أروى عثمان
قلت لكِ مرارًا.. لا تلتزمي بما يقرره هذا القلب المبحر نحو الجحيم ومنافذ الشيطان، التزمي مكانك ولا تبارحيه.. لكِ قراركِ الوحيد ولا تلتزمي ما يسطره هذا القلب الشغوف بالتعب.
أقطعي دابر الغدو والرواح وامحِ ذاكرة التبريرات المعللة بشحوب الارتكاس وعربدة الأشواق التي لا تعرف في نهاية مطافها إلا النكوص.. لا تتمسكي بتلابيب القشاش على أنه الخفقة التي تزهر من صخور ورعود وبروق ألق منتشئ ودمعة تشهق متفجعة عن كل منام.
أقدامي:
كفّي عن التسمّر، لا تستقبلي خفقات القلب بتلك السرعة البريقية لتصدري إشعاعات لأطرافك وكل أوصال جسدك فتبرد وتصقع وتثلج كلما سمعت همهماته الحانية، أو غرقتِ إبحارًا في عينيه الذاويتين الحزينتين.
الغدو والرواح سيهلكنك قلقًا.. كمدًا، والغصة الطوفان لن تجد إجابة عن السؤال، والسؤال الذي لا ينفك يشرخ تهويمة في يقظة خيال.
لكنك أيتها الأقدام لا تبالي بلوم كان أو تقريع أو برود، بل تزدادين إصراراً على اللهاث، لتحظي بحضن من حريق.
ملكة العبث أنتِ.!
لقد رأيتك أيتها الأقدام تتسللين عبر ليلة قمراء وارتعاشات شجن في ثنايا خفقة مستحية.. تواصلين تسللك بين الأوراق اليابسة والأشواك المنثورة على امتداد طرق الوجع تنهيدات عشق يتمرغ بمحارق عابري الحدود خلسة.. أقدام متسللة تحط على التراب تشهد سير العشق أنه تراب الإفك، وتعزينه بالتحام الأنفاس تتسرب عند محطات لا تعرف تأشيرة التوقف.
أحسستُ، يا أقدامي، أنك تسيرينني على خطوط نعيق «تخزق» استرسالات القمر، وتعثّر وثبات النجوم في ليلة صافية وتهتك علنية القصيدة وهفهفة رائحة « مشاقر» من حنين.
وتلهثين يا أقدامي، تعودين – دومًا – دامية بخفي حنين، وخفوف هزائم المعارك الكبرى، معارك الإسكندر المقدوني، وفتح عمورية.. كربلائيات جديدة، خفوف من أشجار خريفية يابسة مصفرة ترمى عند جذوع أشجارها، وباحات مغموسة بالتكهل وتداعي أحلى سني العمر.
أكرر لك أيتها الأقدام العارية
تستري بكف الشمس
واندسّي في مجاول الريحان
وغمسي أقدام بالحنة والشذاب، وتعويذة الشفق..
فقلبك «مضربة» واقدامك مضربة «المضارب».
تذكرتك يا أمي عندما كنت توخزينني بنعتك الدائم لي بأنني «مضربة» لأني لا أتقن غير لغة الزهور..
أتذكر كلامها، أما آن الآوان لجروحي أن تضع حداً لهذا النهش المجاني، الذي لا يألوا أن يرتل على رأسي ملاحم من صليل السيوف، وأصوات حوافر الخيل والليل والبيداء، والسيف والقراطيس والأقلام.
أما آن الآوان يا أقدامي أن تبدئي بقراءة سورة العصيان عقب كل انتكاسة، خيبات مريرة. تشقري يا أقدامي بحكمة العشاق الخائبين والتائبين:
الأقدام «المضربة».. لا تأتي إلا برأس يتنكس وينتكس، ولا يعرف الرفع حتى إلى مرتبة الحرقدة، يظل منغرساً في حفاة الأقدام، تحت طبقات التراب، تحت جذوع أشجار الخريف.
أيها القلب.. أيتها الأقدام
خبتُما
فتوبا
وعن ظهر قلب
رددا:
إنا لله وإنا إليه لتائبون.
تعليقات