جيمس زغبي*
توفي عضو الكونجرس السابق «بت مكلوسكي» الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 96 عامًا. وبحسب آراء الجميع، كان «بت» بطلاً – شجاعًا وغير أناني في ساحة المعركة، وشجاعًا وذا مبادئ في المناصب الانتخابية، ومدافعًا عن العدالة والإنصاف، ودائمًا يقول الحقيقة حتى عندما دفع ثمن صراحته. نما وعي «بت» الوطني في عام 1967 بعد وفاة النائب آنذاك، حيث فاز في انتخابات خاصة للكونجرس. وقد جذب السباق الانتباه، لأن الخصم الرئيس لـ«بت» كانت النجمة السينمائية السابقة «شيرلي تيمبل بلاك»، التي أيدها زميلها الممثل رونالد ريجان، وأيضًا لأن هذا العقيد البحري الحاصل على الأوسمة العالية كان منتقدًا صريحًا لحرب فيتنام. فاز «بت» بتلك الانتخابات وسبع مسابقات إعادة انتخاب لاحقة.
وقد أحدث انتصاره، وهو الأول الذي يحققه معارض «جمهوري» للحرب، صدمة في الكونجرس. وفي الكونجرس، واصل «بت» تحدي حزبه والأمة. عرف أهوال القتال وعارض استمرار نيكسون في الحرب التي أودت بحياة الكثير من الأشخاص، ولا يمكن الفوز بها أبدًا. وبعد انتخابات عام 1972، عندما تم الكشف عن أن نيكسون أمر عملاء سريين باقتحام مقر خصمه «الديمقراطي» ثم حاول التستر على هذه الجريمة، وكان «بت» أول «جمهوري» في الكونجرس يدعو نيكسون إلى الاستقالة.
التقيت «بت» لأول مرة منتصف السبعينيات، وفي ذلك اللقاء الأول علّمني درسًا لم أنسه أبداً. بعد أن بدأت حملة حقوق الإنسان الفلسطينية (PHRC)، كنت أبحث عن أعضاء في الكونجرس لدعم حالات الضحايا الفلسطينيين لانتهاكات الحقوق. ولمعرفتي أنه كان مدافعًا شجاعًا، ذهبت لرؤيته، وبدأت على الفور في عرض قضيتي. أثناء حديثي معه، ألقى «بت» مزحة، ولكنني واصلت الحديث. توقف وسألني عن رأيي فيما قاله. أجبت بأن ما كنت أقوله جديٌّ ومستمر. أوقفني مرة أخرى وقال: «سأخبرك بالأمر الخطير. سينزعج المؤيدون في مقاطعتي الذين كانوا أصدقاء لي لسنوات إذا عرفوا أنني كنت أجتمع معك لمناقشة الحقوق الفلسطينية. أنت لا تعرفني بعد وتريدني أن أتخذ موقفًا بشأن أمر من شأنه أن يسيء إليهم.
لماذا لا تفكر في ذلك، وتتمتع بروح الدعابة، وتعود لرؤيتي؟ أصابني الذهول وغادرت. وبعد التفكير في كلماته، لم أتعامل قط مع مسؤول منتخب آخر بالطريقة نفسها. فقد كان بناء العلاقات، والتعرف على الأشخاص الذين تريد التأثير فيهم، والسماح لهم بمعرفتك، هو الأسلوب الذي نجح به والدي في متجر البقالة الخاص به.
فقد أحبه عملاؤه ووثقوا به. وفي السياسة، كنت بحاجة إلى أن أفعل الشيء نفسه. في النهاية عدت لرؤية «بت». فهو لم يؤيد القضية التي كنت أعرضها فحسب، بل أصبح أيضًا مؤيدًا قويًا للحقوق الفلسطينية ولجنة حقوق الإنسان الفلسطينية. بصفته عضوًا في الكونجرس، كان «بت» مدافعًا عن حقوق المرأة والبيئة (هو مؤلف كتاب قانون الأنواع المهددة بالانقراض والمؤسس المشارك ليوم الأرض)، وبالطبع كان مدافعًا عن الحقوق الفلسطينية. وفي عام 1980، ومرة أخرى في عام 1982، سافر إلى بيروت للقاء ياسر عرفات، متحديًا سياسة «عدم التفاوض»، التي تنتهجها الولايات المتحدة مع منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد زيارته دولاً عربية أخرى في تلك الزيارة، أدلى «بت» بالبيان التالي للصحافة: «في كل قلب عربي هناك قناعة راسخة بأن الغزو الإسرائيلي لن يحدث دون قبول، بل وموافقة الولايات المتحدة… نحن ندفع ثمن تلك الكراهية المتزايدة في جزء كبير من العالم».
بعد أن ترك الكونجرس، استمر نشاط «بت» من أجل العدالة. وفي أواخر الثمانينيات، شارك في تأسيس مجموعة لمواءمة سياسة أميركا في الشرق الأوسط مع مصالحها الوطنية. كما قدم الدعم القانوني للناجين من سفينة «يو إس إس ليبرتي»، السفينة البحرية التي استهدفتها القنابل الإسرائيلية، وأغرقتها خلال حرب عام 1967.
في عام 1993، رفع دعوى قضائية نيابة عن النشطاء ضد رابطة مكافحة التشهير، متهمًا إياها بانتهاك الحق الدستوري في كاليفورنيا في الخصوصية من خلال الحصول بشكل غير قانوني على المعلومات الشخصية للناشطين، واستخدامها للتشهير بهم أو إسكاتهم.
قبل أسبوع من وفاته، أتيحت لي الفرصة للتحدث معه. وذكّرته بالدروس التي علمني إياها، وكم كان بطلاً بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن المسؤولين المنتخبين يمكن أن يكونوا مناضلين ذوي مبادئ وغير متحيزين من أجل العدالة. لقد جعلني أبكي عندما أجاب كيف أنه كان أيضًا مصدر إلهام لعمل حياتي.
ربما يكون «بت مكلوسكي» قد رحل، لكن الدروس التي علمها للأميركيين ستبقى حية، ومن أهمها: يمكنك أن تكون صاحب مبادئ وجذابًا، إن العلاقات مهمة في السياسة، تمامًا كما هي في الأعمال التجارية. وإذا حاربت من أجل ما تؤمن به، ففي النهاية، سيكون من المعروف أنك أمضيت حياتك بشكل جيد. كان هذا هو «بت مكلوسكي».
* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن
تعليقات