وجدي الأهدل*
في 22 فبراير 1958 وقع الرئيسان المصري جمال عبدالناصر والسوري شكري القوتلي على ميثاق الوحدة بين البلدين، وأُعلن عن قيام الجمهورية العربية المتحدة. كما انتُخب جمال عبدالناصر رئيسًا، واختيرت القاهرة عاصمة للدولة الجديدة.
وفي عام 1960 تم توحيد برلمانيّ البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة، وتبع ذلك إلغاء الوزارات في سوريا، لصالح الإبقاء على الوزارات في القاهرة.
كذلك تمت الكثير من الإجراءات الرديئة التي ضايقت الشعب السوري، مثل تأميم المصانع والشركات، وهي الخطوة التي وجهت ضربة مؤلمة للطبقة الوسطى الناشئة في سوريا، وعرقلت نمو الاقتصاد السوري.
منذ اللحظة الأولى حمل اتفاق الوحدة بين مصر وسوريا بذور الإخفاق.. وهو ما تحقق فعليًّا في 28 سبتمبر 1961، حيث أنهى انقلاب عسكري في دمشق هذه الوحدة غير المتوازنة، وأعلن الانفصاليون عن قيام الجمهورية العربية السورية.
وكما لاحظنا، فقد سعى المصريون إلى ضم سوريا وإلحاقها بمصر، وفرض دولة مركزية مقرها القاهرة، وتحويل بلد عريق مثل سوريا إلى مجرد إقليم هامشي لا حول له ولا قوة. وقد تم تتويج هذا المسلك الأعوج بمنع التعددية السياسية في سوريا، وكأن على المواطن السوري أن يسمع الكلام الذي يُملى عليه من القاهرة ولا يبدي رأيه.
من ناحية أخرى، كانت هناك جبهة عريضة تتوجس شرًّا من هذه الوحدة الاندماجية بين البلدين العربيين الكبيرين، بعضها دول عربية، وبعضها دول أجنبية، وهي الدول التي استغلت نقاط الضعف في المشروع الوحدوي حتى تمكنت من تقويضه.
في 22 مايو 1990 وقّع الرئيسان اليمنيان الشمالي علي عبدالله صالح والجنوبي علي سالم البيض اتفاقية الوحدة بين الشطرين، ولكن تكررت الأخطاء ذاتها في المشروع الوحدوي اليمني، بل إن درجة التطابق في ارتكاب الأخطاء لتثير دهشة المراقب المحايد، وكأن السياسي اليمني لا يقرأ التاريخ، ولا يتعظ من الذين سبقوه.
ونتيجة لتلك الأخطاء الفادحة فقد نشبت الحرب بين الشطرين، وأعلن علي سالم البيض الانفصال في 21 مايو 1994.
صحيح أن الشمال هو الذي انتصر في الحرب، ولكن منذ تلك المواجهة أمست الوحدة اليمنية نوعًا من السيطرة العسكرية والأمنية، ولا تمتُّ بأيّ صلة إلى مشروع الدولة الوطنية التي حلم وطالب بها المثقفون والمناضلون اليمنيون.
لقد حذر المثقف اليقظ عبدالله البردوني القادة الجنوبيين من المضي قدمًا في مشروع الوحدة مع النخب السياسية الفاسدة في الشمال، ولكن القادة الجنوبيين المخدرين بحلم الوحدة ذهبوا إلى صنعاء ولم يعودوا.. قطعوا تذكرة ذهاب بلا عودة.
أراد الرئيس المصري جمال عبدالناصر التحرك عسكريًّا ضد الانفصاليين في سوريا، ولكنه تلقى إنذارًا من الاتحاد السوفييتي مفاده: “دع سوريا وشأنها”. فاضطر إلى إيقاف العملية العسكرية على مضض.
وكان يمكن أن يتلقى علي عبدالله صالح إنذارًا مشابهًا في حرب عام 1994، لولا أن الاتحاد السوفييتي كان قد تفكك وبات في ذمة التاريخ.
الجدير بالذكر أن الرئيس علي عبدالله صالح تلقى بالفعل إنذارًا من الاتحاد السوفييتي بعدم التدخل في عام 1986، عندما اندلعت الحرب الأهلية في عدن، وتأهب لاجتياح الجنوب عسكريًّا محاولاً انتهاز الفرصة السانحة.
إن فكرة فرض الوحدة بالقوة لم تعجب الجنوبيين، وكان من الواضح أنهم سينتهزون أول فرصة تلوح لهم للانفصال، وقد جاءت هذه الفرصة على طبق من ذهب في عام 2015، واليوم يبدو هذا الانفصال أمرًا واقعًا، فقد أعاد الجنوبيون بناء دولتهم الخاصة وعاصمتها عدن، وهناك دول بديلة عن الاتحاد السوفييتي سوف تدعم مشروعهم حتى النهاية.
لقد كرر علي عبدالله صالح في الجنوب أخطاء جمال عبدالناصر في سوريا بحذافيرها، وانتهى مشروعهما إلى إثارة نقمة وغضب المواطنين من بيروقراطية الدولة المركزية وأذرعها المخابراتية ونخبها السياسية الفاسدة.
لكن خارج هذا العالم العربي الغارق في التسلط السياسي والفساد المالي والإداري، هناك مشاريع وحدوية كُتب لها النجاح، وأبرزها مشروع الوحدة بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية.
في العام نفسه الذي تمت فيه الوحدة اليمنية، وقع الألمان اتفاقية الوحدة بين الشطرين، وتحديدًا في 3 أكتوبر 1990.
مع فارق أن الوحدة الألمانية قامت على أسس قانونية عادلة، وحافظت عليها نخبة سياسية تميزت بالنزاهة والضمير الحي ونظافة اليد والتفاني والإخلاص في خدمة المواطنين.
في 8 ديسمبر 2021 غادرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منصبها، واستلم السلطة خلفيتها (أولاف شولتس).
هل هناك أيّ مواطن ألماني يطالب بالانفصال؟ هل هناك أيّ حزب سياسي ألماني يطالب بعودة التاريخ إلى الوراء واستعادة دولة ألمانيا الشرقية؟ بالطبع هذه المطالب لا وجود لها، لقد ذهب الماضي إلى غير رجعة، والوحدة الألمانية راسخة وصلبة كالفولاذ.
هل يعرف أيّ مواطن يمني متى ستنتهي ولاية الرئيس عبدربه منصور هادي؟ ربما حتى الرئيس نفسه لا يعرف!
أين كانت تعيش أنجيلا ميركل وهي تحكم واحدة من أغنى دول العالم؟ كانت تعيش في شقة متواضعة في الدور الرابع، والعمارة بلا أسوار أو حديقة، وتطل على الشارع مباشرة. وطيلة فترة حكمها التي امتدت لستة عشر عامًا كان هناك شرطي واحد فقط يحرس مدخل العمارة، ودورية شرطة تقف أمام بوابة العمارة ولا شيء آخر.
وكانت تخرج لشراء احتياجاتها المنزلية بنفسها من سوبر ماركت مجاورة. ولم تستعن أبدًا بخادمة لمساعدتها في أعمالها البيتية مثل الغسيل وكيّ الثياب. وبالقرب من سكنها مطعم آسيوي كانت تتردد عليه من حين لآخر، قالت عنها نادلة تعمل هناك: “هي لطيفة للغاية، يمكن التحدث إلى السيدة ميركل بكل بساطة وحتى التقاط صورة”.
هل يستطيع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أن يجد له بيتًا في بلده ليعيش فيه حياة عادية؟ هل يمكن له أن يتجول في الحارة التي يفترض أن فيها بيته على راحته؟
حسنًا، هل يمكن أن يأتي زمن في المستقبل يمكن لمن يحكم اليمن أن يعيش حياته بصورة طبيعية؟ أن يشتري أغراضه بنفسه، ويذهب إلى أقرب مطعم لتناول وجبة يحبها دون خوف على حياته؟؟
أنجيلا ميركل بدأت حياتها في العمل كنادلة، وكانت ناشطة في منظمة “شباب ستالين”، وفي عام 2005 أصبحت أول امرأة تتولى منصب المستشار في ألمانيا.
في عهدها أصبحت ألمانيا دولة عظيمة، قوبة وغنية ومزدهرة، ويكفي أن الملايين من العرب والمسلمين يحلمون بالحياة فيها، ومن وصل إليها لا يفكر في مغادرتها والعودة إلى وطنه الأصلي.
بعد خروجها من منصبها، لم يجد الناخب الألماني ما يطلبه من خليفتها في المنصب سوى أن يضع حدًّا لاستهلاك الأكياس البلاستيكية الضارة بالبيئة!
يا ترى بالنسبة لنا نحن اليمانيين، ما هي المطالب التي سنطالب بها الرئيس القادم بعد عبدربه منصور هادي؟؟
أقترح من باب الدعابة فقط أن نطالبه بجمع الأكياس البلاستيكية المتناثرة في مدن وأرياف اليمن، وكثر الله خيره!
*روائي وكاتب يمني.
تعليقات