Accessibility links

الوحدة اليمنية.. الإشراقة الضائعة في ليل العبث السياسي المقيت..!


إعلان

عبدالله الصعفاني*

إذا سألوك عن الوحدة اليمنية قل لهم : الطبيعي أن تكون الوحدة مثل الحب  الذي يبدأ نبتة صغيرة، ثم يكبر.. والوحدة هي أن يصبح كل طرف رافعة للآخر، وغير ذلك مجرد أغانٍ في فراغ أجدب.

* والذي حدث في اليمن أن كل طرف سياسي دخل الوحدة على طمع وحذق وتذاكٍ، وكيد فاق كيد زليخة ونسوان المدينة.. لا أقصد قيادة المؤتمر وقيادة الاشتراكي فقط، وإنما أيضا بقيَّة أحزاب زمن الاتفاق على التعدد الحزبي والتنوع الصحفي الذين مارسوا النفخ في النار بتفاني النمل ليتحول الشعب إلى فراشات على قارعة تنُّور.

وبدلاً من اعتبار كل عيد وطني لحظة تاريخية لمغادرة الفشل، حضرت الثقافة الجماعية والفردية تحت عنوان “خذ الفلوس واجري.. انهب وابكي.. استأثر ولا تسمع أحد.. والطبيعي ثم حدث ما حدث ويحدث..”.

* وحتى يتعزز الجرَب بالدمامل، استمرأ اصحاب القرار، الكبار منهم والصغار، والنص نص، دور الأرزقي الهزيل لأشقاء الدفع العربي المسبق والدفع بعد التنفيذ.. وهات يا تدمير للفكرة والحلم والمشروع.

* من الشهور الأولى للوحدة نسينا القضية اليمنية بحساباتها العظيمة، وغابت الأهداف واختفت الفكرة.. وزاد المشهد مرارة باندلاع حرب 94 التي غادرنا بها سكرة الفرحة بحياة وحدوية ملونة لتحل مفردات الدعوة  للتشظي والانفصال وحلول لم يطل منها اليمنيون على فيدرالية ولا كونفدرالية ليصل الحال إلى احتراب الإخوة بنفخ من الإقليم ومطابخ الكبار.

منذ السنة الأولى للوحدة عمم المسؤول الشمالي على الجنوبيين القات والسلاح والطمع في الأراضي، واعتبرنا ذلك علامة جودة تتلاقح وتتوحد بها الهوية الفوضوية البائسة.. وزيادة في تصدير ما هو فاشل كنا نتمشى على الشاطئ وبعضنا يرتدي الثوب والجنبية والمسدس والقُبع و”أمه فوق ظهره” ليؤكد أنه “قبيلي عسر” حتى حضرت النكتة بأن النزول إلى بحر عدن بالجنبية تأكيد على أن البحر غدَّار.

وبالمقابل تأكدت حقيقة أن داخل كل بروليتاري جنوبي صغير بذرة  لبرجوازي كبير، فكشف المسؤول الجنوبي هو الآخر عن نفس مفتوحة للثراء، حتى إن وزيرًا جنوبيًا قال ذات مرة بالصوت المسموع: 

 لا تكلموني عن النزاهة ونظافة اليد قبل أن أحصل على ما حصل عليه كبار مشايخ  الشمال، وسمَّى كبير المشايخ بالاسم، رافضًا فكرة ممارسة الفساد بالتقسيط المريح، باحثًا عما حققه فلان في عقود خلال سنوات، ربما لأن الوقت لا ينتظر، أو كما يقول الإعلان الشهير.

وعند ذلك الطمع المستعجل أدرك الذكي وحتى الغبي  أن الفساد في اليمن إما فيروس أو لعنة أو تراكم ذنوب.

* وبدلاً من توحيد إرادة التغيير والتطوير وتوحيد الإمكانات والموارد واستغلالها لصالح الجميع، اعتمدنا سياسة السحب على المكشوف حتى شاهدنا فيديو يختصر الحكاية في قيام أحدهم بسحب تيس عابر إلى سيارته المسرعة على أغنية “إن شفت شيء في طريقك واعجبك شله”.

وقام الفاسدون المتمددون في كل مكان بدور السوس الذي ينخر في قلب الموارد وقلوب مجتمع دولة الوحدة فسقط الباب وتآكلت الجدران والقواعد.

* فاسدون ببجاحة، وفاسدون يرتدون أقنعة العفة والنزاهة.. فاسدون محترفون وفاسدون تحت التدريب، واستغلال قبيح متبادل حول من ضحى أكثر ومن باع تَرِكة جده السادس عشر من أجل عيون الوحدة.

* ولو كان هناك أصحاب قرار عقلاء ومستشارون أمناء وخوف من الله وخجل من عباده لكان كل عيد للوحدة لحظة تأريخية للمراجعة والعودة إلى الصواب.. الصواب الذي يتم فيه تحديد المفروض والمرفوض في سياق خطة بناء دولة وحدوية يشهد على نجاحها الجميع.

* لقد تفشِّى الفساد المتبادل والمكر السيئ وشراء الذمم، وتزوجت المناصب بالفلوس والصفقات والرشاوى، حتى صار البائع هو المشتري في رهان على اللاشيء.. فضلاً عن أشكال من الضغوط والابتزاز والعدل البطيء أو الغائب، والقوانين المتسكعة في الأدراج، وسط مطالبات الناس بوضع حد لأمراض تحتاج إلى جراحة وليس إلى استعراضات فارغة، فيما الحكومات ومعها البرلمان وبقية السلطات عالات على الجمهورية وعالات على الوحدة في مناخ من التعدد الحزبي والتنوع الصحفي يعمِّق الإحساس العام بعدم جدوى أي شيء.. لا مبالاة قاتلة وتنصُّل عن الوحدة، وطغيان الأنانية وعبادة الذات، والضيق بما سماه شريك الوحدة بالديمقراطية العددية المرفوضة، إلى ما هنالك من المواقف التي تقلل من شأن الإنجاز وتبرر لحرب كان الهدف منها توحيد الإدارة والإرادة، غير أنه لا إدارة توحدت ولا إرادة نفذت.

* والحل للمشكلة اليمنية العويصة ليس في الآراء الانفعالية المراهقة، وإنما في استعادة العقل والنظر في خارطة بلد ينتظر عودة الحياة والسلام وسط حلة من تشظي الكيانات على الشمال والجنوب والشرق والغرب، لأن فكرة التمزق لن تعيد اليمن إلى كيانين وإنما إلى كيانات متحاربة كما نلاحظ الآن ما يفرض الاستجابة للعقل الشعبي الجمعي الذي يردد صباح مساء القول:

أحبوا اليمن واعشقوا ترابه.. ولا تتركوا المصالح تنهي كل شيء.. وابدأوا الحوار الجاد حبة حبة لعلنا من جديد نتربّى..

 ومن يدري..؟ قد يتحقق المراد والمقصود من رب المعبود..

* كاتب يمني

 

   
 
إعلان

تعليقات