فكري قاسم*
وبمرور سنة ونص من استمرار الكتابة مع صحيفة عكاظ، تحسنت أحوالنا كثيرًا، وبانت النعمة في وجهي بشكل ملحوظ.
وارتاحت أمي وصفي وجهها، وصار مَجْبَرها اليومي مع أفراد العائلة ومع نسوان الحارة ومع الجيران، يدور كله في الغالب حول نعمة البرميل السعودي الذي أحدث نقلة نوعية وملموسة في ظروف معيشتنا اليومية.
ولو جلست بين النسوان في أي تَفْرِطَة يومية، وسمعت إحداهن تشتكي أن ابنها تخرج من الجامعة وما لقي له عمل للآن، تنصحها بطريقة تحفيزية وتقول لها بفخر:
– مله وهو لموه ما يشتحط ويقع رجال ساع ابني، ويفتح له برميل يطلب الله على كرشه منه.
ولو تعاطفت مع أي واحدة من أخولاتي المتزوجات اللي معاهن شبان عاطلين بلا عمل، تتحين الفرصة المناسبة وأنا جالس في البيت، وتجي تتوسط له عندي، وتقول لي بلهجة استعطاف:
– أمانة يا ابني ابصر لابن خالتك أي عمل معك في البرميل، ارجم به في أي حنفي ثواب عند الله.
ومن كثرة فَشْرَتها بين الأهل والجيران بالبرميل السعودي الذي ينطف زَلَط لا داخل جيبي، أصبحت أمي محاطة بالغبطة من كل من يعرفها، وكل من يشوفها في أي مكان تكون فيه يقول لها:
– والله سبرت لك العيشة يا لطوف.
ومن كثرة فَشْرَتها بي أصبحت أنا الآخر محاطًا بالغبطة اليومية من جميع الأهل والأصحاب والمعاريف في الحارة، وأينما سرت أو جيت، أشوفهم يتسعَّدوني، وأسمعهم يقولوا لي في أماكن متفرقة:
– سُعَيْدَك يا فكري.. بتغرفها غريف من داخل البرميل.
– والله ما هي إلا لك يابن لطوف.. برميل سعودي لا رأسك.. منو زيك؟!
– والله سبرت لك ياضاك.. زَلَط تستكب لك سكيب من داخل برميل ما ينضب.. هِنْيَت لك.
– مله كن اتبادى علينا حتى بوَطْلَتين في الشهر من الحنفي حق البرميل السعودي، ما شيقع بك شي.
وحتى المؤجر نفسه، صاحب البيت، شاف أموري سابرة وأحوالي سالكة، أدفع له الإيجار أولًا بأول من دون أي تأخير، وشاف أمي تشتي تعمل تحسينات داخل البيت من حساب إيجارات سنة ستدفعها له مقدمًا، وشعر فعلًا أن معي برميل نفط سعودي يسكب زَلَط خيرات في جيوبي، وطمع ورفع علينا الإيجار الشهري ثلاثة أضعاف عمّا كنت أدفعه له من قبل! ولما سألته معترضًا:
– ليش ترفع الإيجار بهذا الجنون؟
رد يكلمني بلسان بارد وقال:
– ياضاك مو هي الزيادة ذلحين؟ هي وَطْلَتين من برميل ما شيكمل.
أزعجني طمعه الواضح يومذاك على أية حال، وشعرت بأن الأمر فيه استغلال لفَشْرَة أمي اللي والله ما هي دارية ما هو هذا البرميل الذي جالسة تَفْشُر به بين الناس، وحسيت في ذات الوقت، بأني واقع تمامًا في قبضة مؤجر مبتز، هو الآخر أيضًا، والله ما لأمه علم أيش هو هذا البرميل، واختلفت معه على الزيادة بعد شجار مسموع، وقلت له بشكل قطعي:
– خلاص ياخي هات لي مهلة ثلاثة شهور أدوِّر لي أنا وأمي بيت ثاني.
انتهى الخلاف بيننا يومذاك على مهلة الثلاثة الأشهر، بينما كانت أمي واقفة وراء الباب تلوم نفسها على فَشْرَتها التي ضرَّبت بي عند مؤجر طماع.
وأول ما دخلت البيت، كانت محرجة مني، وقالت لي بصوت مذنب:
– أني داري إن هذا كله عملي أني يا ابني، لكن خلاااص، من ذلحين وطلع، قسمًا بالله ماعد شازيد أفشر قدام مخلوق، ولَقْفي هذا والله ماعد شازيد أفتحه.
وأردفت تنصحني بتحفيز:
– وأنت والكل من ذلحين وطلع، قع رجال ووالِف نفسك، وكلها سنة وبس نشتري لنا بيت ملك يخارجنا من عيشة بيوت الإيجار.
اقتنعت بفكرتها يومذاك وأنا مقهور من المؤجر، ومقهور على نفسي ومصمم أنو لازم يكون معانا بيت ملك يخارجنا من عيشة بيوت الإيجار.
وسارت مهلة الشهر الأول من مهلة الخروج من البيت التي قطعتها المؤجر، وأنا مواظب على نشر مقالاتي اليومية في جريدة عكاظ، وأكتب في نفس الوقت مقالات أسبوعية أنشرها بانتظام في صحف المعارضة، أنتقد فيها النظام، وأخرج غُلْبي كله فوق رأس السلطة الحاكمة في البلد.
وبعد كل مقال أنشره، أتلقى من قرائي المتكاثرين في جريدة عكاظ رسائل إعجاب يومية، وأتلقى من قرائي في صحف المعارضة اليمنية رسائل كلها تسألني في الغالب:
– كم قد معك زلط من البرميل؟
فتحت إيميلي في إحدى الليالي، ولقيت في صندوق الوارد رسالة عجيبة من شركة هوتميل مكتوبة باللغة العربية، فيها خطاب موجه لي أنا شخصيًّا:
“مرحبًا مستر قاسم.. شركة هوتميل اختارت إيميلك من بين عشرة أشخاص مميزين مرشحين معها للفوز ببيت الأحلام، انقر على الرابط المرفق أدنى هذه الرسالة لمعرفة التفاصيل”.
نقرت على الرابط وأنا مش متصور الموضوع أيش هو بالضبط، وتفتحت أمامي في شاشة جهاز الكمبيوتر ست صور ملونة وكبيرة.
شفت في الصورة الأولى لقطة عامة لمدينة سكنية كبيرة لبيوت من دورين أنيقين، مصممة بنمط حديث، ومعمورة بالجوار من بحيرة في مساحة خضراء واسعة مترامية الأطراف في ولاية سايبر جايا الماليزية.
وشفت في بقية الصور الخمس لقطات متنوعة لشقة وسيعة من صالة وحمامين ومطبخ وأربع غرف مختلفة الأحجام، تقع على إطلالتين جميلتين ما بين البحيرة والمساحة الخضراء.
وشفت عرض باب الشقة لوحة خشبية صغيرة وأنيقة مكتوب في داخلها باللغة العربية “هدية هوتميل للصحفي فكري قاسم الفائز بقرعة بيت الأحلام”.
وزغللين عيوني بصراحة لما شفت اسمي مكتوب عرض لوحة باب الشقة الفاخرة، وانتابني فرح جليل، وقلت أكلم نفسي بفرح:
– أحمدك يا رب، جت من عندك.
وشفت في ذيل الصفحة عبارة “عزيزي الفائز ببيت الأحلام، أمامك الآن خطوتان فقط لاستكمال عقد التمليك خلال أسبوع واحد من تاريخ قراءة هذه الرسالة”.
وكانت الخطوتان كالتالي:
إرسال صورة هويتك للتأكد من أنك الشخص الفائز بقرعة بيت الأحلام.
دفع 500 دولار تكاليف التوثيق القانوني للعقار وإرسالها على الحساب البنكي الموضح أدناه لشركة “ون ساوث العقارية” في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
شفت الحساب البنكي مكتوب في أسفل الصفحة، واعتقدت على طول أن الموضوع كذب أو مقلب أو احتيال أو أي شيء من هذا القبيل.
وللتأكد من صحة الموضوع، فتحت في الحال نافذة على الماسنجر للدردشة مع صاحب قديم يدرس في ماليزيا، وأرسلت له صور الشقة، وسألته إذا ما كان هناك في ماليزيا ولاية اسمها سايبر جايا؟ وإذا ما كان هناك شركة عقارية اسمها ون ساوث؟
رد صاحبي بالإيجاب، وأكد لي فعلًا، أن هناك حظوظًا كثيرة من هذا القبيل تمنحها شركة هوتميل لأبرز مستخدمي خدماتها الإلكترونية، وقال إن هناك تنافسًا كبيرًا بين أكثر من شركة ناشطة في مجال تكنولوجيا العصر، وأنهيت الدردشة معه لحظة ذاك وأنا مطمئن وطاير من الفرح.
كان ضوء الصباح قد طلع وأنا ما زلت في مقهى الإنترنت. وعلى طول سرت أجيب بطاقتي الشخصية من البيت وأنا مستعجل، وأمي واقفة لي عند الباب تسألني:
– ها أين عتسير؟ عادك دخلت البيت.
قلت لها مستعجلًا:
– شاسير أعمل حاجة مهمة يا أماه، وما شرجع إلا ومعي لك أحسن وأعظم خبر.
– مله موهو؟ طمني.
– خليها مفاجأة.
وأنهيت الحوار معها بسرعة، ورجعت إلى مقهى الإنترنت بنفس السرعة، نسخت بطاقتي سكينار وأرسلتها من إيميلي في رد سريع إلى نفس الإيميل اللي وصلتني منه رسالة البشرى الكبيرة.
وخرجت أمشي من بعد ذلك إلى البنك الذي أتعامل معه، وأرسلت من حسابي البنكي مبلغ 500 دولار على رقم حساب شركة “ون ساوث العقارية في ماليزيا”، وأنا ما بين شك ويقين، ومصدق ومش مصدق.
وانتهيت من ذلك وعدت مسرعًا إلى مقهى الإنترنت، وفتحت إيميلي فِيْسَع، وشفت في صندوق الوارد رسالة تأكيد باستلام المبلغ من شركة “ون ساوث العقارية” مرفق معها صورة طبق الأصل من عقد التمليك، موقعة جاهزة، مع رسالة تقول لي: “مبروك عليك مستر فكري قاسم، أنت الفائز معنا بشقة بيت الأحلام، وعليك الاحتفاظ بكافة وثائقيات تحويل المبلغ مع رسالة المخاطبة من شركة هوتميل، وسنوافيك لاحقًا بموعد الحضور إلى العاصمة كوالالمبور لاستلام الشقة خلال شهر واحد من تاريخ هذه الرسالة”.
– الله أكبر.. هذا فتح عظيم.. هذه سعادة غامرة.. هذا كرم من رب السماء.
عبارات رددتها في خلدي وأنا أسحب صورة العقد مع صور الشقة من داخل إيميلي، وعملت صورة سكينار لإشعار دفع مبلغ الـ500 دولار.
ومن باب الاحتياط فقط، نسخت مكاتبتي الإلكترونية مع شركة هوتميل، ووضعت كل تلك الوثائق المهمة داخل ملف خاص، وخرجت أمشي به من مقهى الإنترنت متجهًا في طريقي إلى البيت وأنا فرحان ومبسوط وحاسس بسعادة إنسان محظوظ وضع قدميه أخيرًا في أول سلم للمخارجة من عيشة بيوت الإيجار.
ووصلت إلى البيت قبل الظهر وأنا مواصل السهر، وأمي قد هي ساع المجنونة من شدة القلق، وأول ما فتحت لي الباب بشرتها على طول بالخبر السعيد، وأنا ألوح في وجهها بالملف الذي في يدي، وقلت لها بصوت مسرور:
– خلااااص ماذلحين يا أماه معانا بيت حقنا ملكنا، نبدأ فيه عيشتنا من جديد من دون دحيس المؤجرين.
أمي كانت زي العمياء، فرحانة بالخبر ومش دارية ما هو الموضوع.
فتحت لها الملف الذي في يدي عشان تتأكد من صدق الخبر السعيد، وجلست أوَرِّيها غرف شقة بيت الأحلام من داخل الملف، وأعرضهن عليها صورة صورة، وهي جنبي ومش مصدقة عيونها، تشوف الصور داخل الملف، ودموع الفرح محبوسة في أحداقها، وسألتني للاستعلام وفي صوتها شَجَن كبير:
– مله وهذي الشقة أين هي؟
– في ماليزيا يا أماه.
– وأين هي مانيزيا هذي؟ ولمو ما تشتري لنا شقة داخل البلاد أحسن؟!
شرحت لها الموضوع بالتفصيل، وقلت لها أين هي ماليزيا؛ وفهمتها على قدر تفكيرها، أن الشقة هدية من حظوظ الإيميل.
وانفرجت أسارير وجهها، واستوعبت الأمر، وتعاظم عندها شأن البرميل لحظة ذاك بشكل كبير، وقامت على طول من جنبي في هاذيك الأثناء، وسارت تتوضأ وتصلي ركعتين حمد وشكر لله وللبرميل الذي خارجها وخارجني من عيشة بيوت الإيجار.
وسار الأسبوع الأول من يوم البشرى الكبيرة، وأنا وأمي نقلب صور شقة بيت الأحلام في الملف بفرح وسرور، ونتنقل في الأحلام بين الغرف.
ويوم نفرش هذي الغرفة ديوان، وهاذيك الغرفة الثانية نفرشها كنب مع مجلس عربي صغير، والثالثة نفرشها غرفة نوم، والرابعة نخليها غرفة البنات، والخامسة نخليها غرفة استقبال.
ويوم نسهر أنا وهي نخطط طول الليل كيف نعمل بأثاثنا القديم، وكيف نودع الأهل والجيران.
ويوم نتشاور في ما بيننا البين، هل نروح نسكن في ماليزيا وخلاص ونَسْكَه لنا من دوشة هذي البلاد؟ أو نبيع بيت الأحلام ونشتري بقيمته بيت في الحارة بين الأهل والجيران؟ ونَسْكَه لنا من مرارات الاغتراب.
وسار الأسبوع الثاني وأمي مستمرة في الانتظار، وتفكر بالموضوع ليل نهار، وكل شوية ترسم الأحلام والأمنيات وتقول لي:
– ليت والله وقد كانت شقة بيت الأحلام في السعودية، قدي تكون جنب بيت الله من ناحية، ومن ناحية ثانية قدي تكون جنب البرميل.
وانتهى موعد الشهر عمومًا، وأمي منتظرة على أحر من الجمر، وأنا مستمر في نفس برنامجي اليومي، أفتح إيميلي بنفس الشوق ونفس الانتظار لموعد استلام شقة بيت الأحلام، ولا أعثر في صندوق الوارد على أي رسالة من شركة هوتميل، وأعود إلى البيت خائبًا في كل يوم، وأمي مراعية لي بالسِّراج، وأول ما أدخل من الباب تسألني متشجِّنة:
– هيا مو عاقالوا؟ أيحين شننقل مانيزيا؟
– مافيش أي خبر للآن يا أماه.
أرد عليها باقتضاب، وتواسيني:
– سهل سهل يا ابني.. ما اعتمرتش صنعاء بيوم.. أهم شيء أوبه لحقنا البرميل وبس، وكون قفله ضَباط.. هو المال والضَّمار حقنا، وبقية الحاجات سهل، كلها شتجي بالبصر.
بمرور الشهر الثاني من الانتظار كنت قد وصلت إلى حالة قصوى من اليأس والإرباك.
كلمت الموظف في مقهى الإنترنت عن الموضوع، وأنا ضجران من التأخر في استلام الشقة، واكتشفت منه حينذاك فقط أني وقعت ضحية احتيال إلكتروني لا يقع فيه غير المغفلين، وحذرني من التعاطي مرة أخرى مع أي رسائل من ذلك النوع، ولكن بعد أيش يا صاحبي؟ بعد أن وقع الفأس فوق الرأس.
وكان ذلك يومًا سيئًا من كل النواحي على أية حال، وما هو؟ وكيف؟ وأيش الذي حصل؟
جلست في مكاني أمام شاشة الكمبيوتر، وفتحت إيميلي وأنا مقهور من خديعة بيت الأحلام، وبي إحساس بأني مغفل كبير، وبأني ساذج أصدق الناس بسرعة.
ولقيت داخل صندوق الوارد، في تلك الأثناء، رسالة صادمة وصلتني طازجة وطرية من مدير تحرير جريدة عكاظ، أبلغني خلالها بالتوقف عن إرسال أي مقالات للصحيفة ابتداء من هذا الشهر!
دَخّن رأسي لحظة ذاك من وقع الرسالة الصادمة، واتصلت على الفور بزميلي مدير مكتب عكاظ، أسأله عن السبب المفاجئ لإيقافي عن الكتابة!
وأبلغني بكل أسف بأن قرار الاستغناء عن كتاباتي في صحيفة عكاظ، جاء وفق رغبة ملحة من وزير الإعلام اليمني، بناء على اتفاق بروتوكولي مسبق موقع بينه وبين وزير الإعلام السعودي، في عدم استكتاب أي أقلام معارضة للنظام في البلدين الشقيقين!
تقبلت الصدمتين يومها بروح رياضية مرنة، وروَّحت من المقهى وأنا خائب أمشي في طريق عودتي إلى البيت، وقلبي حزين بدرجة أساسية على فرحة أمي المسكينة، وماناش داري كيف أفاتحها بالموضوعين الصادمين.
وبمجرد ما وصلت، فتحت لي أمي باب البيت وهي متشَجِّنَة بانتظار سماع أي خبر مفرح بشأن البشرى الكبيرة المرتقبة، وسألتني متلهفة كما العادة:
– هيا مو عاقالوا؟ أيحين شيسلموا لك بيت الأحلام؟ قذّا جِزِع الشهر الثاني وهم ولا..!
كان الموقف صعبًا، والجواب أصعب، والكلام ثقيل فوق لساني، وكان عليَّ في نفس الوقت، أن أضع أمي أمام الصورة بكل وضوح، وقلت لها كل شيء في الحال عن طبيعة الفخ الاحتيالي الذي وقعت فيه.
وكانت أمي مثالية وجسورة في تلقي الخبر السيئ مني، ولم تنصدم منه، ولم تهز لها شعرة، وواستني بصوت غير مبالٍ بشيء، وقالت:
– طز بأبوه بيت.. أهم شيء برميلنا معانا، هو الخير والبركة.. وهو الكل بالكل.. وما حيلة ما يستكب لك من داخله رزق ساع المطر الغزير.. وشنعمر لنا بيت هنا داخل بلادنا، ونعيش بكرامتنا بين أهلنا وناسنا، ما نشتي ولا مانيزيا.
تعقد الأمر بالنسبة لي أكثر من اللازم بعد ردها المثالي ذاك، وسارت الدمعة الحزينة من عيني وأنا أكلمها بكل وضوح بخصوص رسالة الاستغناء التي وصلتني اليوم من صحيفة عكاظ.
وتلقت الخبر مني في هاذيك الأثناء وهي مطننة في وجهي، وطارحة راحة كفها على خدها بأسف باين في عيونها، وبمجرد ما أنهيت الهُدار معها حول رسالة الاستغناء الصادمة، هزت رأسها بطولة بال، وسحبت من أنفاسها تنهيدة ملان صدرها، ورفعت رأسها إلى السماء محتسبة، وقالت تكلم الله بمنتهى الصبر ومنتهى العتب:
– هيا تمام يا رب.. زد عِدِمنا البرميل.. أحمدك وأشكرك على هذي العيشة.
– الحمد لله على كل حال يا أماه.. ما نفعل؟
رديت أواسيها، وقالت بصوت حزين:
– ولا نفعل شيء يا ابني.. هي هكذا من أولها.. عِيْشَة فِيْشَة وأحلام كلها فاشوش.. مو نعمل؟!
وسارت أيام، وجت أيام من بعد ذلك، وأصبحنا في العام 2005 ونفسي مسدودة تمامًا عن الذهاب إلى مشاوير الإيميل، ونسيت كلمة السر، وأمي ما تزال على أمل بأن البرميل سيعاود فتح حنفيته إلى جيبي من جديد.
* كاتب يمني ساخر.
تعليقات