فكري قاسم*
مش من مصلحة الحكومات والأنظمة العربية الفاسدة أن تقطع أيادي اللصوص؛ لأنها لو فعلت ذلك فمن سيصفّق لها إذن؟
عندما وازن “بريشت” بين القانون والعدل واللصوصية، اعتبر أن القانون هو التسمية المؤدبة للسرقة والقهر، وأن المجتمع يطارد اللصوص الصغار ليحمي لصوصه الكبار، وذلك صحيح إلى حد كبير.
مثلاً، سيجري شارع بأكمله لمطارة لص سرق حذاء من المسجد، وسيمسكوا به ويهروه ضربًا سينسى معه اسمه ومقاس الحذاء الذي يلبسه كمان، لكن الشارع نفسه سيقف متفرجًا لبيبًا حيال أولئك الذين يسرقون روحانية المسجد بأكمله ويحولونه مرة بعد مرة من بيت للعبادة إلى بيت لتعبئة الأفكار المشحونة بالحقد والكراهية، ونسف قيم الحب والخير والجمال والتعايش في ديننا الإسلامي الحنيف.
ومش كذا بس، بل إنك ستجد الشارع اللي طارد سارق الحذاء يقف بإجلال وتعظيم لسرّاق الجوامع، وسيمنحهم ألقاب التبجيل، وسيضرب لهم تعظيم سلام مربع، ويسميهم مشايخ!..
قبل فترة لا بأس بها، بالمناسبة، دخل إلى حارتنا بمنتصف الليل لص وقلبها رأسًا على عقب، واستيقظ جميع الأهالي من نومهم هلعين من صراخ صاحب البيت الذي تسلل إليه السارق.
وبدأت من تلك اللحظة المطاردة بعد اللص من زقاق إلى زقاق، ومن سقف إلى آخر، وكلهم خرجوا يدوروه، لكنه كان لصًّا خفيفًا شبيه الريح، لو أن لدينا وزارة شباب ورياضة بنت ناس، وتعتني بالمواهب لكان ذلك اللص الخفيف أحد لاعبي القوى المعتبَرين في العالم، لكن اللصوصية نفسها هي التي دمرت كل موهبة في البلد على أي حال.
والمهم في الموضوع أن كل رجال الحارة خرجوا يومها من بيوتهم يلاحقوا السارق في أزقة الحارة المظلمة، وهم متشنجين يصيحوا:
– أين سار؟ أين جاء؟
وكلهم يدوروه بالسراج، سيقتلوه هاذيك الساع لو تمكنوا من الإمساك به، أو في أسوأ الأحوال لو قرروا أن يرحموه سيلبجوا أبوه لبج عمر امه ما قد سمع عنه.
الذي خرج بالجنبية يدور السارق، والذي أخذ البندقية وخرج يلاحقه، والذي نتع له صميل وخرج يصيح: أين جاء الملعون ابن الملعون، والذي راح يصفع خدوده من شدة الندم لأنه طلع أهبل وباع بازوكة تفيّدها في الأيام الأولى من الحرب، وجلس يندب حظه، ويقول:
– أووو ليت والله وخليتها كان شندع أبوه بها، والذي سمع صراخ الجيران:
سارق.. سارق.. امسكوه.
ونطّ كما البرق يسحب سيف قديم معلق للزينة في غرفة الاستقبال، ونتعه وخرج من البيت مهرول بسروال النوم مثل عنتر شايل سيفه في مهمة البحث عن السارق، ويبدو ولا أجدعها فارس مغوار قرر في لحظة متأخرة من الليل أن يخوض معركة استرجاع الأندلس المفقود..!
حتى جاري الذي ظل يردد دائمًا أن صوت المرأة عورة، نهر زوجته وأهانها بشدة يومها لأنها لمحت السارق يهرب من أمامها ولم تصرخ أو تغوّر.
كلهم عمومًا خرجوا يدوروا السارق يشتوا يمسكوه عشان يخرجوا غَرْقتهم من لصوص المجتمع الكبار فوق رأسه، وما بوه معاهم غريم إلا هوه، واستمرت ملاحقة السارق والبحث عنه لمدة ساعتين من دون أي جدوى، وعاد الجميع إلى بيوتهم بخفّي حنين قبل أذان الفجر، فيما كان اللص الخفيف قد اختفى تمامًا مثل فص ملح ذاب.
وفي اليوم الثاني مباشرة استيقظ جميع أهالي الحارة من نومهم على ارتفاع مهول في أسعار السلع الأساسية التي تدخل إلى كل بيت، ولكن من دون أن يفكر أحدهم يخرج يدور السارق الخفي الذي امتدت يده إلى لقمة عيشهم..!
والآن عمومًا يمكنني أن أطمئنكم، وأقول:
الحمد لله؛ لأن اللصوص الصغار أقلعوا تمامًا عن مغامرة الدخول إلى حارتنا من بعد تلك المطاردة الليلية وراء لص خفيف طار مع الريح.
لكن الكارثة الحقيقية والمستمرة في عصد حياتنا بشكل يومي هي أن اللصوص الكبار ما يزالون يتسللون إلينا طيلة الوقت عبر السلع والمواد الأساسية التي تدخل إلى بيوتنا كل يوم، وما فيش من يخرج يصيح: امسكوا السارق.
كاتب يمني ساخر.
تعليقات