رفضٌ يمني للممارسات العنصرية والاحتكام للغة السلاح.. مَن يُغذّي الكراهية بين اليمنيين ويُفخخ الوضع في عدن؟
اليمن – «اليمني الأميركي»:
أثارت تصرفات بعض العناصر المحسوبة على قوات الأحزمة الأمنية وقوى انفصالية في مناطق جنوبية في اليمن ضد إخوانهم من أصول شمالية، كثيرًا من ردود الفعل الرافضة لهذه السلوكيات التي تُمعن في تمزيق النسيج الاجتماعي، وتُمثّل تهديدًا خطيرًا للوحدة الوطنية، كما تُمثّل تفخيخًا للمستقبل في بلد يشهد حربًا منذ أكثر من أربع سنوات، محذرين في الوقت ذاته من تداعيات تجذير ثقافة الكراهية والعنصرية في كل مناطق البلاد.
وأعرب يمنيون، من الشمال والجنوب، عن رفضهم هذه التصرفات العنصرية التي وصلت حدّ إغلاق الطريق أمام القادمين إلى عدن من المحافظات الشمالية، وترحيل الموجودين هناك وغيرها من السلوكيات التي تتنافى مع أخلاق المجتمع وقيم الوطن.
كما أعربوا عن أدانتهم لما شهدته عدن من مواجهات مسلحة سواء التي تلك اندلعت بين مليشيا «الحزام الأمني» وميليشيا لواء المحضار في منطقة الشيخ عثمان أو تلك التي اندلعت بين قوة من «الحزام الأمني» وقوات تابعة لألوية الحماية الرئاسية في إطار ما دعا له قيادي سلفي متطرف في «المجلس الانتقالي الجنوبي» هاني بن بريك لإسقاط مؤسسات الدولة بما فيها قصر المعاشيق الرئاسي، والتي سقط بسببها قتلى وجرحى. وأكد يمنيون أن «عسكرة» الحياة في عدن تمثل جزءاً من مشروع كبير يستهدف الجنوب اليمني برمته من خلال تسليم زمام القوة فيه لجماعات وميليشيا تخدم مشاريع خارجية تستهدف السيطرة على السواحل والموانئ وإضعاف دولة اللاوحدة واللاانفصال.
واتهم يمنيون ما أسموه أيادٍ خفية تستثمر تراكم انحرافات الأنظمة السياسية اليمنية السابقة واستغلال فوضى الحرب الراهنة، وتعمل على تكريس ثقافة الكراهية وعسكرة الحياة في عدن، بهدف تحويل اليمن لبؤر ملتهبة بالصراع الذي يستكمل ما بدأه العامل الخارجي في إطار سعيه للسيطرة على مراكز السيادة والقوة والثروة.
وكانت القوات التابعة لـ»جماعة أنصار الله» أطلقت، الخميس الأول من أغسطس، صاروخًا بالستيًّا مع طائرة مسيّرة استهدفا عرضًا عسكريًّا لقوات الحزام الأمني في معسكر الجلاء بعدن، ونتج عنه سقوط العديد من القتلى والجرحى بالتزامن مع تفجير إرهابي لسيارة مفخخة في أحد أقسام الشرطة في الشيخ عثمان بعدن، ونجم عنه سقوط عدد من الضحايا.. وهو ما تم استغلاله في تأجيج روح الثأر والانتقام من أبناء المحافظات الشمالية هناك، حيث نفّذت قوات الأحزمة الأمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة إغلاقًا للطريق أمام المسافرين الشماليين إلى عدن، وكذا ترحيلهم من عدن قسرًا ونهب ما يملكون.
وهو الوضع الذي تطور إلى مواجهات مسلحة بين ميليشيات جنوبية وقوات حكومية تحت شعارات انفصالية والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
صحيفة (اليمني الأميركي) لا تنحاز بهذا التقرير لجهة جغرافية ما في اليمن بقدر ما تؤكد إيمانها باليمن الواحد وطناً لكل اليمنيين، تحت مظلة مشروع وطني إنساني يُحقق لهم تطلعاتهم في الحرية والمساواة، وهو المشروع الذي نؤمن أنه سيولد من رحم هذه المعاناة…وهذا ليس بغريب عن بلدٍ يمتلك رصيدًا حضاريًّا وأخلاقيًّا ضاربًا في جذور التاريخ.
دعوات المتطرفين
وفي هذا الصدد قال الرئيس السابق علي ناصر محمد – في بيان له رصده عدد من المواقع الإخبارية اليمنية: إن الأخطر من أصوات الانفجارات في عدن هي دعوة البعض من المتطرفين لتدمير الوحدة الوطنية في النفوس والنسيج الاجتماعي في عدن خاصة التي كان يتعايش فيها كل أبناء اليمن (شماله وجنوبه)، بل وكثير من جنسيات العالم التي انصهرت في هذه التركيبة الاجتماعية المسالمة.
وتابع علي ناصر محمد: «نحن نعرف أن الأحداث التي مرّت قبل وبعد الوحدة تركت جراحًا غائرة في جسم الوحدة الوطنية، كما تركت الحرب بعد العام 2015م جراحًا أخرى أيضًا، ولكن علينا – جميعًا – السعي، والعمل من أجل التئام هذه الجراح، والوقوف ضد بث الكراهية بين المواطنين في الشمال والجنوب عبر الحوار وليس عبر العنف والسلاح؛ للخروج من دوامة العنف والصراع التي يمر بها شعبنا».
أعمال مدانة
ابن مدينة عدن المقيم في صنعاء – الصحافي ريام مخشف دان من جانبه ما جرى في مدينة عدن وغيرها من أعمال ضد أبناء المحافظات الشمالية، وهي أعمال – كما يقول – مرفوضة جملة وتفصيلاً من غالبية أبناء المحافظات الجنوبية، بما فيها عدن، فهم محبون للناس جميعًا، مشيرًا إلى أن التطرف العنصري يمارسه قلة هناك فقدت عقلها وتقوم بأعمال لا تمت للدين والإنسانية والأخلاق بصلة، ولا تُعبّر عن أبناء الجنوب.
وقال لصحيفة (اليمني الأميركي): أنا مقيم وأعيش ومستقر في صنعاء منذ 18 عامًا، وأحظى بالحب والاحترام والتقدير من الجميع، ولم أجد سلوكًا استفزني وتعامل معي بمناطقية، كما لم أجد حتى من يسألني من أين أنت.
وأضاف مخشف: أدعو كل الجنوب وكل الشمال إلى التنبه لخطر الكراهية وما يخطَّط للبلد كله تحت هذه الدعوات الهادفة إلى إغراق البلد برمته في دوامة صراع تستنزف قوته وثرواته».
تحقيقات جادة
إلى ذلك أعرب رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام بمدينة عدن، باسم الشعبي، عن رفضه لِما جرى في عدن وغيرها، وما تعرض له أبناء المحافظات الشمالية في عدن وغيرها، وقال للصحيفة: هذه التصرفات مرفوضة كلية وغير مقبولة.. فمدينة عدن تعيش أزمة، ويعاني من هذه الأزمة كل سكانها من جميع المحافظات، وكان يفترض من الجهات المسؤولة إجراء تحقيق مهني حول الانفجارات يضمن أمن واستقرار المدينة بدلاً عن هذه الإجراءات غير الصائبة، التي تُعمّق أزمة المدينة.
الأكثر إيلامًا
ورافق ما جرى في عدن وغيرها تبريرات من بعض الكتّاب والمثقفين الذين ساقوا – كما يقول الكاتب والشاعر محمد عبدالوهاب الشيباني – تبريرات عنصرية لِما صار وسيصير لبسطاء الناس من العمال الشماليين.
وأضاف في تدوينة على حائطه في موقع “فيسبوك”: تغذية الكراهية الممولة، بتراكمها التاريخي، لن تعبِّد الطريق لاستعادة دولة، ويعرف المثقفون، قبل غيرهم، أن مثل هذه الأفعال العنصرية كفيلة بنسف الحوامل الثقافية والاجتماعية والأخلاقية التي تأسست عليها قبل أكثر من نصف قرن…قبل أن يجني نظام الاستبداد والفساد بأدواته وأساليبه المختلفة على البلاد (شمالها والجنوب)، بما فيها أساليب تغذية الكراهية التي تتجذر الآن في حياة الناس، وبرغبة قوى ناعمة، تكبر وتتصلب وتستنفع من ألم الجميع”.
14 اكتوبر
وهنا قال نائب الأمين العام السابق لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أحمد ناجي النبهاني : “إن ما يحدث في جنوب الوطن من احتكام للغة السلاح يدل دلالة أكثر من واضحة وصريحة أن رصيد البلد من الحكمة والعقل قد بدأ ينهار أو في طريقه إلى الانهيار.. ما أحوج الجميع إلى حكمة من تبقى من قادة ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة فهم الحصن الحصين الذين نعول عليهم بعد الله في تجاوز هذا النفق المظلم الذي تعيشه عدن في هذه اللحظة المفصلية من تاريخها المجيد”.
تعليقات