الصحافيتان اليمنيّتان فاطمة رشاد وليلى مالك ترويان قصصهن مع الحرب والمِهن الأخرى
صنعاء – “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي
أجبرتْ الحرب الصحافية اليمنية فاطمة رشاد على اللجوء لِمهنة أخرى تقتاتُ منها مع زوجها وطفلتها، بعد أن أرغمتها الأوضاع الراهنة الناجمة عن الصراع على ترك العمل الصحافي، والعمل في حياكة الدّمى، مثلما قادت ذات الظروف الصحافية ليلى مالك إلى صوغ الاكسسوارات، ومن ثم العمل كوسيط بيع مستلزمات نسائية… إنها ظروف الحرب يتحول معها الصحافيون والصحافيات إلى أنْ يكونوا هُم القصص.
تختزلُ قصة فاطمة رشاد وليلى مالك ما وصلت إليه معاناة عديد من الصحافيات في اليمن جراء الحرب التي ألقت بأثقال تداعياتها على جميع المِهن، وتبدو الصحافة من أهم تلك المهن التي تأثرت كثيرًا بالحرب المستعرة هناك منذ ستة أعوام، وتشملُ المعاناة جميع العاملين في هذه المهنة من صحافيين وصحافيات، لكن نظرًا لظروف المرأة الخاصة في مجتمع مثل اليمن يمكن اعتبار معاناة الصحافيات أكثر مما هي عليه معاناة الصحافيين، مع وجود تفاوت لا ننكره في ظل انقطاع صرف الرواتب الحكومية، وتدهور قيمة العملة الوطنية، وأسعار السِّلع.
«اضطررتُ لترك العمل الصحافي بسبب الحرب، وما تمرّ به البلاد من أوضاع سياسية متناحرة؛ فكوني أحب بلادي رفضتُ أنْ أكون شريكة في هذا الصراع كما خاضها بعض الزملاء، مع احترامي لهم»، تقول فاطمة متحدّثةً لـ”اليمني الأميركي”.
معاناة واكتئاب
انقطعت السُّبل بفاطمة وأسرتها الصغيرة، لا سيما بعد طردها من قِبَل مالك الشقة التي تسكن فيها؛ فانتقلتْ للسكن في غرفة متواضعة صارعتْ فيها على مدى أيام وشهور عديدة شظف العيش، معتمدة على معونات أهلها وما تبقّى من صديقاتها.
قبل أنْ تلجأ لِمهنة أخرى كانت الدنيا قد اسودّت في عينيها ودخلت في حالة من الاكتئاب إلى أنْ انتشلتها والدتها، التي تعيشُ مع أسرتها في عدن، خلال حديث عابر، في إحدى المكالمات الهاتفية للاطمئنان على حالها.. «أنتِ كنتِ تحبي حياكة الصوف قبل عملك بالصحافة، ليش ما تشتغلي بالحياكة وتبيعي شغلك من العرائس وغيرها من أعمال الصوف».
كانت تلك الكلمات بمثابة القشة التي تعلقت بها فاطمة لتنقذ نفسها وأسرتها… تقول: «بدأتُ أعمل بحياكة الصوف، التي كانت هوايتي في العام 2018م قبل عملي بالصحافة، وبدأتُ أبيعُ مشغولاتي بمساعدة زملائي وزميلاتي اللواتي شجعنني على مواصلة العمل».
جوجو كروشي
أبدعتْ فاطمة في مشغولاتها التي توفر احتياجات الأطفال من العرائس الدّمى وغيرها، فأطلقت على مشروعها اسم (جوجو كروشيه)، فنّ صناعة الدمى.
«طورتُ عملي، وبدأتُ مشروعي الذي أسميته (جوجو)؛ تيمّنًا باسم ابنتي الصغيرة جمانة، و”كروشيه” فنّ ياباني يعنى بحياكة أو صناعة الدّمى.. وقمتُ بالترويج له من خلال صفحة سيدات يمنيات ناجحات، على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، وبدأتْ منتجاتي تُلاقي رواجًا لا بأس به، ثم روّجتُ له عبْر صفحتي في “فيس بوك”، والواتس آب».
وأضافت: «ساعدني على النجاح إتقاني لعملي واختياري للخامة الجيدة من نوعية الخيوط القوية ومهارتي في انتقاء الألوان وتنسيقها التي اكتسبتها من دورة تدريبية لفنّ دمج الألوان، واحتكاكي بالفنانين التشكيليين والنحّاتين في بيئتي كصحافية، فتعاملتُ مع مهنتي الجديدة كفنٍّ وليس كمهنة حتى أصبحتُ أرسم وأُشكّل الدمية كما يرسم الفنان لوحته، ويُشكّلُ النحات مجسماته».
تختزلُ قصة فاطمة رشاد وليلى مالك ما وصلت إليه معاناة الصحافيات في اليمن جراء الحرب التي ألقتْ بأثقال تداعياتها على جميع المِهن، وتبدو الصحافة من أهم المِهن التي تأثرت بالحرب المستعرة هناك منذ ستة أعوام
سأظلُّ صحافية
رغم انشغالها بمهنتها الجديدة تمرُّ عليها أوقات تحِنّ لمهنتها الأصلية «تجتذبني الكتابة أحيانًا، وأحتفظُ بما أكتب عدا بعض المرات التي يحرجني فيها أصدقاء لأقوم بالتغطية الإخبارية لفعالياتهم، وأقوم بنشرها في بعض المواقع الإلكترونية».
«سأظلّ صحافية، ومسألة استمراري في مهنتي الجديدة مرهون بتطور مشروعي وبوضع البلاد»، تضيف.
فصول المعاناة
تتشابه فصول معاناة الصحفيات اليمنيات؛ فهذه ليلى مالك، الصحافية في وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، عانت كثيرًا من تداعيات ظروف الحرب حدّ طرْدها من السكن مع أسرتها؛ ما اضطرها للبحث عن عمل يؤمّن معيشتها وإيجار سكنها، وهو العمل الذي وجدته بصعوبة.
تقولُ ليلى لـ “اليمني الأميركي”: «في البداية انقطعَ راتب زوجي؛ فأجبرنا على تقليل نفقاتنا؛ نظرًا لاعتمادنا على راتبي، الذي أصبح مصدر دخلنا الوحيد، لكن كانت الصدمة عندما انقطع راتبي، كما هو الحال مع بقية موظفي الدولة في أيلول (سبتمبر) من العام 2016م».
بيع المقتنيات
عاشت ليلى مع عائلتها ظروفًا صعبة، ودفعتها المعاناة التي عاشتها مع أسرتها، مع توقف صرف الرواتب وغلاء المعيشة وارتفاع إيجارات السكن، إلى بيع مقتنياتها.
«بدأتُ أبحثُ عن أيّ عمل يساعدنا على مواجهة نفقات معيشتنا، حتى زارتني أختي التي تعملُ في إنتاج الاكسسوارات النسائية، وعرضتْ عليّ أنْ أساعدها في عملها، وأكسب لي صنعة تُدرّ عليّ المال»، تضيف.
تعلّم حرفة أخرى
اتقنت ليلى مهارة صناعة الأساور وغيرها من الاكسسوارات التي تستخدمها النساء للزينة، وبدأت تروّج لمنتوجاتها. وفي يومٍ من الأيام أتاها عرض لتعمل مدرّبة مع إحدى المنظمات، في كيفية صياغة الاكسسورات بأجرٍ يومي.
«استمريت على هذا الحال زهاء العامين حتى خرجتُ من السكن الذي كان بالقرب من المنظمة، وبذلك ارتفعت نفقاتي الشخصية نظرًا لإيجار المواصلات التي كنتُ أستغرقها في الانتقال من منزلي إلى المنظمة، فوجدتُ أنه لا جدوى من العمل».
ذات مرة ذهبتْ ليلى للتسوق مع قريباتها فانبرت لها فكرة عمل جديدة.
«خلال عملية تفاوضنا على شراء فساتين حدّدَ صاحب المحل المبلغ الذي اشترى به الفستان الواحد، وأنّ رِبحه من الفستان لا يكفي مع نفقات الإيجار والكهرباء والعمال وغيرها»، تضيف: «فقررتُ حينها أنْ أقوم بدور الوسيط، حيث أقوم بتوفير احتياجات التسوق التي تبحثُ عنها المرأة من ملابس واكسسوارات… مستخدمةً مجموعات في الواتس آب بحكم كثرة معارفي، وبمجرد أنْ يأتيني طلب لأيّ سلعة أقوم بتوفيرها، وأكتفي بـ 500 ريال (أقل من دولار واحد) فقط هامش ربح بعدها».
نجحت ليلى في عملها الجديد، واستطاعت توفير مصدر دخل يفي بالاحتياجات الضرورية لأسرتها… لتبقى ليلى لاجئة في مهنة أخرى، منتظرةً انفراج غمة بلادها وتجاوُز محنة الحرب.
وبعد
إلى متى ستستمر المعاناة اليمنية التي تتشابه فصولها من صحافية لأخرى؟
وتعيشُ الصحافة في جميع مناطق اليمن مرحلة هي الأصعب في تاريخها المعاصر؛ فثمة صحافيون في المعتقلات، وآخرون مخفيون، وعدد كبير منهم عاطلون، ومَن يعملُ منهم في المؤسسات الحكومية، ويمثّلون النسبة الأكبر، لا يتقاضون رواتبهم… الأمر الذي دفع بهم إلى أحوال مأساوية ومِهن أخرى… وها هي أحوال الصحافيات تعكسُ صورة من صور تلك المعاناة القاسية.
تعليقات