جراء ظروف الحرب وانقطاع الرواتب.. معلم يمني يستقر به الحال مهندسًا لإصلاح الغسالات المنزلية
تختزل قصة معاذ معاناة كثير من المعلمين في اليمن ممن أجبرتهم ظروف الحرب وانقطاع الرواتب للجوء لمهن قاسية.
تنقّل معاذ بين مهن كثيرة، منها حمل الإسمنت والعمل في محطات مياه، وأصيب بعدد من الأمراض جراء هذه الأعمال.
حوّل منزله إلى ورشة لإصلاح الغسالات لأنه عاجز عن توفير إيجار محل.
صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد الصباحي:
لم يكن أمام معاذ القباطي (49 سنة)، الذي أمضى نحو 27 سنة في مجال التدريس، إلا أن يلجأ لمهنة أخرى تعينه في توفير احتياجات عائلته (زوجة وثلاثة أولاد) بعد انقطاع صرف الرواتب جراء تداعيات الحرب المستعرة في اليمن، فعمل بمهن عديدة في صنعاء، منها حمل الإسمنت ومهن أخرى قبل أن يهتدي لتطوير هواية سابقة واكتساب مهارات إصلاح الغسالات المنزلية، فأصبح المعلم اليوم مهندسًا يدير ورشة صغيرة في منزله المستأجَر بصنعاء بجانب عمله في مدرسة أهلية، ليسطر بذلك قصة كفاح مضيئة.
«أتت رياح الحرب لتعصف بحياتنا المستقرة وتبدد الكثير من أحلامي في مواصلة دراساتي العُليا.. لنجد العملية التعليمية في اليمن هي الخاسر الأكبر، فاضطررت عقب توقف صرف الرواتب للعمل في مهن أخرى»، يقول الموجه التربوي، معاذ القباطي، وهو يسرد قصته معلمًا لأكثر من عقدين منذ تخرجه في معهد المعلمين العالي بصنعاء.
ويضيف: «لقد تسببت الحرب بانقطاع رواتب المعلمين وحرمان الكثير منهم من ممارسة التدريس الحكومي، خاصة بعد تدمير عدد من المدارس التي كانت قريبة من بعض الأماكن المستهدفة، وبالتالي ساءت أحوالنا المعيشية كثيرًا».
ترتب على انقطاع رواتب المعلمين في اليمن وضعًا معيشيًّا صعبًا أجبر الكثير منهم إلى اللجوء لمهن أخرى، فيما أصيب بعضهم باليأس والإحباط؛ فنال منهم المرض، ووصل الحال ببعضهم إلى الطرد من منازلهم لعجزهم عن دفع الإيجارات المتراكمة فتشردت أسر البعض منهم، فيما صار بعضهم إلى العمل في بيع الخضار والفواكه أو القات أو العمل في سيارة أجرة، أو غيرها من المهن.
بدأت رحلة معاذ مع التدريس منذ تخرجه في بداية تسعينيات القرن الماضي، فتنقل مدرسًا في عديد من المدارس الحكومية بصنعاء وضواحيها، ليتم ترشيحه تقديرًا لتُميزه لمنصب موجه تربوي فني على مناهج وطلاب المراحل التأسيسية من الصف الرابع حتى التاسع.
«الوصول إلى وظيفة الموجّه تحتاج للكثير من العمل والتفاني بعد أن حزتُ على ثقة الموجهين والمشرفين خلال التقييم»، يقول.
قبل الحرب كانت ظروف معاذ ميسورة نسبيًّا، فقد كان يتقاضى راتبًا يتجاوز 60 ألف ريال، وحافزًا يصل إلى 40 ألف ريال، وكان يصل مجمل دخله حينها إلى ما يوازي 500 دولار أميركي، بسعر الصرف يومها، حتى كانت الحرب.
لم يتوقع معاذ مثل جميع اليمنيين أنه سيأتي يوم ينقطع فيه صرف الرواتب جراء حرب تعصف بالبلد كله، وهنا عاش معاذ وضعًا اقتصاديًّا حرجًا، فتراكمت عليه الإيجارات لمدة ثلاث سنوات، وتأثرت حياته المعيشية.. إذ لم يعد يستلم من راتبه سوى نصف راتب كل ستة أشهر، وعلى الرغم من ذلك لم ييأس، فبدأ رحلته في البحث عن عمل بجانب عمله في مدرسة أهلية، لم يوفر راتبه فيها الحدود الدنيا من احتياجات عائلته.
اضطرته تلك الظروف للعمل في عدد من المهن، منها العمل في مجال الجبس والديكور وحمل الإسمنت وغيرها من أعمال البناء، وفي إحدى المرات سقط من مكان مرتفع وهو يحمل الإسمنت، في حادثة سببت له مشكلة في ساقه، ما زالت ملازمة له حتى اليوم.
يقول: «من تلك الأعمال، أيضًا، عملت في إحدى محطات تعبئة الماء؛ ما تسبب بإصابتي بروماتيزم العظام».
كان لدى معاذ هواية في إصلاح الأدوات الكهربائية، وتحديدًا الغسالات، فأجبرته ظروف العمل في مجالات شاقة لاحتراف العمل في هوايته (إصلاح الغسالات) كمهنة اكتسب مهاراتها من خلال التعلم الذاتي حتى صار يفهم الكثير من تفصيلاتها، وهي مهنة كما يقول: «تحتاج للكثير من الصبر، حتى أعرف الخلل، ومن ثم أعمل على إصلاحه بما في ذلك تغيير القطع التالفة»، «هذه المهنة أسلم لي صحيًّا من المهن الأخرى التي سببت لي أمراضا… كما أن تجربتي في إصلاح الغسالات تحتاج للتطوير والدراسة وأخذ دورات، لكن وضعي المادي حاليًّا لا يسمح بذلك».
ما زال معاذ في بداية العمل في هذه المهنة، ولذلك ليس لديه – حاليًّا – دخل مالي كافٍ لتطوير تجربته في هذه المهنة، كتوفير قطع وأجهزة أصلية تخدم مهنته، وتضمن له انتشارًا واسعًا، والأهم من ذلك عدم وجود محل يستطيع أن يعمل فيه كورشة بعيدًا عن مضايقة صاحب البيت (المؤجر).
«اضطررتُ إلى العمل في منزلي رغم مضايقة صاحب البيت لي، لكن الوضع الحالي لا يسمح لي بأن أستأجر محلاً، فهو يحتاج إلى (30) ألف ريال كإيجار (55 دولارًا تقريبًا، حسب الصرف في صنعاء)».
يتابع معاذ كل جديد في مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها من تطبيقات حديثة وبرامج تخدم مهنته، بما يسهم في تطوير عمله في إصلاح الغسالات والأدوات الكهربائية.
وقال: «نصيحتي للجميع في بلد مثل اليمن، هو عدم الاستسلام لليأس والإحباط، والانتصار للحياة من خلال اللجوء لمهن توفر لك دخلاً يحمي عائلتك من العوز… لا سيما خلال الحرب».
تعليقات