جيمس زغبي*
ربما تكون انتخابات 2024 هي الانتخابات الأولى التي قد تؤثر فيها القضايا المتعلقة بالحقوق الفلسطينية على النتيجة المتوقعة. على مدى العقود العديدة الماضية، كانت الانتخابات تدور حول مجموعة من اهتمامات السياسة الداخلية والخارجية، من الحقوق المدنية والإجهاض إلى الحروب في فيتنام والعراق.
وكانت هذه في معظم الحالات قضايا حزبية «إسفينية»، أي قضايا يستخدمها طرف ضد الطرف الآخر. والأمر المهم الذي يجب أن نلاحظه بشأن الاهتمام المتزايد بالحقوق الفلسطينية هو أنها أصبحت قضية يمكن أن تحدث انقسامًا داخل الحزب «الديمقراطي». وسواء كان ذلك متعمدًا أم لا، فقد اتخذ «الديمقراطيون» خيارًا مصيريًا على مدى العقود العديدة الماضية. إذ أنهم تخلوا عن الطبقة العاملة البيضاء لصالح مغازلة ما أصبح يعرف باسم «ناخبي أوباما». كان هؤلاء من الناخبين الشباب، والناخبين الملونين (السود، واللاتينيين، والآسيويين)، والناخبات المتعلمات.
والمشكلة هي أن «الديمقراطيين»، بعد خسارتهم نسبة كبيرة من الناخبين البيض من الطبقة العاملة، لا يستطيعون تحمل خسارة الأغلبية الكبيرة من الناخبين من ائتلاف أوباما الذي يحتاجون إليه للفوز في الانتخابات الوطنية. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة، مثل تلك التي أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» في ديسمبر، أن الناخبين الشباب يشعرون بخيبة أمل عميقة إزاء تعامل بايدن مع الحرب على غزة. إنهم يظهرون تضامنًا أكبر مع الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين، ويبدو أنهم أقل ميلاً لدعمه في انتخابات عام 2024، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم رضاهم.
نظرًا للعنف المميت المستمر في غزة وبداية عام 2024، الذي ستُجرى فيه الانتخابات، شارك «المعهد العربي الأميركي» في الأسبوع الماضي في رعاية قمة حول غزة بالتعاون مع (منظمة غير ربحية) أسسها صديقي القس «جيسي جاكسون» وشركاء آخرون. ومن أجل إلقاء نظرة تفصيلية على كيفية تفكير الناخبين بشأن الحرب، قمنا بإجراء استطلاع خاص على مستوى البلاد للناخبين المحتملين.
لقد تعلمنا أربعة دروس رئيسية: بسبب التعاطف المتزايد مع الفلسطينيين، يريد الناخبون أن تكون السياسة الأميركية أكثر توازنًا وأقل دعمًا لإسرائيل، وبسبب الخسائر التي ألحقتها التفجيرات بحياة الفلسطينيين، يريد الناخبون أن تكون المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل مقيدة ومشروطة، ويريد الناخبون أن يدعم أعضاء الكونجرس وقف إطلاق النار، وهم أقل ميلاً إلى دعم المرشحين الذين يعارضون وقف إطلاق النار، وأخيرًا، في كل الحالات تقريبًا، فإن النسب المئوية للناخبين الشباب والناخبين غير البيض الذين يدعمون سياسة أكثر توازنًا في الشرق الأوسط، وشروط المساعدات المقدمة لإسرائيل، ووقف إطلاق النار، تتجاوز بكثير تلك الخاصة بمجموعات أخرى من الناخبين.
ولأن هاتين المجموعتين مهمتان للغاية بالنسبة لفرص حزبهم في عام 2024، فمن الأفضل لـ«الديمقراطيين» أن يجدوا طرقًا لعكس الاتجاه. وفيما يلي النقاط الموجزة الرئيسية: لقد تحول الرأي العام الأميركي بعيدًا عن إسرائيل مع استمرار حرب غزة. ويقول عدد كبير من الناخبين (42%) الآن إنهم يتعاطفون مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. في حين أبدى عدد أكبر من الأميركيين تعاطفهم تجاه الإسرائيليين وحدهم أكثر من الفلسطينيين. ويحظى الفلسطينيون وحدهم بدعم أكبر بين الناخبين الشباب (34% إلى 16%) والملونين (21% إلى 17%). منذ بدء أعمال العنف الحالية في غزة، زاد التعاطف مع الفلسطينيين خاصة بين «الديمقراطيين» (زيادة التعاطف مع الفلسطينيين بنسبة 23% مقابل 17% تجاه الإسرائيليين)، وبين الأميركيين الأصغر سنًا (زيادة التعاطف مع الفلسطينيين بنسبة 37% مقابل 27% للإسرائيليين)، وبين الملونين (زيادة في التعاطف مع الفلسطينيين بنسبة 29% مقابل 13% للإسرائيليين). وفي الوقت نفسه، يشكك الأميركيون في طريقة تعامل إدارة بايدن مع الصراع. وعندما طُلب منهم تقييم سياسة الرئيس بايدن، قال 50% من الأميركيين إن الإدارة تفضل إسرائيل.
ولكن عندما سُئلوا كيف ينبغي لإدارة بايدن أن تدير السياسة الأميركية، قال عدد كبير من المشاركين (42%) إن السياسة الأميركية يجب أن تكون متوازنة بين الاحتياجات الإسرائيلية والفلسطينية. وبهامش حاسم بنسبة اثنين إلى واحد، يقول الناخبون إنه بدلاً من الوقوف إلى جانب إسرائيل (وهو الموقف الذي يتبناه 26%) فقط، ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى جاهدة لتكون وسيطًا نزيهًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين (وهو الموقف الذي يتبناه 57%). إن هذا التشكيك في دعم إدارة بايدن أحادي الجانب لإسرائيل له أيضًا تأثير على مواقف الناخبين تجاه المساعدات العسكرية الأميركية لتلك الدولة. بأغلبية اثنين إلى واحد (51% مقابل 26%)، يرفض الناخبون فكرة أن الولايات المتحدة يجب أن تقدم مساعدات عسكرية غير مقيدة لإسرائيل طالما أن إسرائيل تعرض حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر. وبنفس هامش النسبة (2 إلى 1)، قال المشاركون إنهم انحازوا إلى أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين اعترضوا على قرار الرئيس الأخير بتجاوز إشراف الكونجرس في إرسال الأسلحة إلى إسرائيل. ويشير عدد كبير من الناخبين (41%) الآن إلى أن الوقت قد حان للنظر في خفض أو تكييف مخصصات إسرائيل السنوية للمساعدات العسكرية البالغة 3.8 مليار دولار. ومن المرجح أن يصوت الناخبون الأميركيون لصالح المرشحين الذين يدعمون وقف إطلاق النار. ويريد المشاركون في الاستطلاع وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع.
في ردهم على سؤالين منفصلين، بفارق اثنين إلى واحد، أشار المشاركون إلى أنهم أكثر ميلاً لدعم عضو في الكونجرس يدعم وقف إطلاق النار وأنهم أقل استعدادًا لدعم أعضاء الكونجرس الذين يعارضون الدعوات لوقف إطلاق النار.
خلاصة القول هي أن «الديمقراطيين» يجب أن يسمعوا صافرات الإنذار نتيجة لرفض البيت الأبيض وقف الطريقة التي تدير بها إسرائيل هذه الحرب أو حتى التفكير في دعم وقف إطلاق النار لإنهاء القتل. والنتيجة هي أنهم يخسرون أصوات المجموعات التي شكلت مؤيديهم الأكثر ولاءً.
إن الموقف المتهاون لأولئك الذين يقودون حملة الرئيس بايدن هو موقف معيب للغاية، إذ إن الرهان على الناخبين الشباب وغير البيض سينعكس على بايدن في نوفمبر، لأنهم لن يرغبوا في عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو أمر مهين لمشاعر هؤلاء الناخبين، وهو أمر خطير أيضًا.
وكما أظهر الاستطلاع الذي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، يقول ما يقرب من واحد من كل خمسة إنهم يفضلون التصويت لمرشحي الطرف الثالث، ويتعين على «المحترفين السياسيين» في البيت الأبيض أن يأخذوا في الاعتبار هذا التهديد وليس أن يستبعدوه كما فعل «الديمقراطيون» في عامي 2000 و2016.
* رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
تعليقات