضًا مما كان يعترض يومياته حينها، بالقول: “في يوم من الأيام كنتُ مارًّا إلى حيّ دكس؛ فالتقيت السيد رشيد النزيلي فاصطحبني واستمرّ معي يُرشدني حتى أنهيتُ مشواري، ومن ثمّ أخذني إلى البيت، وكنتُ حينها لا أعرفه ولا يعرفني، ولذلك أعتبره (رجل المواقف الصعبة).. والحمدلله مرتْ كل هذه الصعوبات على خير”.
بعد أن أنهى قاسم الثانوية العامة، هنا، التحق بكلية مجتمع واين كوينتي، حيث يدرس متطلبات تخصصه، وهو – حاليًّا – في آخر فصل دراسي، ومِن ثمّ سيلتحق بجامعة واين ستيت ليدرس في قسم التمريض، فهو يحلُم بمواصلة تعليمه حتى يتخرج مساعد طبيب في (PA school).
سيلتحق بهذا المجال؛ لأنه كما يقول: أُحبُّ “أن أساعد الآخرين، وأساعد المجتمع من حولي، وأكون قدوة للآخرين، خاصة في التعليم؛ باعتبار الجيل المقبل هُم مَن سيُغيّر مستقبل الجالية إلى الأفضل”.
المعوقات
لم يكن قاسم يستطيع مواصلة تعليمه دون عمل، ولهذا فبموازاة التعليم بحث عن عمل، ووجد فرصته في مدرسة الفرقان التابعة لأحد المراكز الدينية في ديترويت، والتي يعمل فيها مُدرّسًا للرياضة في الإجازة الأُسبوعية، ومديرًا لبرنامج الإجازة الصيفية، حيث يعمل بدوام كامل في الإجازة الصيفية لتوفير احتياجات تعليمه خلال العام الدراسي.
تجربته، مقارنة بغيره من أبناء الجالية اليمنية، بالتأكيد لا زالت تجربة محدودة لكنها منضبِطة وملتزِمة، واستطاع فيها أن ينجح – حتى الآن – باتجاه الأهداف التي رسمها لنفسه، وما زال يسعى إليها، فالحياة في ظل هدف ليست حياة عادية.
صار قاسم، اليوم، يعيشُ دون مخاوف بعد تجاوزه تحديات البدايات الصعبة، معتمدًا نظامًا تسيرُ عليه حياته الموزّعة بين التعليم والعمل والعائلة، يقول: “استطعتُ تنظيم وقتي وتوزيع التزاماتي متوكلاً على الله، اقتناعًا بأن: (مَن جدّ وجَد..)”.
صار قاسم ينظر إلى وطنه الجديد بإيجابية، فقد تعلّم منه الكثير على الرغم من الفترة القصيرة التي مضت على استقراره هنا، وهي ثلاث من السنوات.:”.
المرء، هنا، يمكنه تحقيق ما يُريد، لا سيما وأنّ الحكومة تُوفّر كل شيء للطلاب، في مقدمة ذلك التعليم المجاني.. وقبل ذلك وبعده الابتسامة التي تجدها في وجوه الناس.. إنهم يحترمون آدمية الإنسان، كما أن القانون هنا فوق الجميع”، يقول (مبتسمًا)، متفائلاً بما سيكون مستقبلاً.
تعليقات