ديربورن- «اليمني الأميركي»:
تختزل حكاية المغترب اليمني عواد الغزالي فصلاً من فصول معاناة جيل جديد من المغتربين اليمنيين في أميركا، الذين غادروا بلادهم جراء تداعيات الحرب؛ فيكابد هؤلاء المرارات من أجل النهوض بواقعهم انطلاقًا من وعي تجاوز تجارب الماضي، وصار يتكئ على المستقبل ويراهن على إمكانات الحاضر.. كنموذج للشاب المكافح العامل بدأب.
فهذا عواد مازال يعيش قصته مع البحث عن الحلم في أرض الأحلام التي وصلها قبل سنوات قليلة بعد تجربة تنقّل فيها بين عددٍ من الأعمال وصولاً إلى خسارة مشاريعه في اليمن بسبب الحرب؛ فقرر السفر عازمًا الالتحاق بأرقى الجامعات، وبالفعل تم قبوله في جامعة هارفارد، إلا أن ظروفه المادية حالت دون التحاقه بها، وعلى الرغم من ذلك لم يستسلم فعاد لسوق العمل، وهو يملك – حاليًّا – معملًا صغيرًا في مستودع كبير بديربورن كواحد من أوائل المغتربين اليمنيين العاملين في مجال التجارة عبر الانترنت في ولاية ميشيغان..
عواد يعمل بدأب، ومازال متمسكًا بحلمه، ويعمل على تحقيقه مستثمرًا في المستقبل، آملاً أن يسهم في توعية أبناء مجتمعه بالتوجه لاستثمار طاقاتهم في المستقبل من خلال تقنية المعلومات.
مازال عواد حديث عهد بالولايات المتحدة، فقد وصل إليها أواخر العام 2015م، وتحديدًا في شهر أيلول/سبتمبر، ككثير من اليمنيين الذين خسروا مشاريعهم جراء الحرب المستعرة هناك، «فالوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر، ومغادرة بعثة السفارة الإيطالية، التي كنتُ أشتغل معها رئيسًا لقسم المعلومات.. دفعتني للبحث عن مصدر جديد للعيش والتعليم في مجالات أوسع ومصادر أقوى».
هارفارد
حين وصل عواد أميركا بدأ يفكر في تأهيل قدراته من جديد ومواصلة جهوده في تحقيق أحلامه في أرض الأحلام، وكانت مواصلة تعليمه هي أكبر الأحلام بالنسبة له مهما كلفه الثمن، ومهما كانت الصعوبات.. يقول: ”بدأتُ بالتقدم في عددٍ من الجامعات الكبيرة، ومن ضمنها جامعة ميشيغان وجامعة هارفارد.. وكان التقديم لـ “هارفارد” أشبه بمزحة بالنسبة لي، ولكني فوجئت بأنه تم قبول ملفي فيها”.
لكن عواد لم يستطع الدراسة فيها، وذلك: “بسبب العامل المادي نظرًا لارتفاع التكاليف الدراسية فيها وقلة الدعم المادي وعدم قدرته على تحمل تكاليف العيش في مدينة بوسطن في الوقت الحالي”.
ويتذكر عواد صديقًا له تحدث إليه أنه يريد الالتحاق بجامعة هارفارد.. يقول: “كان ذلك في بداية اغترابي هنا فأجابني صديقي قائلاً: أنت مجنون.. فالقبول فيها من أربعة إلى خمسة بالمئة.. ومرت أربعة أشهر، وبالفعل وصلتني رسالة تبلغني بأنه تم قبولي، وعندما أبلغتُ صديقي الخبر كانت صدمته كبيرة جداً، وبالنسبة لي كانت لحظة ممزوجة بالفرح والدموع، خصوصًا أنها كانت أحد أحلامي الكبيرة التي حاولت الوصول إليها من اليمن ولم أنجح».
وكان عواد التحق في اليمن بعددٍ من المعاهد والجامعات، ودرس أساسيات البرمجة وتشفير البيانات ودورات أخرى في الأنظمة والمعلوماتية، وعمل في بلده مهندسًا في تقنية المعلومات بالسفارة الإيطالية، كما سبقت الإشارة، ومهندس صيانة أبراج اتصالات في إحدى أكبر شركات الاتصالات في اليمن.. بالإضافة “إلى أنني كنت أملك شركة خاصة بي”.
المستقبل
يعمل عواد حاليًّا في مجال البيع والشراء عبر الانترنت في سلع كثيرة، واختار هذا المجال “بسبب وجود خبرة سابقة لديّ، وأيضًا لأن رأس المال المطلوب صغير جدًّا، والعمل فيه مربح”.
وعن كونه لم يتخصص في سلعة معينة أوضح أن ذلك بسبب الأذواق “، وأيضًا لسبب آخر وهو قدرتي على توفير أكثر من سلعة وتطويرها بالطريقة الصحيحة التي تسمح لي بالتفرد بها دون التقليد”.
يعمل عواد 16ساعة يوميًّا موزعة بين العمل في معمل أخيه أو في شركته الصغيرة أو بمكتبه في البيت. يستأجر عواد محلاً لمزاولة عمله، ويستخدمه كمكتب ومعمل لتغليف منتجات عِدة، ويستفيد منه في توسيع عمله في البيع والشراء عبر الانترنت بمختلف المنصات .
ويثني عواد على عائدات مبيعاته على الانترنت، موضحًا: وصلت مرحلة لم أتخيلها، ووصلت حاجز الـ 23)) ألف دولار خلال السنة المنصرمة رغم مقلة المنتجات التي كانت متوفرة لديّ، وأيضًا رغم عملي في أماكن أخرى لساعات طويلة وعدم التفرغ الكامل للبيع عبر الانترنت، والحمد لله من أوائل اليمنيين في هذا المجال، وصار لدي اسم معروف لدى الكثيرين باسم”شركة عقيق للتسوق الالكتروني”.
التعليم
على الرغم من دأبه وانشغاله بعمله اليومي إلا أنه لم ينسَ حلمه في إكمال تعليمه وتحقيق أحلامه الكبيرة، ولهذا هو يخطط -حاليًّا- لإكمال مشروعه العلمي، “وهو الالتحاق بكلية (باكر) هنا في ولاية ميشيغن، والبدء في الأبحاث التي تساعدني على تسهيل مشواري العلمي،وأيضًا أسعى للحصول على شهادات في الحوسبة السحابية من شركتي أمازون وميكروسوفت».
يُمثّل عواد مشروع مستقبلي إذ مازال يعمل ويحلم أحلامًا كبيرة، ويمضي في طريق تحقيقها متسلحًا بالإرادة والإصرار على تحقيق ما يريد، ملتزمًا طريقًا واضحًا منذ البداية، وهو العمل بشرف والحرص على التعليم مهما طال خط السير..فالتعليم وحده يصنع الفرق لمن يريد الفرق.
بموازاة عمله يدرس عواد – حاليًّا – أمن سيبراني، أو ما يسمى أمن معلوماتي، ويطمح أن يصبح في المستقبل أحد المطورين في دراسة تقنية المعلومات من خلال إدخال تقنيات جديدة…وهنا يقول:”لا أنسى حلمي الكبير، وهو الحصول على درجة (أستاذ)، ونيل عدد من التراخيص التي تخوّلني التعمق في مجالي والإسهام في توعية مجتمعي بأهمية التوجه إلى دراسة التقنيات الحديثة باعتبارها تُسهل الحياة وتصنع المستقبل”.
تعليقات