Accessibility links

بفعل الحرب.. يمني يتركُ التمريض للعمل في الخياطة النسائية


إعلان
إعلان

فيصل البريهي.. يروي حكايته بين شهادة التمريض العالي والعمل خياطًا

صنعاء- “اليمني الأميركي” – محمد العلفي

لم يخطر على بال أخصائي التمريض اليمني فيصل البريهي أنه سيتركُ مهنة التمريض ويشتغلُ بخياطة الملابس النسائية نتيجة الظروف التي فرضتها عليه الحرب المستعِرة في بلاده، والتي تدخلُ عامها السابع.

يقول البريهي، الحاصل على بكالوريوس تمريض عالِ من كلية الطب بجامعة صنعاء لـ “اليمني الأميركي”: «لم أتخيل في يومٍ من الأيام أنني سأتركُ مهنة الطب التي ثابرتُ من أجل بلوغها بكلّ جِدّ واجتهاد يحدوني الأمل للحظة تخرّجي وارتدائي البالطو الأبيض».

ظروف الحرب وما خلفته من انهيار للعملة الوطنية أمام الدولار وغلاء المعيشة في ظل تدنّي الأجور.. كل ذلك دفعَ البريهي للبحث عن مهنة أخرى تُوفِّر له دخلًا يؤمّنُ معيشة كريمة لأسرته.

بعد أنْ خسرَ عمله في مستشفى حكومي ناله قصف التحالف… تنقّل فيصل بين عدة أعمال حرة إلى أن استقر به المقام في مهنة الخياطة، والتي أصبحَ فيها اليوم يحظى بصِيت، الأمر الذي دفعه لتدريب زوجته كي تساعده في تلبية طلبات العملاء التي أصبحتْ تنهالُ عليه لدرجة يضطر إلى رفض كثيرٍ من الطلبات الجديدة.

 

الفرحة الكبرى

يتذكرُ فيصل البريهي، وكأنّ غصة تخنقه، تلك السعادة التي غمرته لحظة تسلُّمه شهادة تخرجه من كلية الطب في العام 2009.

«لم تسعني الدنيا من الفرح الذي شعرتُ به لحظة تسلُّمي شهادة تخرجي، عندها نسيت كلّ العناء والتعب الذي قاسيته أيام دراستي؛ وكأني امتلكتُ الدنيا».

وأضاف: «كانت قناعتي بأني أنهيتُ مرحلة الزراعة، مصداقًا للحكمة القائلة من زرع حصد، وبدأتُ مرحلة حصد الثمار؛ فمجال تخصصي مطلوب، وفُرص العمل كثيرة؛ خاصة مع انتشار المستشفيات الخاصة».

خيبة أمل          

عقب تخرجه استمر البريهي قرابة العام يبحثُ عن فرصة عمل في مجال تخصصه، ومرتْ عليه فترات أحسَّ فيها بالإحباط: «كانت الفكرة لديّ بأنّ فرص العمل في مجال التمريض مطلوبة، إلا أنني لم أوفَّق بالحصول على عملٍ ملائم».

 

– البريهي “ظروف الحرب تُفقدُ الشخص حتى أحلامه”.
– مرتْ تجربة البريهي بعددٍ من المحطات تنقَّلَ فيها بين عددٍ من المستشفيات.

– كان المرتب الشهري الذي يتقاضاه أقلّ بكثير من تغطية احتياجات عائلته.

 

فرصة عمل

بعد عامٍ من البحث حصلَ البريهي على فرصة عمل في أحد المستشفيات الخاصة بصنعاء.. يقولُ: «حصلتُ على فرصة عمل بمستشفى خاص، واستمريت بالعمل فيه نحو عام ونصف، ومن ثمَّ استقلتُ وتركتُ العمل».

وعزا ذلك إلى عدم منحه مرتبًا شهريًّا مقارنة بما كانت تتقاضاه زميلاته وزملائه من حملة الجنسية الهندية، الذين كانت مرتباتهم بالدولار رغم أفضليته في العمل والمؤهل، إذ كانت مؤهلات بعض الهنود لا تتجاوزُ دبلوم تمريضٍ فترة دراسته لا تتجاوزُ ستة أشهر، حدّ تعبيره.

«المشكلة في التفكير السائد القاضي بأنّ الأجنبي أفضل من اليمني رغم التفاوت في المؤهلات»، وأضاف: «لم أستطع الاستمرار نظرًا لارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، حيث لم يكن راتبي يغطّي نفقاتي؛ فاضطررتُ إلى ترك العمل عندما جاء أحد زملائي وعرضَ عليّ فرصة عمل جديدة في إحدى شركات الأدوية».

 

الوظيفة الحكومية

لكن لم يرُقْ له العمل في مجال تسويق الأدوية، واضطر عام 2013 للبحث عن عملٍ آخر.

«اتفقتُ مع أحد زملائي لفتح عيادة مجارحة بمنطقة السنينة، عندها جاءت لي فرصة عمل كمتعاقدٍ بمستشفى الشرطة القديم، واستمريت مع زميلي في العيادة ودوام المستشفى، إلا أنّ مشروع العيادة فشل؛ نظرًا لوجود العديد من المراكز الطبية بالمنطقة».

خلال ذلك حصلَ البريهي على فرصة عمل أفضل في مستشفى مجمع الدفاع (العرضي) الحكومي الواقع في منطقة باب اليمن بالعاصمة صنعاء.

«التحقتُ بالعمل في مستشفى العرضي، وعلى الرغم من أنني كنتُ ما أزال في طور المتعاقد، إلا أنه انتابني إحساس بالأمان لعملي فيه».

مرّتْ الأشهر والبريهي يعملُ في مستشفى العرضي بجد ونشاط، راضٍ عن عمله حتى تاريخ 04‏/09/2015، وهو اليوم الذي استَهدفَ فيه طيران التحالف بقيادة السعودية مجمع الدفاع بعدة صواريخ أدتْ إلى تدمير المكان وخروج المستشفى عن الخدمة، وبالتالي فقدانه عمله مثل بقية زملائه الذين فقدوا أعمالهم بسبب ذلك.

فيصل يعمل على ماكينة الخياطة وعلى جدار الغرفة تظهر شهاداته في مجال التمريض

 

مرحلة اللا وعي

يشير البريهي إلى المعاناة التي عاشها كما هو حال أغلبية الموظفين اليمنيين نتيجة القصف المكثف الذي تعرضتْ له العاصمة صنعاء في تلك الفترة مع بداية الحرب، والتي انعكستْ سلبًا على الحياة المعيشية نتيجة توقف معظم الأعمال بعد مغادرة رأس المال بحثًا عن الأمان، وتعاقب الأزمات، والانهيار الاقتصادي للبلاد.

«توقفتْ مظاهر الحياة، وتراجعتْ الحركة حتى في الشوارع؛ نتيجة حالة الخوف والرعب التي خلّفها أزيز مقاتلات التحالف ودوي الانفجارات العنيفة التي كانت تهز صنعاء ما أدى إلى نزوح العديد من الأسر».

بعد أن اعتاد الناس في صنعاء دويّ الانفجارات بدأتْ الحياة بالعودة تدريجيًّا مع انعدام فرص العمل وانهيار قيمة العملة مع ارتفاع الأسعار؛ الأمر الذي أصبحتْ معه الأجور المتاحة غير قادرة على تلبية متطلبات العيش الكريم لكثيرٍ من الناس.. وهو ما اضطر البريهي للبحث عن عمل في مجالات أخرى تُدرّ عليه دخلاً كافيًا.. وبالفعل عمل في عدة مجالات قبل أنْ يستقر به الحال في الخياطة.

يقول: «كأنها مرحلة من مراحل اللا وعي أو التّيه، فقد دفعتني الظروف للعمل كفنّي ديكور، وأحيانًا فني كهرباء، وغيرها من الأعمال في سبيل توفير لقمة العيش»، «مع ظروف الحرب يفقدُ الشخص حتى أحلامه».

الخياطة

حالة التخبط التي عاشها البريهي أجبرته للذهاب إلى صهره (أخ زوجته)، الذي كان يعملُ بأحد معامل الخياطة التي يملكها خياط يحمل الجنسية الهندية.

نتيجة للحالة التي وصل إليها البريهي عرضَ عليه صهره العمل معه في معمل الخياطة، والذي عمل فيه قرابة العام، حيث عمل بادئ الأمر بدون مقابل في تخريم القماش، ومن ثم تطبيع التطريزات وتشطيب الفساتين مقابل 500 ريال لكلّ فستان.

«اتقنتُ عملي في تطبيع التطريزات، وأُعجبَ الهندي بعملي، وأصبح يتصلُ بي في حال تأخري أو غيابي، ويشجعني؛ فبدأت بخياطة تعديلات الفساتين حتى أمسكتُ المقص وبدأت بتفصيل الفساتين».

تحسنتْ أوضاع البريهي المعيشية بعد تمكنه من تفصيل الفساتين وخياطتها.. «عندما تعلمتُ الخياطة بدأتُ أعمل بنظام القطعة، كما هو حال بقية العاملين في المعمل، القطعة القماش العادي بـ 1500 ريال، فيما المطرز بـ 2500 ريال، كنتُ أخيط في اليوم الواحد 6 ـ 7 قطع عادي، أو قطعتين مطرز».. «استمريت في عملي بمعمل الخياطة حتى قررَ صاحب المعمل الهندي بيع المعمل ومغادرة البلاد»، يضيف.

 

– خلال استقراره بالعمل في مستشفى العرضي بصنعاء استهدفت مقاتلات التحالف المستشفى ففقدَ مع كثيرٍ من زملائه أعمالهم بخروج المستشفى عن الخدمة.

– لم يكن أمام البريهي من خيارٍ سوى العمل بأعمالٍ حرة تساعده على المعيشة حتى استقر خياطًا للملابس النسائية بمردودٍ مالي مجزٍ.

 

العمل الخاص

ما إنْ باع الهندي معمله حتى ذهب البريهي لشراء ماكينة خياطة.. يقول: «باع الهندي المعمل؛ فذهبت لشراء ماكينة خياطة، وبدأت العمل لنفسي، وبعدها استأجرتُ محلًّا بإحدى الأسواق التجارية».

بعد أن استطاع اكتساب سمعة طيبة قام البريهي بنقل ماكينة الخياطة إلى منزله الواقع بالقرب من السوق، مبررًا ذلك: «أتعاملُ مع معظم عملائي عبْر الهاتف؛ فوصلتُ لقناعة بأنّ البيت أفضل؛ كونها خياطة ملابس نسائية، خاصة مع إتقان زوجتي للخياطة، وبذلك أصبح المردود أفضل».

يؤكد البريهي بأنه، وعقب ما حققه من شهرة في مجال الخياطة، وفي ظل المردود المالي الذي يحققه، لم يعد يفكر في العودة للعمل في مهنته (التمريض).

«الراتب الذي أتقاضاه من عملي في مهنة التمريض لن يتجاوز 70 ألف ريال، وهذا المبلغ لا يغطّي احتياجات المعيشة الضرورية لأسرتي».

(الدولار الأميركي يساوي 600 ريال في صنعاء، و800 ريال في عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية الواقعة تحت حكم الحكومة الشرعية المعترف به دوليًّا).

واستدركَ: «هذا لا يعني أني سأتركُ مهنتي للأبد، ولكني أنتظرُ الوقت المناسب عند امتلاكي رأس المال الكافي لأفتحَ مركزًا طبيًّا أو مستشفى».

   
 
إعلان

تعليقات