عبدالباري طاهر*
يتناول الأستاذ سعيد الجناحي – رئيس تحرير “الأمل”، تقديم تصور لسياسة الصحيفة، فقد تدارس مع الزملاء، وأقروا التصور المطلوب، وتم إبلاغه لوزارة الإعلام.
يتناول التصور المستوى الوطني والقومي والدولي، إضافة إلى الشعار الرئيس – شعار الجبهة الوطنية الديمقراطية الذي التزمت به الصحيفة كناطقة بلسان الجبهة، وقد حدد التصور نهج الخط الوطني في عدة قضايا، سأشير إليها باقتضاب شديد، وبما لا يخل بالمعنى:
– الخط الوطني الديمقراطي.
– الوحدة اليمنية.
– نقد السلبيات ومظاهر التسيب والفساد.
– تبني إيجاد اقتصاد وطني متحرر ومستقل.
– انتخاب مجلس الشعب كأساس لتشكيل حكومة مركزية قومية.
أما على المستوى القومي والدولي:
– تبني القضايا العربية، وفي المقدمة قضية فلسطين، وقضايا حركات التحرر الوطني.
– وضد المؤامرات الإمبريالية، والرجعية، والصهيونية، والفاشية، وخاصة مؤامرة كامب ديفيد.
– تناول الوضع في الوطن العربي، وخاصة الجزيرة العربية.
– تقف الصحيفة مع نضال الشعوب من أجل حريتها واستقلالها وتقدمها، ويتناول بالتفصيل قصة إصدار العدد الأول والثاني، والصعوبات والمخاطر المحدقة، ويقدم سعيد توصيفًا أكثر تفصيلاً للنهج التنفيذي للصحيفة، كما يعتذر عن عدم انتظام الصدور، ومشروع الميزانية، كما يتناول قصة المحاكمة التي تحولت إلى معركة دفاع عن قضايا التعليم، وقضايا الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، وفضح الطبيعة السلفية الوهابية التكفيرية للمجتمع اليمني ككل.
صدرت الصحيفة أسبوعية في ثمان صفحات، مكرسة الصفحة الأولى للأخبار، إلا أن الأخبار كانت شحيحة بسبب الحصار، وغياب حرية الرأي والتعبير، ومصادرة الحق في الحصول على المعلومات، وتخويف الناس من الصحيفة كناطقة بلسان الجبهة الوطنية، ووصمها بأنها صحيفة “المخربين”، ومع ذلك، فقد كانت الأمل صحيفة رأي بالأساس.
والصفحة الثانية تناول المحليات، والرياضة، والثالثة حوار، وآراء، والرابعة للمقابلات مع الشخصيات، والخامسة مكرسة للأدب والثقافة، والسادسة مكرسة للوضع والمشاكل الاجتماعية، والسابعة صفحة القراء، أما الثامنة فمتنوعة، شأن الصحافة اليومية.
منذ العدد الأول اختطت الصحيفة النهج القومي الديمقراطي، وتتبعت باهتمام القضايا المحلية، والمشاكل الاجتماعية، والعلاقة بين الشطرين، والنشاط السياسي والاجتماعي والثقافي، والانفتاح على الأحداث والأوضاع في الوطن العربي، والنشاط الأدبي والثقافي عربيًّا، كما احتفت بقضايا حركات التحرر الوطني، والصراع الدولي، والقضايا العامة في المنطقة والعالم، وبالأخص القضية الفلسطينية.
كانت الأخبار فيها غالبًا كصحيفة معارضة تدور حول تتبع الأخبار المتعلقة بالعلاقة، والحوارات بين الشمال والجنوب، ونشاط جماعة الإسلام السياسي المعادي، في ما يتعلق بالمناهج والمعاهد العلمية الدينية، وكانت التعليقات محل اهتمام وعناية من قِبل الصحيفة، وقد وصل الأمر إلى حد أن الهيئة العلمية – هيئة المعاهد رفعت دعاوى في المحاكم ضد الصحيفة، وكسبت الصحيفة الحكم بالبراءة، وتحولت المحاكمة إلى قضية رأي عام واسع وقوي مساند للصحيفة، وضدًّا على المعاهد، ودفاعًا عن حرية الرأي والتعبير، وربما كان صالح فرحًا بالمعركة؛ لأنها تخفف من تغول المعاهد المدعومة من الشيخ الأحمر والسعودية كخطر محتمل، وفي الوقت نفسه ما يترتب على ذلك من إيذاء للصحيفة، وجرجرتها إلى المحاكم بما يحد من انصرافها للعمل الصحفي، ومتابعة القضايا اليومية، وشل وترويع طاقمها.
فتحت الصحيفة صدر صفحاتها للأقلام المبدعة شبابًا وشابات، مع كبار المبدعين، فنشرت الكثير من أشعار الشباب كمحمد حسين هيثم، وعبدالرحمن عبدالله، وعبدالودود سيف، وجرادة، ومحمود الحاج، وعبدالله علوان، والوريث، وعبدالرحمن فخري، وعبداللطيف الربيع، وعشرات غيرهم، كما أجرت الكثير من المقابلات مع الرؤساء: عبدالفتاح إسماعيل، وعلي ناصر محمد، وعلي عبدالله صالح، وقادة سياسيين وعسكريين، وأدباء ومثقفين ومفكرين مهمين كحسين مروة، ومحمود أمين العالم، وعبدالله البردوني، والمقالح، وفواز طرابلسي، وأجريت مقابلات مع جمال ابن الشيخ المفكر الجزائري، والشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي، كما أجرت الصحيفة مقابلة مع يحيى يَخلُف – الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتّاب الفلسطينيين، وصاحب رواية “نجران تحت الصفر”، ومع الأستاذ أحمد حسين المروني، وعلي الضبة، وعدد من مناضلي ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، والرابع عشر من أكتوبر ١٩٦٣، والفدائيين، والشخصيات العامة كجار الله عمر، وأبو بكر السقاف، ومحمود الحاج، وعلي عبدالفتاح، والأستاذ محمد عبدالله الفسيل، وأحمد الحربي، وسيف أحمد حيدر، وأقلام من اتجاهات وتيارات مختلفة، فكانت – بحق – التعبير الموضوعي والصادق عن معنى الجبهة الوطنية الأكثر ابتعادًا عن حصر الجبهة الوطنية في خندق الكفاح المسلح، وأيضًا عن معنى الجبهات الوطنية في سوريا والعراق، والتي شكّلتها الحكومات القومية كتابع للنظام. لقد كانت الأمل الصوت الديمقراطي الحقيقي.
قراءة المجلدات الخمسة، والمجلد الضخم المكون من ٨٣٣ صفحة قطع كبير لا يتأتى في مقالة أو مقالات، فقد كانت الصحيفة “الأمل” في ثمانينيات القرن الماضي البديل الأوعى والأرقى للمواجهات الدامية التي تقوم بها السلطة مدعومة من العربية السعودية والأمريكان والأوروبيين، بعد أن فشلت الحرب ضد الجنوب عبر الوديعة والشرورة، وكانت الصحيفة أيضًا رئة للنضال السلمي والديمقراطي، ومنبرًا حرًّا للأصوات الإبداعية الجديدة الآتية من المدارس والجامعات، والحياة الحزبية والنقابية والسياسية، واحتفت الصحيفة أيما احتفاء بقضايا المرأة، وبالعمل النقابي المهني والإبداعي، وغطت النشاط الطلابي، ونشاط اتحاد الأدباء والكتّاب، ونقابة الصحفيين، وحاورت التيارات المختلفة بما في ذلك الإسلام السياسي الداعم للمعاهد العلمية، وكان حضور اليسار الماركسي مائزًا، وخلال بضع أشهر أصبحت “الأمل” الصحيفة الأولى بشهادة الخصوم السياسيين، ورغم الصعوبات والعوائق الأمنية، وبلادة الرقيب المشار إليها سابقًا، فقد استطاعت الأمل اختراق حاجز الصوت، وتحدي المنع والرقيب الأمني، وتحقيق إنجازات مهنية وسياسية ديمقراطية لا يستهان بها.
يشير رئيس التحرير إلى تجسيد الدفاع عن الشعار الرئيس، وهو عنوان الجبهة الوطنية الديمقراطية: السيادة الوطنية، وصيانة الاستقلال الوطني، والتمسك والدفاع عن الحقوق الديمقراطية للشعب، ومواصلة النضال من أجل إعادة توحيد الوطن، والاهتمام بالانفراج السياسي، وترسيخ الوفاق الوطني، وتعزيز الاستقرار والأمن، والدعوة إلى حماية الاقتصاد الوطني، وتطوير مناهج التربية والتعليم، وتوحيد المناهج، والاهتمام بالحياة المعيشية للمواطنين، وخلق ثقافة وطنية ديمقراطية وتقدمية، وإبراز الجوانب الإيجابية في تجربة الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر)، وفضح الدعايات الرجعية المضادة، ورفع الوعي الوطني، وإصدار القوانين الديمقراطية، ومحاربة الفساد، والدفاع عن القطاع العام، وتلمُّس هموم ومشاكل ومعاناة المواطنين، وبخاصة الكادحين.
وعربيًّا، اهتمت الأمل بالوقوف إلى جانب الشعوب العربية ضد الأنظمة الموالية لأمريكا، والقامعة للحرية، ومساندة حركات التحرر، وبالأخص الفلسطينية، وكشف الممارسات اللا ديمقراطية للأنظمة العربية، وانتهاك حقوق الإنسان، ومكافحة التيارات الرجعية، وخلق مواقف تضامنية إزاء قضايا الأمة، والكشف عن طبيعة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعيشها الأمة، والتعريف بحركات التحرر الوطني.
وعالميًّا، كشف المؤامرات الإمبريالية ضد مختلف شعوب العالم، ومناصرة قضايا السلام العالمي، والتحرر، والاستقلال، والدعاية لنجاحات البلدان الاشتراكية، والعِداء لسياسات سباق التسلح، وفضح السياسات الفاشية والعنصرية.
واحتفت الصحيفة في الكثير من أعدادها بالكاريكاتور، وبالأخص كاريكاتور ناجي العلي، وخلال عمرها القصير أصدرت كتيبات لأهم كتّابها، وبالأخص جار الله عمر، وعلي عبدالفتاح الذي كتب كثيرًا باسم المهدي في قضايا كثيرة.
وأخيرًا، هناك كتابات تغطي مساحات واسعة من صفحات الأمل بأسماء مستعارة: أبو حسام، أبو أمل، أبو وفاء، ثم إن الزملاء، وهم مدير التحرير: علي محمد عبده الصراري، وسعيد بجاش، ونصر صالح، ومحمد عبدالرحمن الجميل – شفاه الله – هم الأقدر على الكشف عن هذه الأسماء؛ إذ لا محظور حاليًّا.
في اتصال هاتفي أبدى الأستاذ حسن شكري رأيًا في ما يتعلق بقصة مصدر التوجيه بإصدار الأمل، ولرأيه وجاهة؛ كونه حينها المسؤول الإعلامي في الجبهة الوطنية.
* نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.
تعليقات