عبدالله الصعفاني*
في ليلة رأس السنة 2023 كتبت مقال ابتهاج، رغم أنه ليس من بابا نويل بلحيته الثلجية، فقط تحت تأثير اشتعال وسائل التواصل الاجتماعي بالتهاني والأماني والأغاني.
أخذتني «تشعيبة» حلول عام جديد، فتناولت المناسبة بطريقة من تفاجأ بمايكرفون مذيع، وقال بعد أن تنحنح:
في الحقيقة والواقع البحر مليان قواقع، ثم صاح وهو يركب أول باص:
كُب إلى شعوب يا سواق.
* وأما بعد.. فقد رميت بالمقال تحت ضغط حالة اعتبروها انفعالية متشائمة في عيد رأس العام.
قلتُ لنفسي وأنا أقذف بأفكاري في سلة المهملات:
أيّ سنة جديدة وأيّ بطيخ.. أيّ شجرة وأيّ شموع وتهانٍ وأغانٍ، وأيّ ضحك على النفس واليمن الكبير يرزح تحت مؤامرة خارجية واحتراب داخلي، ولا شيء في الأفق غير طقس متقلب كالمزاج.
* ولا أكتمكم أنني أخرجت المقال من السلة بحجة صلاحيته للنشر كونه يحتفل بسنة جديدة، ولكن الله يسامح التاريخ وهو يقول لي: مالك.. تماسك.. واكتب ما تيسر من الأوجاع.. لا تكن مثل جدك العربي أبو حية النميري.
قلت: وما له جدي النميري.. أيش فعل من مصيبة..؟
* تقول الحكاية إن أبو حية هذا لم يكن شجاعًا، وإلى جانب أنه جبان كان كذابًا، واشتهر بسيفه الخشبي، وكان إذا قاتلت قبيلته أخذ سيفه الخشبي وجلس آخر الناس، فإذا انتصروا هاوش معهم، وإذا انهزموا أطلق سيقانه للريح وهرب هروب الذاريات.
المستفز أنه كان يسمي سيفه مُلاعب الأسنّة والمنيّة، بل إنه كان يخاطب سيفه قائلاً: كم من نفس أهدرتها، ومن دم أسلته..!
* والمهم أن مقال رأس السنة دخل هذه المرة برميل القمامة، وربما أكلته الأغنام البلدي آكلة القراطيس.. وهذا يعني أنني اقتنعت بصحة القول بأن الكلام نوعان: كلام فارغ وكلام مليان، واحتفالنا بالسنة الجديدة كلام فارغ، وكاتب السطور أحد المحتفلين المرتعشين..!
* ولكل ما سبق.. لا مفر من الدعوة لاستغلال دخول العام الجديد، ليس بمنشورات وتغريدات «أهدي سلامي وتحياتي»، وإنما بدعوات أهل الحل والهدم أنفسهم للاعتراف بأن أحوالنا في اليمن تدعو لصحوة بقايا الضمائر.
* فرقاء السياسة على امتداد اليمن بجهاته الأصلية والفرعية، وفي الشتات..
فضلاً.. سارعوا لإعادة بناء البيت اليمني، وأوقفوا مسارات التهلكة.. سارعوا لتجديد الانتماء إلى اليمن، وانشدوا الرحمة والمغفرة عمّا أحدثتموه من هدم لبنيان الرب.
وكبداية.. اسمحوا للمواطنين بالحركة في كل المحافظات، فهم يتحركون للضرورة، ولكن عبر طرق رأس الرجاء الصالح التي تستبدل الساعة بيوم.
* تحاوروا فأنتم إخوة وشركاء في كل شيء.. تنازلوا لبعض، واقبلوا بأن تكونوا جميعًا تحت سقف الدستور والقانون.
* اتجهوا للسلام.. أوقفوا الحرب.. طالبوا من هدَم وقتل بجبر الضرر، فالأرواح غالية، وما تهدم من إنجازات مائة عام، حسب تقديرات الراحل محمد حسنين هيكل، يجب إعادة بنائه.
* الموظفون يصرخون تحت بيادات الفقر والجوع، يشكون تعثُّر مرتبات سنين طويلة في مناطق، والشاطر فيهم من وقَّع استمارة نازح ودخل في قوائم جغرافية مناطقية، لكن جميع اليمنيين يشكون أن المعاش في قيمته هو في الحقيقة أقل من نص معاش وأضعف من خلق إحساس الموظف بأيّ انتعاش.
* أسدلوا الستار على مسرح التوحش، واجمعوا بين الاتفاق على آلية صرف المرتبات وبين ضبط أسواق لا قيمة فيها للريال، ولا قيمة حتى للدرهم والجنيه والدولار لمن كان له مغترب أو مهاجر برزق وقلب، والسلع مفخخة بمكبلات نار يا مستهلك نار.
* توقفوا بمسؤولية أمام مقومات الشعور بالحياة، أوقفوا الحروب واصرفوا المرتبات، واسعوا لتأمين تعليم حقيقي لا ينتج الجهل، ومستشفيات لا يتم فيها حبس الجثث لحين سداد الملايين… والأحياء يشكون تردي الخدمات والفواتير التي تقصم الظهر.
* والخلاصة.. لقد طفح الكيل، وليس من حل غير التوقيف الفوري للرهانات الخاسرة، والمسارعة لحوار يعبر بالبلاد إلى المنطقة الآمنة.
* كاتب يمني
تعليقات