من معلِّمة جغرافيا إلى مالكة مطعمٍ في سِنِيِّ الحرب
صنعاء ـ “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي
في شارع المطاعم وسط صنعاء، والذي يزدحمُ بمرتاديه من الرجال، ثمة امرأة تُدِيرُ مطعمًا شعبيًّا هناك.. تراها يوميًّا تتحركُ ذهابًا وإيابًا لتوفير احتياجات مطعهما وإدارة يومياته دون كللٍ؛ في محاولة للانتصار لمشروعها الذي دفعتْ فيه ما بحوزتها وحوزة بنتيها، متحملةً ديونًا في سبيل ضمان دخْل يحميها وعائلتها من تداعيات ظروف الحرب، التي تعصفُ ببلدها منذ ست سنوات، وانقطعَ بسببها راتبها كمعلِّمة في مدرسة حكومية.
دفعتْ ظروف الحرب، الدائرة في اليمن على مدى السنوات السِّت الماضية، معلّمة الجغرافيا فايزة عُمر للنزول إلى الشارع والبحث عن فرص عملٍ جديدة، وبعد فصول متعاقبة من المعاناة تمكنتْ من امتلاك مشروعها الخاص، المتمثل بمطعم “البيت العدني”، في شارع المطاعم بمنطقة التحرير، في قلْب العاصمة صنعاء.
تروي فايزة لـ “اليمني الأميركي” قصتها التي تُجسِّدُ فصولها الأولى معاناة الموظف الحكومي اليمنيّ الذي انقطعَ راتبه في ظل التدهور الاقتصادي وغلاء المعيشة التي تعانيها البلاد خلال سِنِيِّ الحرب، وكيف استطاعت الاستمرار في مشروعها، رغم كونها أول امرأة مستثمرة تدخلُ شارع المطاعم وسط صنعاء، الذي يضمُّ عديدًا من الرجال المُتمرّسين بهذه المهنة منذ عقود.
انهيار الوضع المالي لليمنيين جراء الحرب دفَعَ فايزة عمر للبحث عن عملٍ لإعالة أسرتها حتى استقرت على فكرة البحث عن مشروع خاص.
التدريس
منحتْ فايزة طلاب مدرستها بصنعاء، على مدى 18 عامًا، عصارة فكرها، دون مللٍ أو كلل، وعاشت مع بنتيها قانعات بمستواهنَّ المعيشي حتى اندلاع الحرب هناك في آذار (مارس) 2015م، مخلّفة انهيارًا في كافة المجالات، وأزمات خانقة أفضتْ إلى غلاء معيشي متسارع زادَ من تعقيد حياة فايزة وأسرتها، لا سيما بعد توقُّف صرف المرتبات الحكومية.
تعرضتْ فايزة للنصب والاحتيال في مشروعها الأول ففشلتْ، لكنها لم تستسلم.
انقطاع الراتب
لم تستسلمْ هذه المرأة لليأس مع انقطاع صرف راتبها، كحالِ أغلبية موظفي القطاع الحكومي، جراء نقْل وظائف البنك المركزي اليمني في آب (أغسطس) 2016م من العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) إلى مدينة عدن جنوب البلاد، والواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا.
قالت: «رأيتُ حينها أنّ الحلّ في التجارة، فبدأتُ مع إحدى صديقاتي بالاتفاق مع أحدهم لتوزيع مياه الشرب النقية كخطوة أولى لامتلاك محطة لتنقية المياه، لكن نتيجة ذلك كان تعرضنا للنصب والاحتيال، وفشل المشروع قبل انطلاقته».
«عقب ذلك فكَّرنا بإنشاء مؤسسة أو جمعية خيرية لدعم البنات عبْر التنسيق مع المنظمات، لكنْ فوجِئنا بعد ذهابنا لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بأنَّ حجم رأس المال الذي سنحتاجه فوق طاقتنا؛ فالتحقنا بجمعية خيرية عمِلْنا من خلالها على تأهيل البنات، خاصة الأرامل والمطلقات لتمكينَهنّ من دخول سوق العمل عبْر دورات مختلفة في الكوافير وصناعة الحلويات، وغيرها»، أضافت.
كونها امرأة لم يتقبلها شارع المطاعم بصنعاء، لكنها تحدَّت نفسها وبقيتْ تُدِيرُ العمل يوميًّا رغم عدم استقرار الأسعار.
امتلاك المشروع
رأت فايزة، عقب ذلك، أنَّ الحلّ الأمثل لتجاوز كل ذلك هو البحث عن مشروعها الخاص، ونصَحها أحد أصدقائها بالاستثمار في مطعم.
قالت: «بدأتُ أبحثُ عن محلٍّ بجوار جامعة صنعاء، وخلال ذلك أتى أحد الطباخين، والذي كان يعملُ في شارع المطاعم، ليخبرني عن وجود مطعمٍ معروضٍ للبيع هناك».
ما زالتْ تتذكرُ الفرحة التي غمرتها عند شرائها ذلك المطعم، قبل ما يزيدُ على ثلاث سنوات، بعد أنْ باعتْ مجوهراتها ومجوهرات بنتيها، بالإضافة إلى اقتراضها مبلغًا من المال.
«لم أتوقع حجم المشاكل التي ستُواجهني، والتي استطعتُ حلّ بعضها، فيما لا زال البعض الآخر عالقًا إلى اليوم».
“أنا متفائلة بأنّ الأوضاع الاقتصادية ستتحسنُ وسأمتلكُ سلسلة مطاعم”
مشاكل وصعوبات
واجهت فايزة عددًا من المشاكل، لكنها لم تُثْنها عن إصرارها بالاستمرار في مشروعها، باعتباره أصبح مشروع مصير؛ إذْ وضعتْ فيه كلّ ما بحوزتها.
منذ أكثر من ثلاث سنوات ما زالت تعملُ بكدٍّ في إدارة هذا المطعم الذي تحضرُ إليه باكرًا، كلّ يوم، وتُدِيرُ كل التفاصيل، بل إنّ الاستمرار بالعمل اليومي هناك بحدِّ ذاته يُعدُّ تحدّيًا يُحسبُ لها، بالنظر للظروف التي تعانيها كامرأة في عملٍ ذكوري، وصاحبة مشروع في بيئة اقتصادية غير مستقرة جراء الحرب.
وأشارتْ فايزة إلى أبرز الإحباطات التي تواجهها، والمتمثلة بعدم قبول شارع المطاعم لها باعتبارها امرأة في وسط ذكوري، فضلاً عن عدم استقرار أسعار احتياجات المطعم جراء ظروف الحرب، وكذا ارتفاع أجور العاملين.
قالت: «هناك عددٌ من المشاكل جعلَتني غير قادرة على سداد ما استدنته عند شراء المطعم، ومِن هذه المشاكل: عدم استقرار أسعار المواد السّلَعية التي نستخدمها… فتشتريها اليوم بسعر، وفي اليوم الثاني تشتريها بسعر مرتفع، بينما العميل يريدُ أنْ تبقى الأسعار مستقرة».
واستطردت: «في بداية عملي في المطعم كان سعر كيلو الفاصوليا بـ 300 ريال، فيما يتراوحُ الآن بين 700 ـ 1000 ريال، وسعر اسطوانة الغاز من 2000 ـ 2500 اليوم ليصل سعرها في السوق السوداء بين 10 ـ 12 ألف ريال، ناهيك عن ارتفاع أجور العامل أو الطبّاخ».. (الدولار الأميركي يساوي 600 ريال بصنعاء و800 ريال في عدن).. كلّ ذلك لم يوفر الاستقرار في المطعم الذي تُدِيره فائزة حتى اليوم.
على الرغم من ذلك
تحلُمُ فايزة بأنْ يكون هذا المطعم بداية لسلسلة مطاعم تملكها مستقبلاً: «أنا متفائلة بأنّ الأوضاع الاقتصادية ستتحسن، وستستقرُّ أسعار المواد الاستهلاكية، وإنْ شاء الله سيُصبحُ هذا المطعم بذرة لسلسلة مطاعم تابعة لي»، تقول فايزة، مؤكدة أهمية امتلاك المرأة مشروعها الخاص، لكنها دعتْ إلى ضرورة دعم مشاريع النساء، لا سيما في بلدان الحروب؛ ليتمكنّ من النجاح، باعتبار أنّ المجتمع الذكوري والأوضاع الاقتصادية المتردية تقفُ عائقًا أمام نجاح هكذا مشاريع… حدّ قولها.
تعليقات