هامترامك – «اليمني الأميركي – سيمون البرت:
نحو (37) أقلية تُشكل تركيبة مجتمع مدينة هامترامك، وكما تقول إدارة المدينة دومًا، فعلى الجميع أن يستفيد ويتعلم من خبرات الآخر.
صحيفة (اليمني الاميركي)، وعبر مراسلها (سيمون البوت)، زارت أحد مطاعم الجالية البوسنية هنا، كما التقت أحد الناشطين في الجالية في سياق التعرف على واقع هذه الجالية ونشاطها في إحداث التقارب الثقافي.. فتعالوا نتذوق -أولاً- ما تصنعه السيدة (ايكيتش) من طعام بمذاق أوروبا الشرقية، كما سنسمع من (عارف هيسيك) حديثاً عن تجربته في خدمة التقارب الثقافي والديني بين السكان.. ولنبدأ بالطعام لأن المعدة فارغة الآن، وكما تقول السيدة (جمعة إيكيتش) فالتقارب الثقافي يبدأ بالطعام..!
يحتل مطعم (بيت البلقان) مبنى في الحي الواقع في شارع كنيف، ويأخذ شكل أي بيت من بيوت المدينة، وإن هو بنمط أوروبي. يمكنك رؤية الواجهة الجميلة للمطعم مع كراسيه الجذابة من خلال الشرفة.. ولكن بعد المشي قليلًا، وعند الباب الأمامي…حينها ستشعر أنك في ضيافة التاريخ.. تاريخ يجسّده منزل بملامح أوروبية شرقية.
من الوهلة الأولى لدخولك ستشعر أنك ضيف؛ فملامح المكان تحتفظ بذكريات من أوروبا الشرقية، من حيث قَدَمت مالكة المطعم (ايكيتش) مع كثير ممن هربوا من البوسنة إلى أوروبا الوسطى قبل استقرارهم هنا هربًا من نير الحرب.
يتبدى لك في كل شيء هنا ذكريات من البوسنة…وهي ذكريات أثرت على شكل المطعم ومذاق طعامه اللذين يميزان مطعم (Balkan House).. منذ افتتاحه حقق هذا المطعم نجاحًا جيدًا بين مطاعم تزدحم بها هامترامك…ويُمثل إضافة أخرى لمعالم حضور طعام الثقافة البوسنية في هذه المدينة، التي يمكن القول إنها تُمثل العالم بكل أطيافه، فكل هذا التنوع يحضر في ميلين مربعين هي مساحة المدينة.
الأكل بداية التقارب الثقافي
يقدّم مطعم (بيت البلقان) وجبات بوسنية لذيذة تعدها المالكة مع طاقمها وكلهن نساء، وكذلك يتم تقديم بعض الوجبات ذات الطابع والمذاق الأميركي والأوروبي ك(الدورني)، وهي أكله المانية عبارة عن سندوتش لحم محشو بالطماطم والخس والبصل وبطريقة مختلفة، كما يتميز المطعم بالكباب المُعدّ بطريقة خاصة، وكذلك بالخبز الذي يُعدّ في المطعم نفسه، بل يمكن القول إن المطعم نجح في خدمة المجتمع المتنوع في المدينة على الرغم من حداثة عهده.
استطاعت (ايكيتش) أن تجعل من المطعم مكانًا للتعرف على بعض من ثقافة المجتمع البوسني. تقول:”نحب أن يعرف المجتمع المتنوع في المدينة هذه الجزء من ثقافتنا، حتى يصبح الزبون يأتي إلينا؛ فالأكل والمعدة فارغة هو أقوى وسيلة لتقارب ثقافات الجميع. التقارب الثقافي يبدأ من الطعام.”
الحرب والهجرة
بداية استقرار مجتمع الأقلية البوسنية هنا لا تختلف عن بقية الأقليات في المدينة، حتى وإن كانت هذه الأقلية صغيرة وحديثة النشأة… حيث تعود بداية وجودها للعام 1992م…ومثل عديد من الأقليات كانت الحرب وراء قدوم عائلاتها إلى هنا.
عندما روعت الحرب في يوغسلافيا السابقة (مجموعة دول نجحت في الانفصال مما أدى انهيار تلك الدولة المسماة يوغسلافيا) دول البلقان الناشئة اضطر المسلمون البوسنيون إلى الفرار جراء الأعمال الوحشية التي ارتكبتها جمهورية الصرب ضدهم…ونتيجة لذلك أصبح المهاجرون البوسنيون جزءًا ومكونًا من الديموغرافيا التي نشأت هنا.
تتذكر مالكة المطعم (ايكيتش) تلك الحرب…: “كان عمري 12 عامًا عندما قدمتُ إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث أجبرونا على الرحيل، بعد أن فقدت أخي، حيث قتل وعمره 12 عامًا”.
تتوزع الجالية البوسنية في عدة مُدن أميركية، وأصبحت جزءًا من المجتمع الاميركي الكبير، وأغلبهم يعيشون في ولاية ميزوري في مدينة (ست لويس)، وكذلك في ولاية شيكاغو، وأيضًا في ولاية نيويورك، وتُعتبر مترو ديترويت، من بينها هامترامك، من أكثر المدن التي يتواجد فيها البوسنيون أيضًا…وبحسب التقديرات الإحصائية الرسمية يتواجد ما يقارب 2000 بوسني في هامترامك وضواحي ديترويت.
النشاط الاجتماعي
لا تخلو أيّة فعالية أو نشاط في المدينة من البوسني (عارف هيسيك)؛ فهو يحرص على التواجد في أغلب الأنشطة والمناسبات… عارف مثل الكثير من البوسنيين الأميركيين قدَم إلى أميركا بسبب الحرب، وهو عضو في المركز الإسلامي البوسني؛ وتعلم اللغة الانكليزية في ثلاثة أشهر…له في أميركا ما يقارب 22 سنة، وهو ناشط فاعل، ويُعد من قيادات جاليته، ويرأس جمعية متخصصة بالتقارب بين الأديان، ويسهم في مساعدة من يحتاجون لخدمات.
(عارف) أيضًا هو عضو في نادي وجمعية البلقان الاجتماعي، ويعمل على تنظيم الفعاليات الخاصة بنظافة المدينة، وكذلك بناء العلاقات مع الشرطة وإدارة المدينة، كما يسهم، أيضًا، في تنظيف العقارات التي لا يسكنها أحد ويسهم في إيجاد حل لها، ومنذ العام 2010 عمل على إنشاء جمعية خاصة بتقارب وحوار الديانات داخل هامترامك.
يقول عارف: “نحتاج للمشاركة والتعاون من أجل مستقبل أفضل لنا ولأولادنا، ولدينا لقاءت مستمرة مع المسؤولين والناشطين”.
“لنا أكثر من عشر سنوات في هذه المهمة، واستطعنا أن نضم في عملنا ما يقارب 20 جمعية وكنيسة للعمل والحوار مع بعض حتى وإنْ كانت في البداية لقاءت وحوارات وفعاليات ليعرف كلّ الآخر في الدين والقضايا المتفق عليها، والتي تجمعنا… لكن لدينا تطلعات مستقبلية في كيفية عمل دورات لخلق قادة جدد، والإسهام في نشر ثقافة التعايش تحت مظلة التنوع وقبول الاختلافات والاستفادة منها”، يوضح عارف.
تعليقات