الدكتور جميس زغبي
رئيس المعهد العربي الأميركي الديمقراطي في واشنطن
لم تمض على رئاسة ترامب سوى ستة أشهر تقريباً، وقد أصبحتُ بالفعل منهكاً من كثرة غرائب هذه الإدارة الأميركية. وقد بدأت أشك في أن تلك الغرائب ربما تكون ردود أفعال يسعى ترامب من خلالها إلى إثارة خصومه، فهو يستخدم الفوضى والغضب لإضعافهم.
ومثل ملايين الأميركيين، أستيقظ كل صباح، وأشغل جهاز التلفزيون، وأتابع موقع «تويتر» لأرى الأمور الجديدة والغريبة التي قالها قاطن البيت الأبيض. وقد افترض محللون ومعلّقون عدداً من النظريات في محاولة لفهم سلوكيات الإدارة الأميركية، وأتصور بدرجة ما أن تلك النظريات كافة ربما تكون صحيحة.
وتشير إحدى النظريات، إلى أن الرئيس الأميركي يدلي بتصريحات مثيرة للغضب عندما يتعرض لهجوم أو إخفاق سياسي. وفي إطار فهمه لوسائل الإعلام، يدرك أنه إذا أمكنه إحداث جلبة شديدة من خلال «تغريدة مثيرة»، فيمكنه تشتيت الانتباه عن الإخفاق في تمرير قانون ما.
ويرى آخرون أن اللغة التي يستخدمها ترامب في تغريداته وخطاباته محاولة للعزف على أوتار مؤيديه، بينما يجني ثمار صورة قيادته الحازمة. وفي رسالته، يروّج لمفهوم أنه هو وحده من يدافع عن القيم الأميركية الحقيقية، وبالتالي، فإن من يُشكك فيما يقوله أو يعارضه، ليس وطنياً. ويستخدم التغريدات في مهاجمة «أعدائه، وبالتالي أعداء أميركا».
وهناك ببساطة من يرون وراء تغريدات ترامب شخصاً منفصلاً عن الواقع، يحتاج إلى إثبات أنه أفضل وأقوى وأذكى وأكثر شجاعة من الآخرين. وهذه الحاجة هي ما يدفعه إلى الإدلاء بتصريحات مثيرة للغضب، حول أعداد الحشود التي حضرت تنصيبه، ونجاحاته التشريعية، أو قدرته على تحقيق الأمور التي لم يستطع أي رئيس آخر تحقيقها. ويدفع ذلك أيضاً إلى تشويه الخصوم.
وأخيراً: هناك نظرية أخرى أشرت إليها في بداية المقال، ألا وهي الفوضى والإنهاك. وسواء أكانت نتائجها متعمدة أم لا، فإن تغريدات ترامب تنهك كثيراً من الأميركيين نفسياً، الذين يجدون أن ما يحدث في البيت الأبيض يومياً أكثر مما يُحتمل.
ومثل كثير من الرؤساء أصحاب الشخصيات الجذابة من قبله، يزدهر موقف ترامب في حالات الاضطراب، ومنذ البداية، كانت لموظفي إدارته مراكز قوى متنافسة، وكان ذلك متعمداً، وبينما كان يراقب مساعديه يتنازعون في منافسة على التأثير والوصول إلى «الرجل العظيم»، أمكنه الحفاظ على السلطة وصنع القرار النهائي بيديه. وبالطبع، استغل وسائل الإعلام كأداة مفيدة في تلك الاستراتيجية.
ففي يوم نجد «ستيف بانون» وحلفاءه في صدارة الإدارة الأميركية، وفي اليوم التالي نجد صهر ترامب وحلفاءه، وعندما يجد أحداً قد حصل على قدر كبير من الثقة أو الانتباه، يطرحه ترامب أرضاً. والنتيجة أنه لا يزال مسيطراً على الأمور كافة.
وقد استخدم ترامب تغريداته مراراً في مهاجمة «المدعي العام»، وسبب غضب ترامب أن المدعي العام نأى بنفسه عن التحقيق في الملف الروسي، ونتيجة لذلك، لا يمكنه فعل ما يطلبه الرئيس. ومن المتوقع أنه يرغب في إقالة المدعي العام بحيث يتمكن من تعيين شخص أكثر ولاءً.
وفي هذه الأثناء، أثار عاصفة قد تبدو غير ضرورية بتغريدات حول منع الأميركيين «المتحولين جنسياً» من الخدمة العسكرية. وفي حين زعم أنه اتخذ قراره بالتشاور مع «جنرالاته»، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون» أنكرت ذلك، مؤكدة أنها لا تعتزم تنفيذ ما تضمنته تلك التغريدة. والنتيجة الحقيقية، أنه لا يوجد تغيير مباشر في السياسات، وإنما «إلهاء» لقاعدته.
وخلال الأسبوع الماضي، صدرت أمور غريبة، من مدير الاتصالات الذي عينه ترامب حديثاً «أنتوني سكاراموتشي»، الذي يُحاكي رئيسه، مستخدماً «تويتر» ليهدد رئيس موظفي البيت الأبيض. وفي حوار صحفي، هاجم كثيراً من زملائه، وأعلن أنه يرى نفسه مسؤولاً عن تنظيف الفوضى في البيت الأبيض، بل وزعم أنه «سيطردهم جميعاً» من أجل حماية الرئيس وأجندته.
والآن، ليس المهم ما إذا كان «سكاراموتشي» سينفذ أو يستطيع تنفيذ تهديداته. ففي بضعة أيام، ربما يرى ترامب أن بيده قدراً كبيراً من السلطة ويحظى بانتباه إعلامي، ومن ثم يُقرر أن يضع حداً لذلك. ولكن المهم، هو أن ذلك الموظف الجديد يحدث الفوضى ويوفر الإلهاء، ويستخدم اللغة المطلوبة التي تجد صداها لدى مؤيدي ترامب.
تعليقات