وجدي الأهدل*
منذ أذاع عبدالعزيز المقالح، وهو شاب يافع، بيان قيام الثورة ضد النظام الملكي من إذاعة صنعاء عام 1962، وحتى لفظ آخر أنفاسه في 28 نوفمبر2022، وهو يُقاتل بكل قواه في المعركة الثقافية، تارة ينتصر، وتارة يخسر، لكنه ظل طوال ستين عامًا القائد الثقافي الأبرز في اليمن.
هناك مدرستان فكريتان تتصارعان في اليمن، وهما متناقضتان أشد التناقض:
الأولى مدرسة دينية تقوم على التطرف والعنف وتشير إلى الموت والآخرة، يقودها رجل الدين الشيخ عبدالمجيد الزنداني، واجتذبت ملايين الشباب داخل اليمن وخارجها.
الثانية مدرسة عصرية تقوم على الحداثة والتنوير وتشير إلى الحياة هنا والآن، يقودها أكاديمي مثقف هو الشاعر عبدالعزيز المقالح، واجتذبت بضعة آلاف من الشباب المثقف الواعي جُلُّهم من المبدعين والفنانين، الذين شكلوا صفوة المجتمع اليمني.
الصراع بين المدرستين سيظل مستمرًّا، صحيح أن عبدالعزيز المقالح قد توفي، ولكن مشروعه التنويري لن يموت، وطال الزمان أو قصر فإن انتصار مشروع الحداثة والتنوير حتمي.
شغل عبدالعزيز المقالح العديد من المواقع الحكومية المرموقة التي أهلته لقيادة المعركة ضد التيار الديني:
رئيس جامعة صنعاء (1982-2001)، رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني، المستشار الثقافي لرئيس الجمهورية منذ عام 2001، رئيس المجمع العلمي اللغوي اليمني.
خاض عبدالعزيز المقالح معركة محفوفة بالمخاطر، مع تيار ديني هو الأكثر شراسة على مستوى العالم، وتعرض للتكفير أربع مرات، واعتبر مرتدًّا عن الإسلام، وكان معرضًا للاغتيال في أية لحظة.
يعد عبدالعزيز المقالح من أبرز الشعراء العرب، وأحد مؤسسي القصيدة الحديثة، صدر له خمسة عشر ديوانًا شعريًا، أبرزها “أبجدية الروح”، و”الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل”، و”كتاب صنعاء”.
وهو أيضًا من أبرز النقاد والمفكرين العرب، وصدر له تسعة عشر كتابًا في الأدب والنقد، منها “شعر العامية في اليمن”، و”قراءة في أدب اليمن المعاصر”، و”الزبيري ضمير اليمن الوطني والثقافي”.
حصد عبدالعزيز المقالح أرفع الجوائز والتكريمات العربية والدولية:
جائزة لوتس للأدب 1986.
جائزة الثقافة العربية، اليونسكو، باريس 2002.
جائزة الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) 2004.
جائزة الشعر من مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية 2010.
كما نال العديد من الأوسمة، أبرزها وسام الفارس من الدرجة الأولى في الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية 2003.
عاش عبدالعزيز المقالح حياته بوصفه ثائرًا، وكان يدعو إلى الثورة في الأدب والفن، ليس بالمعنى الأيديولوجي، ولكن بمعنى تجاوز القديم إلى الحداثة. وفي السياسة كان خصمًا بالغ الدهاء في مقارعة التيارات الرجعية والدينية، وذلك من خلال مقالاته الغزيرة في الصحف والمجلات اليمنية والعربية، ومن خلال المواقع الحكومية التي شغلها.
كان عبدالعزيز المقالح بسيطًا متواضعًا، ورغم مكانته الحكومية الرفيعة التي تعادل درجة رئيس وزراء، إلا أن باب مكتبه كان مفتوحًا لمن شاء الوصول إليه دون حجاب أو مواعيد مسبقة، وكان معظم زوار مكتبه من الأدباء الشباب الذين يطلبون رأيه في أعمالهم.
كان النظام مكروهًا من الشعب، ورغم أن عبدالعزيز المقالح كان أحد أركانه، إلا أنه كان محبوبًا من جميع الناس، ومُهابًا من المسؤولين وأولهم علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية السابق الذي حكم اليمن ثلث قرن.
في جنازته شيعه الآلاف إلى مثواه الأخير، فكانت استفتاءً على شعبيته الهائلة ومكانته الخالدة في القلوب.. وكانت هذه ظاهرة نادرة لا تتكرر، أن يخرج هذا الطوفان البشري في جنازة شاعر.
*روائي وكاتب يمني.
تعليقات