هكذا استطاع اليمني فهد شهاب تجاوُز واقع الحرب
صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد العلفي:
على الرغم من تداعيات الحرب على كلّ شيء هناك، استطاع الشاب اليمني فهد شهاب (41 عامًا) أنْ يمتلكَ معمل إنتاج منظّفات بصنعاء بعدما كان عاملاً في ذات المجال، إذ لم يستسلم للإخفاقات التي لازمته كعاملٍ بسيطٍ تحدى ظروفه حتى امتلك مشروعه الخاص، في الوقت الذي توقفت الكثير من الأعمال جراء الحرب المستعرة هناك للعام السابع مُخلفةً أسوأ مأساة إنسانية في العالم، وفق تصنيف الأمم المتحدة.
يتحدثُ شهاب لـ”اليمني الأميركي” عن تجربته، وهو يتألم لِما يعانيه بلده جراء الحرب.
مرت تجربته بعددٍ من المحطات بدءًا من عمله في تسويق الأدوية المهرّبة، وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر، مرورًا بعمله في تركيب شفرات مناشير قطع الأحجار، وصولاً إلى عمله في تسويق المنظفات، ومن ثم احتراف تركيباتها الكيميائية، فكان مشروعه وافتتاح معمله الخاص في إنتاج المنظفات، وهو بالإضافة إلى ذلك يحلمُ بامتلاك مصنع لإنتاج الصابون والمنظفات.
مرّت تجربته بعددٍ من المحطات بدءًا من عمله في تسويق الأدوية المهرّبة، مرورًا بأعمالٍ أخرى وصولاً إلى تسويق المنظفات، ومن ثم احتراف تركيباتها، فكان مشروعه الخاص.
مغادرة المدرسة
لم يرغبْ فهد في إكمال دراسته استجابةً لظروف واقعه؛ إذ كان فيه معظم مَن في سنّه يعملون؛ فغادر مدرسته بريف محافظة تعز/ جنوب غرب البلاد، وهو في الصف الثالث الإعدادي (1996)، وسافر إلى صنعاء ليعملَ هناك في توزيع الأدوية المهرّبة مع عددٍ من أقاربه، على الصيدليات ومخازن الأدوية.. مرت الأشهر والسنين وهو يكتسبُ معارف ومهارات التسويق.
نتيجة الضوابط التي وضعتها الدولة آنذاك على تجارة الأدوية اضطر فهد للبحث عن عمل آخر ليقتات منه، يقول: «تفوقت على زملائي في تسويق الأدوية، فحققتُ “التارجت” (الهدف) في المبيعات، وبذلك زاد دخلي الشهري وتحسنت ظروفي المعيشية، إلا أنّ التصاريح والضوابط التي وضعَتها وزارة الصحة حينها أدت لتوقف شبه تام في العمل بالأدوية المهربة».
«دفعتني الظروف للتنقل من عملٍ إلى آخر، من عاملٍ بالأجر اليومي إلى سائق باص أجرة في سبيل تأمين لقمة العيش»، يضيفُ فهد.
مع بداية الألفية الراهنة التحق فهد بالعمل مع أخيه الأكبر غير الشقيق، الذي كان يعملُ بنقل البضائع والخردوات إلى جيبوتي من خلال شرائها من عدة محافظات وشحنها إلى جيبوتي.
وبعد ثلاثة أعوام دخل مع أخيه في العمل في الشفرات الماسية التي يتم تركيبها على مناشير قطع الأحجار، فسافر أخوه الأكبر إلى الصين لاستيراد تلك الشفرات التي كان يستقبلها فهد ويقومُ ببيعها، إلا أنّ شغفه في الإلمام بتفاصيل أيّ عملٍ يدخل فيه جعله يتعلمُ طريقة تركيب الشفرات الماسية.
ومع مرور الوقت أجاد ذلك العمل، وقام بإطالة عمر المناشير نتيجة ابتكاره طريقة جديدة في تركيب الشفرات الماسية، يقول: «بعد اطّلاعي على طريقة عمل مناشير قطْع الأحجار استطعتُ أنْ ابتكرَ طريقة لإطالة عمر الشفرات وزيادة سرعة القطع من خلال الدمج بين الشفرات، حيث يوجد 10 أنواع مختلفة من الشفرات»، لكنه اختلف مع أخيه فترك العمل معه، وعاد للتنقل بين عمل وآخر.
بدأ فهد، مؤخرًا، بإنتاج شامبو وبلسم الشعر ولوشن الجسم وصابون غسيل الملابس كخطوة أولى لامتلاك مصنعٍ لإنتاج الصابون والمنظفات.
العمل في المنظفات
خلال التنقل بين عدة أعمال انتقل فهد للعمل مع أحد تجار توزيع محلول غسيل الملابس على مغاسل الملابس والمستشفيات.. «التحقتُ بالعمل مع أحد تجار توزيع محلول غسيل الملابس كعاملٍ توزيع براتب شهري 35 ألف ريال، بعد أنْ اتفقتَ معه على أنْ نتشاركَ في إنتاج المنظفات، التي بدأنا بعد ذلك بإنتاجها رغم تخوّف التاجر من إخفاقي في تركيب المنظفات»، يضيف.
كان فهد قد عمل سابقًا على تنمية قدراته في تركيب المنظفات في منزله بكميات قليلة جدًّا، عقب فشل شراكته مع أحد إخوته وأحد الكيميائيين في إنتاج المطهرات، فاكتسب المهارات الأساسية للعمل، ولم يخْلُ الأمر من عدة أخطاء حتى أتقنَ مقادير وتركيب المنظفات.
الحرب
ما إنْ دارت عجلة الإنتاج في معمل المنظفات حتى بدأت الحرب التي شنها التحالف بقيادة السعودية، فيما كان شريك فهد في سفرٍ لمدة أسبوع في ماليزيا، لكنه علِقَ هناك لأكثر من 6 أشهر.
تدهورت الأوضاع وتوقفت الحركة في العاصمة صنعاء نتيجة القصف المتواصل الذي تعرضت له من طيران وبارجات التحالف، ما أدى إلى توقف الكثير من الأعمال التجارية وإغلاق العديد من الشركات ودخول البلاد في أزمة اقتصادية خانقة، فتوقف فهد عن العمل.
عاش فهد لقرابة العام ظروفًا معيشية صعبًا، وتراكمت عليه إيجارات السكن، كما هو حال غالبية اليمنيين خلال الحرب، وما إنْ عادت الحياة تدُب في صنعاء حتى دخل فهد في شراكة جديدة لإنتاج المنظفات.
لكن، ونظرًا لتردي الحالة المعيشية للمواطنين جراء انهيار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية والارتفاع الجنوني للأسعار، لم يلقَ سوق المنظفات رواجًا؛ إذ أصبح الغالبية يسعى لتأمين لقمة العيش؛ ما أدى إلى انتهاء الشراكة بعد قرابة العام.
مشروعه الخاص
كان فهد يدركُ أنّ العمل في هذا المجال سيُحققُ له أحلامه؛ لذا لم يستسلم فقام باستئجار أحد المحلات ونقل إليه ما تبقى له من مواد ومعدات في سبيل التأسيس لمشروعه الخاص، وما إنْ مرت أشهرٌ قليلة، وإذا بشريكه السابق الذي علقَ في ماليزيا يتواصلُ معه، وقد عاد إلى عدن ليبلغه بأنْ يذهبَ لأخذ ما تبقى من مواد في معمله الذي تعرضَ للسرقة.
يضيف: «بعد ذلك طلب شريكي السابق أنْ أرسل له منظفات إلى عدن، وقام بتحويل مبلغ 420 ألف ريال (الدولار الأميركي حاليًّا يساوي 600 ريال شمال البلاد، و800 ريال جنوب البلاد) من باب تقديم الدعم لي، ومساعدتي لتركيب وإنتاج الكمية المطلوبة».
لاقت تلك المنظفات قبولاً في مدينة عدن/ جنوب البلاد؛ فزاد الطلب عليها، وبدأ فهد بالتوسُّع تدريجيًّا في مشروعه، وانتقل إلى محلٍّ أكبر، وبدأ بإنتاج مختلف المنظفات ومعطرات الملابس والمفروشات.
ومع انتشار جائحة فيروس كوفيد -19 انهالت الطلبات على فهد، وزاد عدد العملاء حتى لم يعد يقدر على تلبية طلباتهم… «زادت الطلبات مع ظهور فيروس كورونا، ولم أستطع تغطية كافة الطلبات، لكني كنت أعطي الأولوية لزبائني»، يقول.
لم يكتفِ فهد، الذي أصبحَ يملكُ ثلاث سيارات، بما حققه؛ حيث بدأ، مؤخرًا، بإنتاج شامبو وبلسم الشعر ولوشن الجسم وصابون غسيل الملابس كخطوة أولى لامتلاك مصنعٍ لإنتاج الصابون والمنظفات، ويطمحُ إلى فتْح مصنع آخر لإنتاج الأدوية.
تعليقات