فكري قاسم *
نكعت الدولة اليمنية على رأسها وسقطت على غفلة في جب مليشيات متنوعة وأصبح لكل شيء معها وجه آخر غير الذي كنا نعرفه عنها من قبل.
والطريق الذي كنا نسلكه من قبل في قلب من نص ساعة واحنا آمنين، صرنا نسلكه اليوم في خمس ساعات واحنا خائفين. حتى نقاط التفتيش المتكاثرة في طول الطريق أصبحت الآن موعدًا يوميًّا مع المهانة والإحساس بمرارة الغربة في بلادك.
وفي كل طريق ستسلكه عليك أن تكون مهمومًا ببطاقتك الشخصية وبانتمائك الحزبي والمناطقي والجهوي حتى ولو لم تكن مهتمًّا بتلك الأشياء من أصله، فأنت الآن في زمن المليشيات الواقفة على عتبات كل مدينة، وعليك أن تواجه مرارات السؤال: من أين أنت؟ فين رايح؟ من فين جاي؟
وكل الطرق والمنافذ أصبحت مسارات محفوفة بالمخاطر وبمنغصات رغبة الوصول بحمد الله وسلامته إلى البيت بأقل كلفة ممكنة.
وحتى السفر بين القرى والمدن أصبح فيما يبدو عملية انتحارية، وكل طريق ملغوم بالمبندقين، وكل المبندقين يبحثون عن خصوم مطلوبين وعن خصوم محتملين، ومن حسن حظك أن تتوقف في نقطة وتشاهد فيها عسكري واحد مبتسم يقلك أي خدمات.
وحتى وجوه السائقين والركاب اللي تصادفهم في رحلتك تشوفها واجمة هي الأخرى من الضجر، وكأنهم في الطريق إلى المقبرة، وتشوف البلاد بأكملها وقد أصبحت مش أكثر من دكاكين متفرقة لقطاع طرق متنوعين ومنتشرين هنا وهناك، وتشوف المدن وقد أصبحت سجونًا صغيرة لأناس يقفون مدججين بالبنادق على مداخلها في مهمة لامتهان الرايحين والجايين تحت مبررات ودواعي حماية الوطن من فوضى محتملة.
وفي زمن المليشيات أصبح الموت بسيطًا للغاية، والقتل لا يحتاج إلى أي مبرر للقيام به بلا مخاوف من أي عقاب.. لا كرامة للمدنيين، والاعتصام بحبل الدولة يشبه الاعتصام بحبل تالف وركيك جدًّا، ولا يستطيع أن يصمد أمام أبسط عملية شد.
وما الذي سيكون عليه حال مدنيين راهنوا في حياتهم كلها على عود الدولة وعلى حبلها المتين، واستيقظوا في غفلة من الزمن على مليشيات لها شروطها الخاصة في الحياة.
وهي في الواقع شروط صعبة جدًّا، ولا تنسجم بأي حال من الأحوال مع سلوك ناس متمدنين، كانت الدولة هي أبوهم وأمهم واعتمادهم الوحيد للعبور بأمان، ثم أصبحوا الآن من دونها مجرد أيتام مشعتلين في كل زوة، ويتعرضون لصنوف من الابتزاز ومن المهانة اليومية المستمرة في كل طريق يمشونه، وفي كل مسلك يعبرون منه داخل البلاد في هذا الزمن الرديء.
وكلهم يا صاحبي يتحدثون عن حماية الأرض وعن حماية الحدود، وما فيش واحد منهم يتحدث عن حماية الإنسان، لأنه لم يعد هناك في الأساس دولة متواجدة على الأرض يمكن لها أن تحمي مواطنيها، أو لديها القدرة حتى على أن تحمي أراضيها المتناحر عليها في حرب مستمرة منذ ثمان سنوات.. وكل الذي هم موجودين الآن في المشهد، مجرد شوية تافهين يترزقون ليل الله مع نهاره من معاناة الناس في بلد كسير.
* كاتب يمني ساخر.
تعليقات