لم تحتمل الرسامة اليمنية سبأ جلاس مشاهدة تدهور الأوضاع الإنسانية في بلادها جراء الحرب المستعرة هناك منذ أربع سنوات، فقررت تطويع تجربتها في الرسم لخدمة الناس؛ وانطلقت في رسم أعمال تُعيد فيها تحويل دخان انفجارات غارات طائرات التحالف إلى مناظر إنسانية تُعيد الاعتبار لقيم الحياة وثقافة الأمل؛ بل لم تتوقف عند الرسم، إذ عملت على بيع تلك الأعمال في مزاد، وسخّرت العائد لخدمة العمل الإنساني.. في تجربة نقدّم، من خلال الاحتفاء بها، رسالة لِما يمكن أن يسهم به الفن في خدمة الإنسان، وما يمكن أن يسهم به اليمنيون، في كل مكان، للتخفيف من آثار الحرب في بلادهم.
صنعاء – « اليمني الأميركي»:
«من المهم أن نسهم في تعزيز ثقافة الأمل لدى الناس؛ فواقع الحرب في اليمن كارثي، ويصدمني كل يوم الواقع الإنساني، ولا بد إزاء ذلك من أمل لدى الناس لتجاوز آثار الحرب والانتصار لقيم الأمل، وانطلاقاً من ذلك كانت أعمالي»، تقول سبأ جلاس، متحدثة لصحيفة (اليمني الأميركي).
قبل نحو عامين بدأت سبأ تجربتها في رسم مناظر إنسانية مبهجة في حدود كتلة الدخان الناجم عن الانفجارات؛ وهنا تُقدّم هذه الشابة منظر الحرب في أفدح مظاهره، وهي الانفجارات في المناطق السكنية، لكنها تحوّل منظر الدخان الناجم عنها لعمل فني، حيث ترسم في حدوده منظرًا يعكس أجمل ما في الانسان من قيم.. وهي بذلك تعكس واقع الحرب لكنها، في ذات الوقت، تذكّر المجتمع بجمال إنسانيته، تقول: «هي الحرب نتجرع ويلاتها، لكن في المقابل لا بد من أمل؛ فالحياة مستمرة، ولا بد من أمل يستطيع من خلاله الناس مواجهة كارثية آثار الحرب في نفوسهم وفي حياتهم”.
مقابل ما فرضته الحرب من تعقيدات مأساوية في الحياة الإنسانية في اليمن ظهرت تجارب شبابية تعمل على مواجهة تلك التداعيات في عديد من المجالات، بما فيها الفنون، إذ ثمة تجارب فنية يمنية لا تتوقف في مقاومة قبح الحرب، من خلال إنتاج أعمال إبداعية تسهم في نشر ثقافة الأمل والتفاؤل والتسامح والتعايش، ومن هذه التجارب تبرز تجربة هذه الرسامة الشابة، التي تُمثّل لوحاتها أنموذجًا لِما يمكن أن يقدّمه الفن في زمن الحرب.
بدأت علاقة سبأ بالرسم خلال طفولتها، وظلت هذه الهواية ترافقها خلال سنيّ دراستها إلى أن أكملت دراستها الجامعية…وولدت فكرة رسم مناظر الانفجارات والاشتغال على صور الدخان فنيا، قبل عامين، تقول: “لقد تأثرتُ في تجربتي هذه بتجارب فنانين فلسطينيين اشتغلوا على صور الدخان في أعمال فنية، إلا أن الفرق أن الفنانين الفلسطينيين كانوا يحرصون، من خلال تلك الأعمال، على تعزيز ثقافة الصمود، بينما أنا أحرص على تعزيز ثقافة الأمل».
لم تتوقف تجربة هذه الشابة اليمنية على الرسم ونشر هذه الأعمال في خدمة بلادها؛ فما تشاهده يوميًّا من واقع مأساوي فرض عليها العمل على خدمة هؤلاء الناس والانتقال، بتجربتها الفنية، من الخدمة المعنوية إلى الخدمة العينية؛ فقررت بيع بعض أعمالها في مزاد، وبالفعل باعت خمسة أعمال، وعملت، من خلال العائد، على دعم خمسة مشاريع منها: مخبز خيري في مديرية المراوعة (الحديدة)، وتوفير مستلزمات مدرسية، والإسهام في بناء مدرسة في مديرية بني الحارث (صنعاء). وما زالت سبأ مستمرة في الاشتغال على مآسي الحرب في بلادها من خلال ترجمتها في نصوص بصرية في تجربة فنية مختلفة.
تعليقات