Accessibility links

إعلان
إعلان

من قصص معاناة موظفي الدولة في مواجهة (مأزق الراتب) في اليمن..

صنعاء –”اليمني الأميركي” – أحمد الأغبري:

       عندما انقطع معظم موظفي الدولة في اليمن عن أعمالهم؛ جراء الحرب المستعرة هناك.. بدأ جهاد (40 سنة)، وهو موظف يعول أسرة في صنعاء، يفكر فيما سيكون عليه حاله عند انقطاع صرف الرواتب، فبدأ يبحث في مشروعٍ بديل يُحافظ، من خلاله، على استقرار عائلته، ويتجاوز -بواسطته- (مأزق الراتب).. ليهتدي، في الأخير، لبيع شيء ثمين بحوزته مقابل شراء سيارة تاكسي؛ وهو ما تحقق له عقب توقف صرف الرواتب؛ ليبدأ العمل على سيارته في تجربة جديدة عليه خلال مرحلة قاسية في ظروف عصيبة يمر بها اليمنيون في الداخل.

     ينظر جهاد اليوم إلى ما قطعه من أشواط في تجربته الجديدة، فيبتسم بعد أكثر من عام من توقف صرف الرواتب…فهو يعيش في مدينة، وللمدينة التزاماتها، عكس الحال في الريف…وقد استطاع، من خلال سيارة التاكسي الصغيرة التي يملكها، أن يتجاوز أزمة العوز القاتل.

    صار جهاد معتادًا على الاستيقاظ باكرًا، فيبدأ بتنظيف سيارته خلال تسخين محركها، ومن ثم يقلّ ابنه إلى المدرسة، ليواصل عمله حتى وقت الظهر؛ إذ يكون حينها على موعد مع خروج ابنه من المدرسة؛ ليذهب إليه، ويعودا – معًا – إلى البيت، حيث يتناول الغداء مع عائلته؛ ومن ثم يستأنف عمله في الساعة الثالثة حتى المساء، فيعود بعدها إلى منزله.. وهكذا كل يوم في هذا العمل الذي بالكاد يوفر منه ما يغطي احتياجات عائلته من إيجار الشقة ونفقات مدرسة ابنه ومستلزمات المعيشة واحتياجات سيارته أيضًا..

      جهاد بدا سعيدًا، وهو يتحدث إلينا، عن تجربته في مواجهة الحرب وهزيمة ظروفها والانتصار لعائلته واستقراره نسبيًّا في وضع عام غير مستقر جراء ما تشهده البلد من حرب منذ ثلاث سنوات… مرحلة غير مسبوقة يمنيًّا، وبخاصة لمَن هم مثل جهاد من موظفي الدولة الذين ظلوا يعيشون معتمدين على رواتبهم ودخول وظائفهم.

    مقابل مدخل العمارة حيث شقة سكنه يوقف جهاد سيارته (هونداي اكسنت)؛   خوفًا عليها من السرقة التي انتشرت في صنعاء، لا سيما، وهو يعرف ماذا صارت تعني له السيارة، ولعائلته المكونة من أبوين وثلاثة أطفال..!!

     لا يعني ذلك أن مشاكل جهاد قد تبخرت كلها، وأن السيارة قد وفّرت له حلولاً لجميع احتياجاته.. إذ يواجه جهاد، في هذا العمل، مشاكل عدة، أبرزها: أنه جديد على هذه المهنة؛ وبالتالي فإن الكثير من الشوارع لا يعرف موقعها، ما يجعله يترك أمر تحديد المسار للراكب، وهنا تتأثر أجرة المشوار؛ لأنها تتحدد بدون علم مسبق.. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الارتفاع المستمر في أسعار الوقود مقابل تراجع دخول الناس قد تسبب بمشكلة كبيرة لسائقي سيارات الأجرة، وبخاصة مَن يعتمدون على التاكسي وحده مصدرًا للدخل.. حيث ارتفعت أجرة التاكسي في ظل تراجع أعداد مُستخدمي سيارة الأجرة؛ جراء تدهور الأوضاع المعيشية العامة في البلاد؛ وهو ما يجعل جهاد يتعثر أحيانًا في توفير قيمة بنزين سيارته.. وفي حال توفيره فإنه – أحيانًا – ينفد خلال السير في الشوارع بحثًا عن مُستخدمين، وأحيانًا لا يجد زبونًا إلا قبيل نفاد البنزين؛ فيعتقد جهاد – مضطرًا – أن ما تبقى في خزان السيارة قد يساعده في الوصول بالزبون لمبتغاه.. وللأسف يواجه جهاد هذه المشكلة كثيرًا، وآخرها كان اليوم الذي التقته صحيفة “اليمني الأميركي”.. يقول: لقد توقفتْ السيارة اليوم وأنا أُقِلّ ركابًا إلى حيث يريدون، وكنت أعتقد أن ما تبقى من البنزين سيفي بالغرض، إلا أن السيارة توقفت قبل الوصول لنهاية المشوار؛ فكان موقفًا مُحرجًا ومؤلمًا؛ ما اضطرني للاعتذار للركاب والنزول من السيارة لإيقاف تاكسي آخر ليقلّهم إلى مقصدهم، ومن ثم العودة لإغلاق سيارتي والذهاب بحثًا عن سُلفة لشراء قيمة بنزين من أجل أن أعود بالسيارة إلى البيت”.

      مثل هذه المواقف أصبحت شائعة ليست عند جهاد فقط، بل عند معظم سائقي التاكسي في مُدن اليمن في ظل الارتفاع المهول في أسعار البنزين، حيث يصل سعر اللتر إلى ما يقارب خمسمئة ريال وأكثر (1-2 دولار)، وأحيانًا يصل سعر الصفيحة (20 لترًا) إلى عشرين ألفًا (50 دولارًا)، في ظل تدني مستوى المعيشة لدى الناس، ما يجعل من تموين سيارة الأجرة مهمة تثقل كاهل السائق في ظل عدم حصول تغيير كبير في أسعار الأجرة جراء تدهور أحوال الناس، في ظل حياة شبه متوقفة، وهو ما يصبح معه المواءمة بين نفقات التاكسي ونفقات عائلة السائق مهمة شاقة يضطر معها السائق إلى أن يخرج من يومه بالكاد بما يغطي النفقات الضرورية لعائلته، وأحيانًا يصحو في اليوم التالي ليستدين قيمة البنزين؛ وهو ما يؤكده جهاد موضحًا أنه يعايش يوميًّا، خلال عمله، حكايات مؤلمة تعكس معاناة الناس من خلال مَنْ يقلهم، وهي حكايات تعكس ما وصل إليه حال الناس في هذا البلد المكلوم والنازف..

    ومن هذه الحكايات التي يرويها جهاد.. حكاية سيدتين أوقفن سيارته في شارع هائل/ غرب المدينة، وطلبن منه مشوارًا إلى حي عصر؛ فطلب منهما خمسمئة ريال، لكن السيدتين أصرّتا على 350 ريالًا، حتى بعدما خفض جهاد الأجرة إلى 400 ريال؛ إذ بقين على إصرارهن بدفع 350 ريالاً فقط؛ فاضطر للموافقة؛ فصعدن إلى سيارته، وخلال السير.. يقول جهاد: سألتهن مستغربًا: كيف ترفضن دفع خمسين ريالاً وانتن خارجات من سوق كبير، حيث اشتريتن ما هو كثير؛ فردت إحداهن: والله ما أتينا لنشتري وإنما جئنا لنبيع؛ لأن ظروفنا المعيشية صعبة”.. يضيف جهاد: حينها تألمت كثيرا من الواقع المعيشي الذي أوصلتنا إليه الحرب”.

    يعيش جهاد كل يوم حكايات الناس؛ فسائق التاكسي معتاد على معاشرة شخوص من بيئات وأعمار مختلفة ممن يستخدمون سيارته.. مع نهاية كل يوم يعود جهاد إلى منزله ورأسه محشوًّا بقصص وحكايات مَنْ يستخدمون سيارته.. وفي هذه الحكايات يمكن قراءة ما صار إليه الوضع في البلاد من خلال سائق تاكسي يُقلّ يوميًّا الكثير من حكايات شعب يحمل على كاهله تداعيات حرب ظالمة، على مرأى ومسمع من العالم.

   
 
إعلان

تعليقات