Accessibility links

إعلان

عبد الباري طاهر*

في الـ 27 من يوليو تفجر الوضع المأزوم في الجنوب اليمني بين طرفي الصراع المحلي: المجلس الانتقالي الموالي للإمارات العربية المتحدة، ويضم معه الأحزمة الأمنية، والنخب، وعشرات الآلاف من مليشيات دربتها الإمارات على مدى الأربعة أعوام- والشرعية.

يتبنى الانتقالي الدعوة للانفصال مدعوماً من الإمارات المتحدة (العضو الثاني في التحالف) الذي تقوده السعودية. استمر الصراع لأربعة أيام لطرد قوات الشرعية مسنوداً –الانتقالي- بقوة التدخل الإماراتي، وسكوت السعودية، وعبد ربه منصور وحكومته عما يجري.

تفجر المعركة في الجنوب كان بمثابة تحصيل حاصل؛ فمنذ التدخل السعودي- الإماراتي جرى ما يشبه تقاسم ميدان المعركة؛ فقد تولت السعودية الشمال -المنطقة الحدودية، ومناطق المطامع منذ مطلع القرن الماضي-، ولها فيه أتباع و محاسيب كثر من كبار مشايخ القبائل وحزب الإصلاح، بينما انفردت الإمارات العربية المتحدة بالجنوب. معروف أن للإمارات نشاطاً واسعاً في الموانئ والجزر في العديد من بلدان العالم، وبالأخص في القرن الأفريقي، وقد واجهت رفضاً في الصومال وعدن وجيبوتي. الإمارات شديدة الحماس للانفصال، ومنذ البدء منعت الشرعية والرئيس عبد ربه منصور من العودة أو الاستقرار في الجنوب، كما منعت مجلس النواب من الانعقاد في أي منطقة جنوبية، ووضعت قوات الشرعية وإدارتها أمام المراقبة وتحت النظر.

معركة الأربعة أيام هي رصاصة الرحمة ضد قوات لم يكن مرحباً بها. موقف السعودية كان إلى جانب الحليف الأساس (الإمارات)، وإذا ما تدخلت- كما حصل في اشتباكات 2018-، فهو تدخل للتهدئة.

ربما برز الخلاف بين الحليفين من حول قفز الإمارات إلى سوقطرة والمهرة، ولم نسمع بخلاف بسبب منع الشرعية ورئيسها ورئيس وزرائها ووزرائها من العودة إلى الجنوب، أو منعهم من التحرك.

انفردت الإمارات بالجنوب، وأقامت الأحزمة الأمنية والنخب في المدن، وفتحت سجوناً سرية، وقامت أجهزتها والأذرع الأمنية بالاغتيال وتصفية الخصوم السياسيين: التجمع اليمني للإصلاح، والسلفيين المختلفين معها، واغتيل الناشطون المدنيون: عمر الطويل، وباوزير، وأمجد عبد الرحمن الذي مُنِعَت عائلته من إقامة مراسيم الدفن، كما اعتقل المعزون ماجد الشعبي وهاني الجنيد، وصفي العشرات من الدعاة وأئمة المساجد. لم نسمع للسعودية صوتاً في كل هذه الجرائم، كما عطل ميناء عدن والمخا بعد “تحريرهما!”.

بعد نهاية المعركة بين الأخوة الأعداء بتحريض ودعم إماراتي قوي، وصمت سعودي أقوى برزت تصريحات المسئولين السعوديين تطالب بانسحاب قوة الانتقالي، والعودة إلى مواقعها القديمة، ومثل هذه التصريحات ليست أكثر من براءة الذمة، أو ذر للرماد في العيون، والأهم الدعوة للتفاوض بين فريقي الحرب، والاحتفاظ بمواقعهما.

تشترط الشرعية عودة الأوضاع كما كانت عليه قبل المواجهات الأخيرة، وعدم المساس بالوحدة اليمنية، وتدعم السعودية- بمستوى- مطالب الشرعية، ولكن ما يدور في حوار الحليفين ربما كان مختلفاً؛ فهو يدور من حول مناطق مصالح ونفوذ كل طرف، والعلاقة بإيران والقوى الحليفة لكل منهما.

إن العلاقة بين الحليفين لم تعد كما كانت، وهذا صحيح، لكنها لم تصل إلى حد القطيعة، إلا أنها تشهد تحولات ليست لصالح السعودية؛ فالإمارات تتفرد بمواقف لغير صالح التحالف، والجنوب قد يكون موضع التباين الأكبر.

لا يستطيع الانتقالي حسم المعركة مع الأطراف الأخرى، كما لا تستطيع الأطراف المتحاربة في اليمن حسم المعركة، وسيبقى الصراع والثارات ودورات العنف مفتوحة كأبواب الجحيم يغذيها التحالف وصراع الإقليم والتدخل الدولي.

الصراع الإقليمي هو الآخر جانح للتفكك؛ فالخلافات بين السعودية والإمارات جلية، وتتزايد، وحقاً، فإن العجز عن حسم المعركة، ومخاطر التوتر في الخليج، وخلافات اقتسام جلد الدب قبل اصطياده حاضرة، ولكن حاجة الطرفين لاستمرار التحالف قائمة أيضاً.

عند بدء الحرب الأهلية، وتدخل دول التحالف بقيادة السعودية راهنت الشرعية ومعها الأحزاب الكبيرة، وبعض المثقفين على حسم المعركة خلال أشهر أو أسابيع، وكرست أجهزة الدعاية هذا الوهم، وربما كانت السعودية والإمارات الأكثر وثوقاً بالحسم العسكري.

الوهم الجديد أو الخدعة الثانية استمرار الرهان على وقوف السعودية إلى جانب الشرعية ضداً على الإمارات، أو وقوفهما في مواجهة بعضهما انتصاراً لهذا الطرف أو ذاك؛ فالخلافات بينهما- وهي موجودة فعلاً- لا تدور من حول عودة الشرعية، أو صيانة الوحدة اليمنية، أو تنفيذ مخرجات الحوار، وتنفيذ القرارات الأممية؛ فحرب الأربعة أعوام دحضت هذا الوهم، والمحزن أن بعض الأحزاب، والقوى والشخصيات من جديد تقع في وهم اختلاف الحليفين من حول: مع الشرعية، أو ضدها؛ فالطرفان متفقان على إطالة أمد المواجهات، وعلى تفكيك اليمن، وتمزيق نسيجه المجتمعي؛ ليسهل الاقتسام الذي يختلفان عليه، والمأساة أن تبتلع الشرعية الطعم مجدداً، وتصطف مع السعودية في مواجهة الإمارات؛ لتكتشف بعد فوات الأوان أن التفكيك هو الهدف المشترك، وأنها الضحية.

الخطيئة- كل الخطيئة- اصطفاف اليمنيين في خنادق الصراع الإقليمي الإيراني-الخليجي، ومن الخطأ أيضاً الاغترار بالخلاف السعودي- الإماراتي، والمخرج الوحيد بدء الحوار اليمني- اليمني، وفتح القنوات بين مختلف الأطراف المتقاتلة لوقف الحرب، والبدء في حوار يمني شامل كمليشيات، وأحزاب، وشخصيات، وجهات، ومجتمع مدني وأهلي، ويمكن الإفادة من الانشغال بالصراع الإقليمي، وبخلافات التحالف، وبالتلويح بالأمم المتحدة، والخلاص من صراع الإقليم والأخوة الأعداء، وقبل ذلك الخلاص من صراع ما قبل عصر الوطنية والدولة.

*نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات