لا ريب في أن أي نشاط عربي تحتضنه جامعة ميشيغان بمدينة أن آربر يصب في مجرى تأكيد حضور الجالية العربية بوصفها لونا متميزا وقطاعا مهما وجزءا حيويا من المجتمع الأمريكي الذي يفتخر بالتنوع ونبذ العنصرية والتطرف الديني والتمسك بحقوق الإنسان منذ أن وطأ الرواد الأوربيون هذه القارة.
وقد اعتادت الدكتورة وجدان الأستاذة المحاضرة في قسم دراسات الشرق الأوسط أن تعقد المؤتمرات والندوات ذات الطابع العربي وتدعو إليها شعراء وأدباء ومتخصصين وإعلاميين وطلبة كي يتحدثوا عن تجاربهم في مجال الأدب أو البحث الأكاديمي أو الإعلامي.
وهذه المرة انعقد المؤتمر ظهر اليوم السادس عشر من أبريل الجاري (نيسان)، وفي إحدى قاعات ثاير بلدنك (مبنى قسم دراسات الشرق الأوسط) حيث استهل بالدبكة العربية وبمحاضرة عنها أعدها وألقاها الطالب الفنان ديفن جونز، تلاها تطبيق ممتع من فرقته التي قوامها مجموعة من الطلبة العرب، وهم من أقطار عربية متنوعة ومن تخصصات شتى.
وأنشد الشاعر اللبناني المرهف ياسر سعد قصيدة غزلية، كما ألقت الطالبة شانن ريجنس محاضرة عن الملابس العربية. وحين جاء دور الإعلامي الأستاذ رشيد النزيلي كان حديثه عن صحيفة اليمني الأمريكي ذائعة الصيت في الأوساط العربية، وهو الناشر النشيط لها، وقد وزعت نسخ منها على الحاضرين. وثمة محاضرة للطالبة سمية عتمة عن الأندلس والإنجازات العلمية العربية آنذاك. ونظرت الدكتورة وجدان الصائغ للقصة الشعرية ثم طبقت تنظيرها على قصيدة جميلة للشاعر السوري عمر أبو ريشة. وكانت ورقة الدكتور كاميرون كروس أستاذ اللغة الفارسية تتضمن ترجمة دقيقة لقصيدة منسوبة لمجنون ليلى (قيس بن الملوح) الشاعر العذري المعروف إذ ترجمها للغة الإنجليزية. وأما الطالبة لينا اليعقوبي فقد كانت ورقتها عن الإدمان على الهاتف المحمول وخطورة هذا الإدمان. تلا ذلك قراءة لقصيدة كوميدية للشاعر العربي ابن الرومي قرأها المعيد أليكساندر سكوت. وختمت المعيدة كارولاين روبنسون هذه المداخلات بموضوعها عن اللغة العربية الفصحى – نظرة إلى الماضي. وقد حضر الكاتب اللبناني كامل بزي هذه الفعالية.
استمتعت شخصيا بهذا الحدث وتمنيت أن تتكرر مثل هذه المناسبات، ولا سيما في هذه المرحلة التي يكثر فيها اللغط وتتصاعد فيها نبرة الإعلام موجهة الاتهام إلى الشعوب العربية كلها، مع أن الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، سواء على صعيد الدين أو العرق هما شأن عالمي لا يرتبط بجنس أو شعب أو دين معين، ويمكنك أن تجده على مر التاريخ البعيد أو القريب . ولو شئنا أن نستعرض الجرائم التي ارتكبها الإنسان بحق نظيره الإنسان الآخر لطال بنا المقام، ويكفي أن نذكر ما تناقلته الكتب السماوية من أن جدنا قايين أو قابيل كان قد جندل شقيقه هابيل ، ويكفي أن نتذكر النازية والفاشية ، ولم يمض عليهما زمن طويل. وهاهم داعش والقاعدة خلايا سرطانية طارئة على المجتمع العربي، يطفوان على سطح التطرف الديني البغيض والإرهاب المرفوض منا جميعا.
وأحسب في الختام أن مثل هذه المناسبات من شأنها أن تلغي المسافات بين الجامعة من جانب والمجتمع الأمريكي وبضمنه الجالية العربية من الجانب الآخر. لا سيما حين ترى شبابنا العربي المتطلع للمعرفة وهم يصدحون بالأغاني العربية وعلى إيقاع موسيقى ودبكات تنتمي لأكثر من بلد عربي، فكأني زرت عدة بلدان عربية في ذلك اليوم المميز.
*استاذ اللغة العربية بقسم اللغات الأجنبية بكلية واشتناو
تعليقات