Accessibility links

إعلان
إعلان

وجدي الأهدل*

يقول الروائي الصربي زوران جيفكوفيتش:

“كأستاذ للكتابة الإبداعية، فأنا أقول لطلابي الحقيقة في بداية المادة، أنا لا أستطيع تعليمهم الكتابة، لأنه لا توجد طريقة، وإن كانت هناك طريقة لكيفية كتابة النثر القصصي الجيد، لكانت الحواسيب قادرة على الكتابة! ما أستطيع تدريسه هو ما يجب ألا يفعلوه إن أرادوا أن يكونوا كتابًا جيدين، وغالبًا ما يكون ذلك كافيًا في البداية”.   

حتى الآن لا وجود لفصول الكتابة الإبداعية في الجامعات العربية، وربما وجه الاعتراض هو أن الكتابة الإبداعية موهبة تُخلق مع الإنسان نفسه ولا يمكن تعليمها. وجه الاعتراض الآخر القول بأن الخريج من هكذا قسم لن يجد عملًا، كما أنه لن يتمكن من كسب قوته من خلال الكتابة وحدها.. إلخ.

ورأيي أنه لا يمكن أن يستمر الإنتاج الدرامي التلفزيوني والإذاعي والمسرحي في العالم العربي على الحال التي هو عليها حاليًّا، وأن الحاجة تدعو إلى توظيف متخصصين في الكتابة الإبداعية، مهمتهم قراءة وتصويب سيناريوات المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، وإعداد النصوص المسرحية للعرض المسرحي، وتحرير الكتب قبل صدورها.

قبل أعوام التقيتُ بأستاذ جامعي أمريكي من أصول عربية يُدرّس الكتابة الإبداعية في جامعة ميشيغان. وحسبتُ في البداية أنه يدرس مادة الكتابة الإبداعية ضمن منهج الأدب الإنجليزي مثلًا، ولكنه أوضح لي أن “الكتابة الإبداعية” هي قسم مستقل بذاته، ومدة الدراسة ثلاث سنوات، ويمنح المتخرج شهادة البكالوريوس.

سألته عن عدد المتقدمين إلى قسم (الكتابة الإبداعية) فذكر أن عدد المتقدمين سنويًّا لا يقل عن السبعمائة، ويقبل منهم عدد بسيط يتراوح ما بين 10-12 طالبًا.

السؤال المعتاد في هذه الحالة هو ما إذا كان أحد طلابه قد شق طريقه وصار اسمًا لامعًا في سماء الأدب الأمريكي.. ذكر لي بعض الأسماء، وعقّب أن معظم طلابه يشغلون الآن مواقع وظيفية في دور النشر، وفي شركات الإنتاج السينمائي في هوليوود، وفي المسارح الكبيرة التي تُشغّل دراماتورجيين.

وهكذا نفهم أنه ليس بالضرورة أن تصنع فصول الكتابة الإبداعية من طلابها أدباء بارزين، أو أن تحقنهم بالموهبة ليجترحوا أعمالًا أدبية خالدة، وإنما المقصود هو تزويد الطالب بزاد علمي يمكنه من العمل في تخصصات ذات صلة وثيقة بالكتابة الإبداعية.

التطور السريع والمتلاحق في الحقل الثقافي، يتطلب الاستعانة بخبراء في “الكتابة الإبداعية” يمتلكون الحد الأدنى من الاحترافية، ويعملون على تحسين نوعية الإنتاج الدرامي والتأليف الأدبي.ؤ

تمنح جامعة كاليفورنيا سانتا باربارا شهادة بكالوريوس في الكتابة والأدب، ونجد في موقع الجامعة هذه المقدمة للتعريف بكلية الدراسات الإبداعية:

“يتمتع طلاب الكتابة والأدب بشغف حقيقي للقراءة والكتابة. يكمل الطلاب دورات دراسية صارمة في الكتابة الإبداعية، والدراسة الأدبية، ودراسات الكتابة، مع حرية كبيرة في تصميم مقرر دراسي خاص بهم. يعمل الطلاب عن كثب تحت إشراف معلم هيئة التدريس لإنشاء هيئة قابلة للنشر من الأعمال الإبداعية والعلمية لمحفظة أعمالهم العليا. من خلال دمج مجالات الاستكشاف الثلاثة هذه، سيتلقى الطلاب تعليمًا جيدًا في الكتابة. سيساعد العمل في الكتابة الإبداعية الطلاب على تطوير صوتهم واكتساب المهارات والمعرفة اللازمة للنجاح في بيئة النشر اليوم. ستساعد القراءة والنقد اللذان يتم إجراؤهما من خلال الدراسة الأدبية الطلاب على فهم الأدب وتحليله بشكل أفضل. تدعو الخبرة في دراسات الكتابة الطلاب إلى التفكير في تكوين وتداول وغرض الكتابة في السياقات المهنية والأكاديمية والمدنية والرقمية. سيعمل هذا النهج متعدد التخصصات للكتابة على إعداد الطلاب لحياة كتابة مرضية ومجموعة متنوعة من الوظائف، بما في ذلك الكتابة المهنية أو النشر أو التسويق أو الدراسة على مستوى الدراسات العليا”.

في أمريكا هناك العشرات من كليات الكتابة الإبداعية، وفي بريطانيا نجد جامعات عريقة تمنح درجة البكالوريوس في الكتابة الإبداعية منها:

جامعة غرينتش، جامعة بيدفوردشير، جامعة ايدج هيل، جامعة دي مونتفورت.

وعلى سبيل المثال لدى جامعة كانتربري كرايست تشيرش برنامجين، الأول برنامج الكتابة الإبداعية والمهنية، والثاني برنامج الفنون المسرحية.       

في كل عام يتخرج الآلاف من الشابات والشبان العرب من أقسام اللغة العربية في مشرق الوطن العربي ومغربه، ثم نجد أن إمكانياتهم محدودة، ومعظم تحصيلهم العلمي منصب على هراء لم يعد له علاقة بعصرنا، مثل المعارك الطاحنة بين النحويين البصريين والنحويين الكوفيين. تاليًا نجد أن فائدة هؤلاء في حقول الدراما والأدب عديمة الجدوى، وأن مخرجاتهم التعليمية لا تتناسب مع الواقع.

تعجز أقسام اللغة العربية عن رفد الحقل الثقافي بعقول ذات صلة بـ”الكتابة الإبداعية”، ولعل المناهج المعتمدة تعطل أصلًا ملكة الإبداع والخيال، وتفقد الطلاب المرونة الفكرية التي لا غنى عنها للإنسان المشتغل بالإنتاج الإبداعي.

افتتاح أقسام للكتابة الإبداعية أصبح ضرورة في كليات الآداب، ومن لوازم تطوير التعليم الجامعي الالتفات إلى تطوير مهارات جديدة تناسب الواقع الجديد. 

تحتاج مؤسسات الإنتاج الدرامي ودور النشر إلى توظيف مستشارين في حقل الكتابة الإبداعية، وغالبًا سيكون الطلب عاليًا على خريجي أقسام “الكتابة الإبداعية”.

المجتمعات المتفوقة تكنولوجيًّا هي أيضًا متفوقة إبداعيًّا، والترابط بين العلم والإبداع كالترابط بين البدن والروح.. ومن اتحادهما ينمو المجتمع ويتطور.

*روائي وكاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات