عبدالله الصعفاني*
(ما أقسى أن يأتي الموت من نافذة الأمل..)
* تحضرني هذه العبارة كلما قرأت خبرًا عن غرق يمنيين في البحر مع أنهم لم يتخفّوا ويعانوا ويركبوا القوارب المتهالكة إلا أملاً في هجرة يغادرون بها مخانق الفقر، ويحققون فيها الأمل، وليس مُهمًّا إن كانت هجرتهم غير شرعية، ومحفوفة بالمخاطر.
ومفارقة العبور إلى الأمل من بوابات الخطر صارت لازمة من لوازم يمنيين شباب، إما يركبون البحر بليل التخفي فيغرقون أو يحاولون الهجرة بتأشيرات طلابية أو سياحية يتفاجأون بأنها مزيفة فيتعذبون.
*وفي الحالتين، إمَّا يتعرض المهاجر غير الشرعي للغرق، أو يتعرض للابتزاز والنصب والسرقة والإغراق العمد لمجرد تخفيف حمولة قارب، والاستيلاء على ما في محفظته من مال قبل رميه في البحر بعيدًا عن الشاطئ فيموت، لأن الواحد منهم يقفز إلى الموج بلا سترة نجاة، والمسافة لا تساعده على الوصول إلى مرفأ، أو يابسة.
* وكنت أظن أن غرق الإعلامي الرياضي الصديق محمد الأهدل، ومن بعده بطل الكونغ فو هلال الحاج (رحمة الله عليهما) ستكون آخر مآسي بحث الشباب اليمني عن المستقبل بمساعي الهجرة عبر شواطئ شمال أفريقيا (الجزائر والمغرب وتونس وليبيا)، فإذا الأخبار تتحدث عن تنامي الهجرة غير الشرعية ليمنيين بواسطة مكاتب غير شرعية قادمين إلى تركيا عبر سوريا ولبنان بهدف الوصول إلى اليونان.
* وغالبًا يتقمص السمسار صاحب التأشيرات المضروبة دور إبليس، وهو يقول: إني بريء، فيما تهرب السفارات اليمنية إلى تبريرات سامجة، مفادها أننا لا نتعاطى إلا مع الذين يهاجرون بطريقة شرعية، وليذهب كل ضحية إلى الجحيم.
* والذي لم يكن يخطر على بال أكثرنا تشاؤمًا أن يصبح الصومال قبلة لهجرة عوائل يمنية كثيرة فتصل الأعداد إلى الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء.
* وكنت قررت التوقف عن مواصلة كتابة هذا الكلام حتى الصباح تحت ضغط الإحساس بأن كل ما أحتاجه هو إطفاء اللمبة والنوم في الظلام قبل تسجيل العتاب لكل من أودى بنفسه إلى التهلكة؛ لولا أنني تذكرت حق الهجرة لشباب يعيشون ضغوط الحرب، والفقر، والبطالة، وغياب المرتبات، وجنون الأسعار، والبحث عن أي فرصة لتحقيق حلم الهجرة كحق طبيعي أكد عليه الدين وأقوال الحكماء والفلاسفة والشعراء، وحسبهم عند الإخفاق قول الشاعر:
لا تَلُم كفِّي إذا السيف نبا..
صح منِّي العزم والدهر أبى.
ثم ألم تقل لنا الحكمة الهولندية (الله يرزق الطيور لكن عليها أن تطير لتصل إلى طعامها..؟)
* (وإذن) ها هو الشباب العربي واليمني يحاول أن يطير مهاجرًا إلى أوروبا ودُولِه الاسكندنافية.. لكن ما من سبيل سوى طريق المخاطرة؛ لأن الموقف غير الودّي من المهاجرين في أوروبا مستمر في صور كثيرة، ظاهرة وخفية، واحدة منها ما كنت قرأته من أن إسبانيا إثر تباطؤ اقتصادي قديم قررت تعويض المهاجرين، وحتى الشرعيين منهم، التعويضات المناسبة لتشجيعهم على مغادرة البلاد.. وكثيرًا ما ينهمك الاتحاد الأوروبي بين الحين والآخر في مناقشة أمر التصدي للهجرة بشقيها الشرعي وغير الشرعي، وخاصة عندما يرتفع عدد المطالبين بالدعم والإعانة لعدم حصولهم على الوظيفة، فهل يدرك هؤلاء معنى أن تكون هناك عائلات لا تجد ما تأكله..؟
وهل يفهمون بأن للشباب في العالم المتخلف طموحاتهم المشروعة في الهجرة هربًا من ضيق حال اليد..؟
*وإلى أن يفهم كل من يحكمون اليمن ويتصارعون على كراسيه ومدخراته أن الوقت قد حان لأن يجنح الكل للسلام، وأنه لا يجوز أن يكون الصراع بديلاً عن الإنتاج… أسرد حكاية الصحفية الهولندية (جوديت سبيخل) التي صرحت عقب الإفراج عنها بعد اختطاف في اليمن ذات يوم، حيث قالت:
(أنا أحب اليمن وسأعود لزيارته مجددًا، حتى وقد تعرضت للاختطاف..)، الأمر الذي يجعل كاتب هذا السطور يبادلها المشاعر، فأقول:
وأنا أيضا أحب واشتاق لهولندا، بلد الأبقار الذكية، والجبنة، والزهور، وأرغب في زيارتها مرة ثانية.. ولا مانع عندي من التعرض للاختطاف هناك..!
*كاتب يمني
تعليقات