عبدالله الصعفاني *
رحلَ عامٌ وجاء آخر.. وما يزال اليمن يشكو جراحه الغائرة، يواجه صعوبة في تَحَمُّل أوجاعٍ جديدة عزَّزتْ الإحساس الموجِع، وبأنه حتى الأحلام اليمانية ستبقى مؤجَّلة إلى حين ميْسرة، يصحو فيها الضمير اليمني الغائب.
وعندما سألني الصديق الناشر رشيد النزيلي ماذا يُمكِنُ أنْ تكتبَ بلسان مواطنٍ يمني في مطلع عامٍ ندخل به العقد الثالث للقرن الـ21؟، شعرتُ كما لو أنه دلق على رأسي تنكة من الماء البارد في طقسٍ شتوي إلا من حربٍ مستعرة دمرتْ وطنًا وقوَّضتْ أحلامًا، وضربتْ قِيَم الولاء والانتماء.
وبائسٌ هو المشهد اليمني حتى إشعار أرجو ألَّا يطول انتظاره…
تدميرٌ من الخارج تحت عناوين تحريرية زائفة، واحترابٌ بين إخوة يلعبون بالنار، ويستنزفون الدماء والأموال والأرزاق، دونما احتكام إلى ضمير وطني يقِظ.. والحصيلة حربٌ، وبطالةٌ، وتدمير مقدرات، وزيادة شريحة الفقراء والجائعين بسبب تعطّل التنمية، وغياب المرتّب، وغلاء الأسعار، وتدنِّي الخدمات، كما هو حال التعليم والصحة وخلافهما.
في مطلع عامٍ جديد يصعبُ التماهي مع مفردة التشاؤم، وإغلاق باب الأمل بالضبة والمفتاح، أو حتى التدثر بمقولة سعد زغلول (ما فيش فايدة.. غطيني يا صفية..)
ثم أنّ كلّ واحد منّا هو ما يعتقده، ولا استثناء للشعب.. لا يجوزُ الإفراط في التباري على دفن الروح اليمنية التي كانت عظيمة، ويجبُ أنْ تبقى كذلك بقليلٍ من استخدام نعمة العقل..!
وهنا لا يمكن الحديث عن آمال يمانية في مطلع عامٍ جديدٍ دون انطلاقٍ من الواقع، ومناقشة ما يمكن أنْ يكون عليه اليمن في المستقبل.
والواقع، مع شديد الأسف، يُشير إلى تحدِّيات محلية وإقليمية ودولية استثنائية تحتاجُ إلى مواجهة استثنائية أيضًا.
تحدي الحرب بين الإخوة الأعداء، وتحدي الوصاية المدمرة التي تظهُرُ بشكل تحالفات جهوية نرى آثارها في سيولة سياسية.. تُوسِّع الجرح، وتُعقِّدُ المعيشة، وتُعطِّلُ الحياة..!
أفضل سعيٍ لحلول جادة في عامٍ جديد هو دعوة كلّ مَن يزعمون تمثيلهم للشعب إلى الإنصات لمعاناته، واتخاذ قرارات جدّية وجريئة تُنكِرُ الذات الأمّارة بالسوء، وتنتصرُ لفائض الحياة على فائض الموت، وفائض الخيبة ومتواليات التعاسة.
ولن أكون كاتبًا إنشائيًّا فأقول:
أيها الناس.. الوطن يدعوكم.. بعد الذي كان ويكون من استهلاك مفردة الوطن في أسواق الادّعاء الأجوف والمَصالح الخرقاء… إنما سأذَكِّر بأنّ الشعب يتألم من احترابكم فاسمِعُوه أصواتًا تُبشِّر بالخير.. لا تزيدوا الضجيج في منسوب الفعاليات الغربانية، أو مزامير التطبيل.
سأكون مباشرًا وأقول:
سارعوا إلى التصالح بشجاعة بعد أنْ جَرَّبَ كلّ طرف نفسه في مسارات الاحتراب المسدودة، ولا خوف إلاّ مِن تغليب لغة العناد والاستمرار في مضاعفة الأوجاع.. اليمن يتسعُ للجميع، ولا يستطيعُ أيّ طرفٍ الانفراد بحكمه، أو السيطرة على ثرواته.
لن تصنعوا بحكومات النَّكد التمزيقي والفشل شيئًا مفيدًا مَهمَا استنسختم من الوجوه، كما أنّ الاستئساد بالخارج من أيّ طرفٍ لا يصنعُ مجدًا من أيّ نوع.
لِيُعيد الجميع تعريف نفسه بعبارة (أنا يمني)؛ لأنَّ ذلك مبتدأ الحل.. ولا تنسوا ضرورة الاحتكام إلى الدستور وإلى القانون.. وغير ذلك ليس سوى مكابرة وإعادة إنتاج لنعرات جاهلية تجاوزها العالم.
أوقفوا الحرب.. التقوا في حوار الانتصار لفكرة الوطن.. حارِبوا الفساد.. فرمِلوا جحافل الكذب والفساد والنفاق والرشوة والمحسوبية.. أعيدوا الاعتبار لمفردة الإنتاج.. لا تكونوا أسرى الأنانية وعبادة الذات.
ولا تنسوا، وقد وجبَ عليكم مناقشة فرص البحث عن حلول، أنَّ لِدعوات الشعب المظلوم ساعة استجابة، وأنّ القاتل والمقتول والمحرِّض في النار، وأنّ اللصوصية وبيْع القرار الوطني لأيّ طرف ارتهانٌ شخصي، وتفريطٌ بالكرامة والسيادة.
*كاتب يمني
تعليقات