Accessibility links

في سيناريو شيخوخة سكان العالم: كبار السن في حياتنا أين؟


إعلان

بلقيس محمد علوان*

شيخوخة العالم: من أهم الاتجاهات العالمية الديمغرافية في القرن الواحد والعشرين، حيث تشهد جميع مناطق العالم نموًّا في حجم كبار السن ونسبتهم، فبين العامَيْن 2019 و2050 من المتوقع أن تتضاعف نسبة كبار السن على الأقل في شمال إفريقيا وغرب آسيا، ووسط آسيا وجنوبها، وفي أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وشرق آسيا وجنوب شرقها، بالإضافة إلى ذلك يتحسن متوسط العمر المتوقع على المستوى العالمي، ومن المتوقّع أن يعيش الشخص البالغ من العمر 65 عامًا 17 عامًا إضافية في المتوسط.

في العام 2019، بلغ عدد الأشخاص الذين تخطّوا الـ 65 من عمرهم حول العالم (703 ملايين)، أي ما يقارب 10% من مجموع سكان العالم، وتشير التقديرات إلى أنه بحلول العام 2050 سيصل عدد كبار السن في العالم إلى 1.5 مليار شخص، وسيكون شخص من بين كل ستة أشخاص قد تخطّى الـ 65 من عمره، ولأول مرة في التاريخ ستصل البشرية إلى مرحلة يكون فيها عدد الأطفال أقل من عدد كبار السن، فقد تغيرت تركيبة سكان العالم بشكل كبير في العقود الأخيرة، إذ ارتفع متوسط العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم من 46 إلى 68 عامًا، وهنا نطرح سؤالًا: “متى يدخل الشخص في سن الشيخوخة”؟ والإجابة أنه لا يوجد سن محدد يمكن اعتباره سن الدخول في مرحلة الشيخوخة، ولكن هناك شبه اتفاق على أن عمر الـ 65 سنة هو العمر الذي يشير إلى بداية سن الشيخوخة، ولكن هذا العُرف لم يستند إلى أسس بيولوجية، وإنما هو عُرف تاريخي، فمثلاً اعتبرت ألمانيا عمر 65 سنة سنًّا للتقاعد فيها كأول دولة تضع برنامجًا للتقاعد، وعلى نهجها سارت معظم الدول المتقدمة والنامية، وتغير هذا العرف لاحقًا، وكثير من الدول تعتبر سن الـ 60 هو سن التقاعد.

يميز الخبراء بين العمر الزمني، والعمر البيولوجي، والعمر النفسي، فيشير العمر الزمني إلى مرور الوقت ويُعبّر عن عمر الشخص بالسنوات، وهو مؤشر عام على الصحة ولكن، ومن المعروف، أن احتمال الإصابة بالأمراض يزداد مع تقدم الشخص في السن، وهو ما يؤدي إلى تراجع القدرات الوظيفية للشخص، أما العمر البيولوجي فيشير إلى التغيرات الشائعة التي تحدث في الجسم مع زيادة العمر، وبما أن هذه التغيرات تؤثر في بعض الأشخاص بشكل أسرع من آخرين، فإن شخصًا ما قد يشيخ في عمر الـ 65، في حين لا يشيخ آخرون إلا بعد عشر سنوات أو أكثر من ذلك، وغالبًا فمعظم الفوارق المُلاحَظة في العمر الظاهري بين الأشخاص من نفس العمر تكون ناتجة عن أنماط الحياة، والعادات الصحية، وعلى سبيل المثال يمكن اعتبار شخص يبلغ من العمر 80 عامًا شابًّا من الناحية النفسية إذا كان يمارس عمله، ويخطط لمهامه، ويتمتع بمعنويات عالية، والعكس صحيح فقد يشيخ الفرد نفسيًّا في سن الشباب لفقدان الاهتمام بالأنشطة المعتادة، والشعور بأن الأشياء التي كانت تسره في الماضي لم تعد سارة له، إضافة إلى أعراض أخرى مثل اضطرابات النوم، وانعدام الطاقة، والعاطفة الشديدة.

إذًا يمكن القول إن الناس يشيخون بشكل متفاوت، وقد نلاحظ أن مجموعة في نفس العمر يشيخ بعضهم قبل بعض، وعمومًا تحدث تغيرات في العمليات الحيوية الداخلية في الجسم نتيجة التقدم في العمر، وصحيح أنها غير مرغوبة، ولكنها أمر واقع، وتحدث عند جميع الناس الذين يعيشون عمرًا طويلاً، وهي تغيرات متوقعة، ولا يمكن تجنبها غالبًا، ولكن يمكن اتخاذ إجراءات للحد من تأثيراتها، مثلما هو الحال في العناية بالأسنان والحفاظ عليها والمتابعة الدورية لدى أطباء الأسنان، فعلى الرغم من أن فقدان الأسنان هو أمر شائع مع التقدم في السن، إلا أنه ليس جزءًا أصيلاً من الشيخوخة ويمكن تجنبه، والفكرة ذاتها في ما يتعلق بالقدرات الوظيفية للشخص والتي تتراجع مع تقدم السن، وقد تتراجع نتيجة الإصابة بمرض معين، ولكن نمط الحياة الصحي في الغذاء والرياضة والنوم، والممارسة المستمرة للأنشطة الذهنية يحسن كثيرًا من القدرات الوظيفية لأعضاء الجسم بالتأكيد، وهو ما يعرف “بالشيخوخة الصحية الناجحة”، وكلما التزم الشخص بنمط حياة صحي من وقت أبكر، كلما حقق نتائج أفضل، ومع ذلك فإن البدء بتبني عادات نمط الحياة الصحية في أيّ عمر يكون مفيدًا.

يدرس علم الشيخوخة التغيرات التي تحدث للفرد نفسيًّا وعقليًّا وجسديًّا واجتماعيًّا، بهدف رسم سياسات تهدف لتحسين حياة المسنين، وهناك تخصص في الطب بمسمى طب الشيخوخة يهتم برعاية المسنين على غرار طب حديثي الولادة، وفي حدود علمي لم أسمع بطبيب يمني مختص بهذا المجال، وتقدر نسبة المسنين اليمنيين بـ 4.4% من إجمالي السكان المقدر بنحو 30 مليونًا، بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء، وينص الدستور اليمني في المادة (56) على: “أن تكفل الدولة توفير الضمانات الاجتماعية للمواطنين كافة في حالات المرض أو العجز أو البطالة أو الشيخوخة أو فقدان العمل”، وهي مادة مكتوبة – ليس أكثر – في الظروف الراهنة، ووفقًا لدراسة أعدتها منظمة (HelpAge)  فإن كبار السن في اليمن يحتاجون بشكل عاجل إلى المساعدات الإنسانية في ظل الأزمة الاقتصادية والأمراض الخطيرة التي تتفشى وتهدد حياتهم، ووفقًا للدراسة فإن المحرك الرئيسي للأزمة الحالية هو الصراع المسلح في اليمن، وتؤكد الدراسة أن كبار السن يختارون التخلي عن زياراتهم للمرافق الصحية بسبب ارتفاع تكاليف المواصلات، كما لجأوا إلى شراء أدوية منخفضة التكلفة وذات جودة رديئة، وبحسب الدراسة فإن بعض كبار السن يعانون من تراكم الديون، بسبب ارتفاع الأسعار، لذا “يختارون بيع أدواتهم المنزلية ومقتنياتهم الثمينة، من أجل توفير المال لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ومع ذلك فإن ديونهم تتراكم دون أيّ وسيلة للسداد”.

يتجه عدد كبار السن عالميًّا إلى الزيادة، وتتجه الدول لتقديم رعاية وحماية أكثر لهم، في الوقت نفسه لم يعد للكبار ولا للصغار في بلادنا رعاية ولا حماية تذكر، فساءت أحوال الجميع، وكبار السن فعليًّا هم الفئة المنسية في حسابات الجميع، لكن من غير المعقول ولا العادل أن ينسحب الإهمال والنسيان إلى المستوى الاجتماعي والأسري، وندرك جميعًا أن الرعاية الصحية تحديدًا تكون مطلوبة أكثر مع تقدم العمر، ومع الرعاية الصحية هناك الرعاية النفسية والاجتماعية التي تعنى بالجوانب الوجدانية لكبار السن.

يُزيّن كبار السن حياتنا، وكثيرًا ما نقول: إنهم بركة حياتنا ونورها، لكن هل فعلاً ينالون منا الاهتمام والرعاية الكافيين؟

بدون جهد ستكون الإجابة: لا، لا أشد على كبير السن من أن يشعر بالإهمال، وبأنه عبء على أسرته، ولا أصعب من أن يشعر بالغربة والوحدة والتجاهل وسط أهله، ولا أقسى من أن يشعر أن وجوده مثل عدمه، لا يفرق في حياتهم، ومقولة: “صلي فرضك وكُل لقمتك” التي يسمعها بعض كبار السن لا تسعدهم بقدر ما تشعرهم بأنه طلب صريح لانتظار الموت لأن دورهم انتهى.

نتجه جميعًا اليوم أو غدًا إلى مرحلة الشيخوخة، ونحتاج فقط أن نضع أنفسنا مكان هذا الكبير الذي نقول له: “صلي فرضك وكُل لقمتك” لأنها ستقال لنا يومًا، وأيًّا كان هدف قائلها فهي لا تعني أكثر من أن دوركم انتهى، إننا بهذا نُغفل احتياجات كبار السن المعنوية والعاطفية قبل المادية، ونُغفل حكمتهم وخبرتهم الطويلة التي لا غنى لنا عنها، وفي الحقيقة دورهم لم ينتهِ، إننا نحتاجهم بنفس القدر الذي يحتاجوننا فيه، وقناعاتهم التي قد نعترض عليها اليوم ستكون قناعاتنا في المستقبل، أو ستكون لنا قناعات لا يقبلها أبناؤنا، ولا غنى لنا عن خبرتهم وحكمتهم وبركة دعواتهم، كما لا غنى لهم عن وجودنا، تواصلنا، رعايتنا، تقديرنا، استماعنا، وقبل كل ذلك شعورهم بحبنا لهم وبمكانتهم المميزة لدينا، وكما نعتني ونتفانى لأجل أبنائنا لا بد أن نعمل كذلك مع كبارنا.

* كاتبة وأكاديمية يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات