وجدي الأهدل*
في عام 1488 نجح المستكشف البرتغالي بارثولوميو دياز في اكتشاف حدبة صخرية تقع في أقصى شواطئ جنوب أفريقيا، ومن شدة فرح ملك البرتغال جون الثاني بهذا الاكتشاف أطلق عليها مسمى (رأس الرجاء الصالح)، لأنها تفتح طريق الملاحة البحرية بين أوروبا وآسيا، وهو ما حدث بالفعل، فتحولت طرق التجارة العالمية لتمر عبر هذا الخط البحري، وانتهت سيطرة العرب على الطرق البرية وتجارة (الترانزيت) التي كانوا يجنون منها ثروات عظيمة.
نجح علماء أمريكيون من مختبر “لورانس ليفرمور” التابع لوزارة الطاقة الأمريكية في تحقيق شيء أقرب للمستحيل، ألا وهو (الاندماج النووي).
هل يعلم العرب أية مصيبة تطرق أبوابهم؟ إن صح الخبر، فهذا يعني أن العالم سيستغني خلال عقدين أو ثلاثة عن النفط والغاز، وسيعود العرب إلى رعي الجمال في صحاريهم.
توقيت (الإعلان) عن أكبر إنجاز علمي في تاريخ البشرية مريب نوعًا ما، إذ يأتي في سياق حرب طاحنة بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلفائها الغربيون من جهة أخرى، وفي ظل تخوف أوروبا من نقص في شحنات الغاز والنفط قد يشل اقتصادها ويؤثر على رفاهية مواطنيها، فالطاقة هي عصب الحياة وبها تقوم الحضارة.
لا شك أن العلماء قد توصلوا حقًا إلى توليد الطاقة عن طريق (الاندماج النووي)، ولكن الشك يحملنا على الاعتقاد أن الاكتشاف الذي توصل إليه العلماء الأمريكان قد حدث منذ سنوات، والمرجح أن شركات النفط الأمريكية العابرة للقارات هي التي حالت دون الإعلان عنه.
على سبيل المثال حالت شركات السيارات الأمريكية الكبرى دون تطوير شبكة القطارات في أمريكا، فرغم عظمة أمريكا وتفوقها في كافة المجالات، إلا أن شبكة القطارات لديها متخلفة، ولم تعد تظهر حتى في أفلام هوليوود الحديثة.. فالأمريكان يستخدمون السيارات والطائرات للتنقل الداخلي، وأما القطارات فلم تعد تستخدم إلا لنقل البضائع ونزر يسير من الركاب.
لكن يبدو أن تخوف أوروبا من فقدان أهم مصادرها للطاقة، جعل الأمريكيين يفرجون أخيرًا عن هذا السر.
التقنية المستخدمة في إنتاج الطاقة الجديدة المستخرجة من (الاندماج النووي) مكلفة، وما تزال بعيدة عن الاستخدام الفوري، ولكن المسألة مسألة وقت، وسيتمكن العلماء من تصدير الطاقة الجديدة من المختبرات إلى كل مكان في العالم، للحصول على طاقة نظيفة خالية من الكربون تمامًا، وبلا أضرار تقريبًا، فلا مخلفات إشعاعية أو مخاطر كوارث نووية، كالتي تحدث في المفاعلات النووية التي تعمل بتقنية الانشطار النووي.
ما يعنينا كعرب أن هذه الطاقة الجديدة البديلة، ستشكل ضربة موجعة لاقتصاديات الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، وهي دول الخليج والعراق وليبيا والجزائر، وهي تشبه الضربة التي تلقتها المنطقة العربية قبل خمسة قرون عندما اكتشف البرتغاليون رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، فأدى ذلك إلى إفلاس الدول العربية وإفقار شعوبها، وهو ما مهد لاحقًا لاحتلالها بسهولة نسبية من جيوش فرنسا وبريطانيا وإيطاليا.
ناقوس الخطر يدق، فهل ينتبه العرب قبل فوات الأوان؟ أم أنهم كعادتهم سيتغافلون حتى يقع الفأس في الرأس ويفقدون المصدر الأساسي للدخل الذي يعيشون منه؟!
تفصلنا مسافة عشرين عامًا قبل أن تشق الطاقة الجديدة طريقها وتصبح أمرًا واقعًا، أي من عام 2045 فصاعدًا، وخلال هذه الزمنية القصيرة جدًّا، يجب على قادة الدول العربية ونخبها السياسية البحث عن بدائل جديدة للدخل القومي، وعدم إضاعة حتى دقيقة واحدة في النوم أو التكاسل، بل السعي فورًا دون إبطاء إلى تغيير جذري في التعليم والثقافة، وإحداث ثورة حقيقية ضخمة في الإنتاج الزراعي والصناعي، واستثمار احتياطاتها المالية المكدسة في البنوك على تأهيل الإنسان وتعليمه وإعداده ليكون فردًا منتجًا لا عالة على الدولة، بحيث إذا بارتْ تجارة النفط، أمكن للإنسان أن يعوض عنه، ويصبح هو الذهب الأسود، وهو المورد الذي لا ينضب، وهو العمود الأساس للاقتصاد.
لقد حان الوقت الآن ودون تسويف لتأهيل الشباب العربي لحقبة مختلفة كليًّا، لزمن بلا نفط ولا ثروة سهلة، وإعدادهم للعمل بسواعدهم والكدح بعقولهم، وبذل الكثير والكثير من العرق لتحريك عجلة الاقتصاد ورفع مستوى الدخل القومي لبلدانهم.
هناك دول بلا موارد طبيعية، ولكنها تعد من أغنى دول العالم، وذلك بفضل كوادرها البشرية الذكية المتعلمة المثقفة، مثل اليابان وسنغافورة وبريطانيا وهولندا وغيرها من الدول التي يعيش مواطنوها في رفاهية وينعمون بحياة سعيدة رغيدة.
يجب على الإنسان العربي أن يتغيَّر، أن يكف نهائيًّا عن الاتكال على الحكومة التي توفر له متطلباته وتعطيه ريعًا من المال العام يعيش منه.
ربما يكون أوان هذا الانقلاب الشامل في تكوين الشخصية العربية قد فات بالنسبة لمن تتجاوز أعمارهم الثلاثين عامًا، ولكن يمكن وضع خط فاصل يبدأ من عام 2023، وأن يتم التخطيط المدروس لتكوين علمي وثقافي رفيع المستوى لمواليد هذا العام وما يليه، بحيث يتم إعدادهم إعدادًا صحيحًا ومناسبًا للمهن والتخصصات المطلوبة في المستقبل.
الانتقال حتمي من حقبة الوقود الأحفوري إلى حقبة الوقود النووي اللا نهائي، والقدر لا يبالي بالضعفاء والمتخاذلين والخانعين الذين يتفرجون ولا يبادرون بصنع التغيير.
بدون هذا الإعداد والاستباق لتوقي المصيبة القادمة، فإن الدول العربية سواءً المنتجة للنفط أو تلك المستفيدة بصورة غير مباشرة من عائدات النفط مثل اليمن ومصر والسودان ودول الشام، ستشهد سقوطًا مدويًّا لاقتصاداتها، وستهوي شعوبها إلى الدرك الأسفل من الفقر والبؤس والجوع، وسيضرب بها المثل في قلة التدبير وسوء المنقلب، كالغني الذي بذَّر ثروته في الأيام البيضاء، ولم يدخر شيئًا لأيامه السوداء.
*روائي وكاتب يمني.
تعليقات