بلقيس محمد علوان*
العشرون من نوفمبر أُعلن يومًا عالميًّا للطفل باعتباره مناسبة عالمية يُحتفل بها كل عام لتعزيز الترابط الدولي، وتعزيز الوعي بين أطفال العالم، وتحسين رفاههم، ويُحتفى باليوم العالمي للطفل بوصفه الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل عام 1959، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1989 من قِبل 192 دولة، صادقت عليها جميع الدول ما عدا الولايات المتحدة التي وقّعت عليها دون تصديق، وفي هذا اليوم سيشهد العالم أنشطة وحملات عبر كل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وسيتناولون قضايا الحاضر والمستقبل، وسيُسمِع الأطفال العالمَ صوتهم في هذا اليوم، ومعهم كل المعنيين بقضايا الأطفال، فمن قضايا تغير المناخ، والتعليم والصحة العقلية، وإنهاء العنصرية والتمييز، إلى حماية البيئة، وتحقيق الرفاهية للأطفال، إلى غيرها من القضايا، سيرفع الأطفال واليافعون أصواتهم بشأن القضايا التي تهم جيلهم ويطالبون الكبار بمستقبل أفضل، ولكن أصوات الأطفال في اليمن من سيسمعها؟
تشير تقديرات عام 2018م، إلى أن حوالي 39% من إجمالي عدد السكان في اليمن هم دون سن الخامسة عشرة، وتتجاوز نسبة من هم دون التاسعة عشرة الـ50% من تعداد السكان، ونسبة كبيرة منهم ولدوا في ظل الحرب، والبقية عاشوا سنوات طفولتهم في ظل الحرب، وهم من أكثر الفئات تضررًا من تبعات الحرب؛ فقد فقدوا أمنهم وسلامهم، وكثيرون تحولوا إلى نازحين ومشردين يقيمون في أماكن إيواء لا تتوفر فيها أبسط الشروط للسكن الصحي والآمن.
يتأثر الأطفال بالحرب أكثر من البالغين؛ فحالة الخوف وانعدام الأمان وتدني مستوى المعيشة، يفقد معها الأطفال وضع الرعاية والتعاطف والاهتمام، ويجدون أنفسهم في مرمى الحرب وعصبية الكبار الذين هم بدورهم متأثرون ومشغولون لتوفير أبسط أساسيات المعيشة ومتطلبات الحياة: الفقر والحاجة والعجز وقلة الحيلة التي طالت الغالبية العظمى من السكان جعلت الأطفال بالنسبة لذويهم عبئًا بعد أن كانوا زينة الحياة الدنيا، وإضافة إلى الفقد النفسي، فقد الكثيرون فرص التعليم بسبب الفقر، أو النزوح، أو الوضع الأمني، والطفلات أكثر تأثرًا، وقد يصبحن ضحايا للزواج المبكر، فيما قد يصبح الأولاد ضحايا للتجنيد والمشاركة في العمليات العسكرية، وغالبًا ما يكونون في مقدمة الضحايا، والأطفال ذكورًا وإناثًا معرضون في ظل الحرب للاستغلال والتحرش، وحتى الاغتصاب.
الحديث يطول ويتشعب عن المعاناة النفسية التي تنتج عن تعرض الأطفال لحالات الهلع والرعب أثناء الحرب؛ كونها تجارب قد تترك آثارًا دائمة في اضطراب ما بعد الصدمة، حيث تؤدي الخسائر المادية والمعنوية والاضطرابات الجسيمة في حياتهم إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق لدى الأطفال المتأثرين بالحرب، وقد تطول هذه الآثار بسبب التعرض لمزيد من الحرمان والعنف في حالات النزوح، أما التأثيرات الأخلاقية والروحية على الاطفال فأمر قد لا يلتفت له أحد، لكنها من الخطورة بالقدر الذي يهدد مسار حياتهم في المستقبل وحياة من حولهم؛ فقد يضطرون إلى الكذب والسرقة والتورط في أعمال غير أخلاقية من أجل البقاء، وقد يتم تفكيك هيكلهم الأخلاقي والقيمي بالقوة من خلال التعبئة والتحشيد والتجنيد والانخراط في الحرب كمقاتلين، وفي فترات الصراع التي لا بد أن تنتهي يفرض السؤال نفسه ما هي الاستراتيجيات التي يمكن أن تعالج أو تحُد من هذه التأثيرات على الأطفال؟
تقول “جوانا سانتا باربارا Joanna Santa Barbara”: عادةً ما يُنظر إلى العمل بشأن هذه المجموعة من الظواهر المأساوية ضمن فئتين، كيفية تخفيف بعض الأضرار التي تلحق بالأطفال، وكيفية شفاء الأطفال بعد تعرضهم للتأثر، بمعنى جعل الحرب أقل ضررًا على الأطفال (وقاية ثانوية)، وذلك من خلال تطبيق القانون الدولي الإنساني في ما يتعلق بحماية الأطفال في الحرب، وضمان عدم استخدام العقوبات الاقتصادية العامة ضد بلد ما مرة أخرى، حيث تم استخدامها في العراق كبديل للحرب؛ لأن الأطفال والبالغون الفقراء هم من يعانون أكثر من غيرهم من العقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى إيلاء اعتبار خاص للأطفال النازحين، واتخاذ التدابير للحد من الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في الحرب، مع تيسير وصول المساعدات الإنسانية، وضمان عدم تدمير البنية التحتية الصحية لحياة الأطفال، كما أكدت “جوانا” على ضرورة إدراج مصالح الأطفال في اتفاقيات السلام في ترتيبات ما بعد الحرب، وإعادة تأهيل الأطفال المتضررين جسديًّا ونفسيًّا.
صحيح أن كل هذه التدابير على قدر عالٍ من الأهمية لجعل الحرب أقل ضررًا على الأطفال، ويجب القيام بها، لكن آثارها في أحسن الظروف ليست كافية، وهي لا تتم إلا بنسبة بسيطة، ولكن الأهم منها جميعًا إيقاف الحرب، المتسبب الأكبر في كل هذه المعاناة للأطفال في اليمن، وفي كل الدول التي تعاني من الحروب والنزاعات، فالأطفال في هذه الدول لا يطالبون بالرفاهية، وليسوا معنيين بقضايا المناخ والبيئة والترفيه، هم معنيون بدرجة رئيسية بالأمن والسلام، بالغذاء والدواء، بالتعليم والسلامة النفسية، وفي اليوم العالمي للطفل في هذا العام، بات من المهم أكثر من أيّ وقت مضى أن يستمع العالم لأصوات أطفال اليمن وهم يقولون: من حقنا أن نحيا كأطفال لا ضحايا، اتركوا لنا المستقبل بعد أن دمرتم الحاضر.
* أكاديمية وكاتبة يمنية
تعليقات