بلقيس محمد علوان*
بحلول 15 نوفمبر 2022 أصبح كوكبنا موطنًا لثمانية مليارات إنسان، أي أكثر بثلاثة أضعاف من 2.5 مليار شخص في العالم عام 1950، وحسب تقرير الأمم المتحدة من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم بمقدار ملياري شخص في الثلاثين عامًا القادمة إن كانت وتيرة النمو تمضي ببطء، لكن نمو السكان من المتوقع أن يصل حسب التوقعات بحلول عام 2100 إلى حوالي 11 مليار شخص، ووفقًا للتقرير فإن ثمان دول ستكون سببًا في 50% من النمو السكاني خلال الثلاثين عامًا القادمة من بينها مصر.
وثمة تغيرات عديدة على مستوى تعداد وتوزيع سكان العالم، فلأول مرة ستتراجع الصين إلى المرتبة الثانية في عدد السكان، وتتقدم الهند لتصبح أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان بحلول عام 2027، وهناك توقعات أخرى بتضاعف عدد سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2050 (بنسبة زيادة تصل إلى 99%)، حيث يميل السكان إلى إنجاب المزيد من الأطفال بسبب زيادة احتمالات وفاة هؤلاء الأطفال، فيما تحمل النساء عددًا أقل من الأطفال حيث تنخفض مخاطر تعرض أطفالهن للموت، وتتراجع في كافة المناطق معدلات الوفيات والخصوبة، لكنها تظل أعلى في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بالمقارنة بمناطق أخرى كجنوب آسيا.
ستظل الولايات المتحدة الأمريكية في 2050 ثالث أكبر دولة في عدد السكان، مع إمكانية أن تتعادل مع نيجيريا بوصول العدد إلى 375 مليونًا، أما سكان الاتحاد الأوروبي البالغ تعداده 447 مليون نسمة حاليًّا، فتطرق “مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي” إلى أن العدد تقلص في 2021 للعام الثاني على التوالي، في الوقت الذي شهدت المنطقة أكثر من مليوني حالة وفاة بسبب فيروس كورونا.
ووفقًا لتقرير صدر عن “Eurostat” فقد انخفض سكان 27 دولة يتكون منها الاتحاد الأوروبي بما يقرب من “172000” نسمة عن العام السابق، وأكثر من “656000” ألفًا من يناير 2020 فيما لم يعد صافي الهجرة الإيجابية يعوض عن التغير الطبيعي السلبي بالاتحاد الأوروبي، ونتيجة لذلك انخفض إجمالي عدد السكان، بحيث بدأ عدد الوفيات يفوق عدد المواليد قبل عقد من الزمن، علمًا أن الهجرة من خارج دول الاتحاد الأوروبي ساعدت في تعويض الفجوة حتى العام الذي سبق جائحة كورونا.
وحسب التقرير أيضًا، من المتوقع أن معدل الخصوبة العالمي، الذي كان قد انخفض عام 2019 إلى 2.5 ولادة لكل امرأة، مقارنة بمعدل 3.2 عام 1990، سيواصل الانخفاض عام 2050 إلى أن يصل إلى معدل 2.2 ولادة لكل امرأة، ومن المعروف أن مستوى الخصوبة المطلوب لضمان استبدال الأجيال وتجنب انخفاض عدد السكان على المدى الطويل في غياب الهجرة، ينبغي أن يبلغ 2.1 مولود لكل امرأة على الأقل، لكن معدلات الخصوبة العالية تتركز في البلدان الأشد فقرًا، وهذا يفرض على هذه الدول تحديات إضافية للجهود المبذولة للقضاء على الفقر وتحقيق المساواة ومكافحة الجوع وسوء التغذية وتعزيز تغطية ونوعية النظم الصحية والتعليمية.
ومن خلال معطيات التقرير الأممي يمكن رصد العديد من النقاط:
- نمو السكان ممن هم في سن العمل: فرصة جديدة للنمو الاقتصادي، وهو ما يستدعي أن تكثف الدول استثمارها في التعليم والصحة وخاصة للشباب، مما يساعد في إيجاد ظروف مواتية للنمو الاقتصادي المُطَّرِد.
- سكان البلدان الأشد فقرًا يعيشون لأعمار أقل بـ 7 سنوات عن المتوسط العالمي.
- عدد سكان العالم الأكبر سنًّا يتزايد الآن، بحيث صارت أعداد السكان تحت سن الـ 65 عامًا أو أكبر هي الأسرع نموًّا، إذ يمثلون واحدًا من بين كل ستة أشخاص في العالم، وحسب التقرير، ولأول مرة في التاريخ فإن عدد من بلغت أعمارهم 65 عامًا أو أكثر (عام 2018) فاق عدد الأطفال دون سن الخامسة على مستوى العالم.
- انخفاض نسبة السكان ممن يعتبرون في سن العمل سيضغط بشدة على أنظمة الحماية الاجتماعية، حيث إن أعداد من هم في سن العمل مقارنة بمن تجاوزوا سن الـ 65 تتناقص في جميع أنحاء العالم، وتؤكد هذه النسبة المنخفضة، التأثير المتوقع الذي ستتركه شيخوخة السكان على سوق العمل والأداء الاقتصادي والضغوط المالية التي ستواجهها العديد من البلدان في العقود المقبلة.
- عدد متزايد من البلدان يواجه انخفاضًا في عدد السكان جراء انخفاض مستويات الخصوبة بشكل مستمر.
- الهجرة صارت عنصرًا رئيسيًّا في التغير السكاني في بعض البلدان.
ما هو وضع اليمن في هذه البانوراما؟
من المعروف أن اليمن من الدول الاكثر نموًّا في عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط في ظل نسبة نمو سكاني يقدر بـ 3.48% وعدد سكان يقدر حاليًّا بأكثر من 30 مليون نسمة، ويتوقع أن يصل العدد بحلول عام 2030 إلى أكثر من 39 مليون نسمة، لكن دعونا نعود لتقديرات العام 2014 التي كانت 25.82 مليون نسمة، وهذا الرقم يعني أن حوالي خمسة ملايين نسمة أضيفوا لتعداد السكان في بلد تهاوت بنيته التحتية ومنظومته الصحية، والتعليمية، ولم تضف له أي مشاريع، بل على العكس تسببت الحرب والمواجهات في دمار طرق، ومدارس ومرافق صحية موجودة أصلاً، في هذه الفترة أيضًا تراجعت المؤشرات السكانية وتدنت مستويات الصحة العامة والدخل للفرد، فيما زاد عبء الإعالة، وارتفعت نسبة البطالة إلى حدّ غير مسبوق، كما تسهم الهجرة الداخلية والنزوح في تغيير معالم التوزيع السكاني، وعادت أعداد حالات الزواج المبكر للارتفاع، وبالرغم من عدم وجود أرقام مؤكدة فهناك توجه ودعوات للمزيد من الإنجاب، وخصوصًا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
باختصار اليمن في الوقت الراهن يقف أمام تحديات ومعضلات ليست الأسوأ، لكنها صعبة ومعقدة وتتطلب جهودًا مهولة لتخطيها الأسوأ على الإطلاق أنه لم يعد هناك شيء اسمه سياسة سكانية تطرح أو تناقش أو تعدل، كما ليس هناك أي خطوات أو توجه للحكام شمالًا وجنوبًا لعمل شيء في هذا الملف الذي يعتبر التحدي الأكبر عندما تتوقف الحرب بشكل نهائي، فالأعداد الكبيرة للسكان في الفئات العمرية ضمن مرحلة الطفولة والذين سيدخلون مرحلة الشباب ومرحلة العمل، إضافة للأعداد الكبيرة للسكان ضمن قوة العمل في الوضع الراهن بدلًا عن كونهم قوة عمل ومحركًا للتغيير أغلبهم يقعون فريسة البطالة وانسداد الأفق بسبب معطيات الواقع.
عندما تنتهي الحرب تمامًا يجب أن يكون ملف السكان أحد أهم الملفات التي ينبغي العمل عليها فورًا وفق رؤًى علمية تستشرف مستقبلًا يكون السكان فيه أداة التنمية المستدامة وغايتها معًا.
*أكاديمية وكاتبة يمنية.
تعليقات