عبدالله الصعفاني*
الذين هاجروا من اليمن إلى أميركا وأوروبا والدول الاسكندنافية وبلدان تركبُ الأفيال أو البعِير، هم في الغالب الأعم إمَّا شباب جامحون أو مضطرون، سُدّت في وجوههم طُرق الحياة الكريمة فغادروا.
اليمن حديثًا أو من أزمنة طويلة تحت ضغوط فساد.. جميعهم شباب ضاقوا بواقعهم البائس، وهاجروا إلى بلدانٍ كثيرة محكومة بالقانون، وتقدِّرُ الكفاءات، وتنظرُ إلى المهاجرين بمنطق القانون، ولهذا شاهدنا مهاجرين كُثُر جاهدوا لتحقيق هدفهم رغم أنّ قلوبهم معلقة باليمن، لكنهم يخوضون رحلات بحث عن مناخ أفضل في بيئة تُقدِّرُ الأدمغة النظيفة، وتُعطي الأجير مقابل جهده العضلي والذهني قبل أنْ يسهرَ أو يقلقَ أو يجِفَّ عَرَقه.. وهكذا حققَ الكثيرون طموحاتهم حتى وبعضهم لم يكن يُفرِّقُ بين حرف (الباء) وبين ثمرة (الدُّبَّاء..!)
ولكن.. هل هذا كلّ المطلوب من اليمنيين في أماكن هجرتهم؟
السؤال جدير بأنْ يأخذَ حقه في النِّقاش من المهاجرين ومن أهاليهم ومحبيهم داخل اليمن.
ولا خير فينا إنْ ضِقنا ذرعًا بالنصيحة ولم نستقبلها برحابة صدْر، ولا بأس لِيتحمّلوا ما سأقوله في قادم السطور حتى ودماغي مثقلٌ بِذَحَل (الفرغة)، وأدمغتنا إجمالًا غير مستخدمة إلا في الاحتراب في ما بيننا لصالح أعداء اليمن في الإقليم، وفي العالم.
المهاجرون والمغتربون خلف المحيط وفي قلب الصحراء نُراهِنُ على دوركم تجاه بعضكم في مناطق الاغتراب، وتجاه أهليكم في الداخل، واثقين أنّ عقولكم تشبَّعتْ بما تيسَّرَ من مظاهر السلوك المنضبِط.
وكأمثلة بسيطة.. لم تعودوا مثلنا ترمُون القمامة على أبواب جيرانكم، وصِرْتم تحتفِظون بقراطيس اللبان والشوكولاتة في الجيب حتى تجدوا المكان المناسب لرميِها..!
وأطفالُكم في المهجر عندما يخرجون للميادين العامة لا يطاردون بعدوانية الحَمَام والعصافِير، وإنما يتهيَّبون من قنصِها، كما يحدثُ عندنا، حيث حوَّلنا عددًا كبيرًا من القطط والكلاب وما تيسَّر من الطيور إلى حيوانات تحت الإعاقة الجبرية، و(هات ياتعذيب..!).
لم يعد في أطفالكم مَن يلعبُ بالأقواس ليكسِرَ نوافذ الغير..!
ومن باب التواصي بالحق والتواصي بالصبر.. ليت بعضكم يُراجعُ نفسه، ويرى معنى أنّ كلّ شيء في العالم بحالة تشكُّلٍ وتغييرٍ، بما في ذلك قوانين الإقامة والترحيل والاستثمار والضرائب، ما يفرضُ عليكم التسلّح بالمزيد من الوعي الكافي بأفضل سُبُل.
حلُّ أيّ إشكالات..
وجميعكم لاحظ تزايُد حالات جرائم طالت يمنيين وغير يمنيين على أيدي متطرفين ينظرون إلى الآخر المختلف في مسحة الوجوه الملونة بكراهية، ثم إنّ الجريمة يا أصحاب صارت في حالة تطورٍ وتشكُّل مستمر، ما يدعوكم لاستحضار الروح التعاونية في ما بينكم، من باب النصيحة، وتبادل المعارف والخبرات والتجارب.
وفي صفوفكم مَن لا يستغني عن إخوانه حتى في تعبئة استمارة الحصول على مِنحة مالية عند الضرر مثل حدوث أزمات أو كوارث.. إلخ، ما سبق مجرد موجز وعناوين.
ومن التفاصيل والمقترحات المباشرة أيها المهاجر ضرورة أنْ تنقلَ تجرِبتك الناجحة في المهجر لغيرك، ولا خوف من مزاحمة أو حسد، فهي أوطانٌ مترامية المساحات والأطراف، وواسعة الاستيعاب، (وألف دكان على باب الرحمن..).
لا تبخلوا على بعضكم في مواطن الهجرة والاغتراب بالنصيحة، وكونوا أصحاب رأيٍ قويٍّ وعادلٍ، يمنعُ قيام مهاجرٍ قديمٍ باستغلال مغتربٍ حديثٍ بلا معارف، وبلا حول ولا قوة، أو معارف، فيحدثُ أنْ يعترضَ المسكين للاستغلال من ابن بلده.
عَلِّموهم كيف يأخذون حقهم بالقانون.. علِّموهم كيف يستفيدون من الهجرة في إتقانِ لغةٍ جديدة، وليس البقاء في الدكان بنفس عدد الكلمات، وذات اللسان المعوَجّ حتى الموت، حيث شاهدنا بعضهم يعودُ لليمن بعد هجرة طويلة دون مهارات، في مقدمتها مهارة اللغة.
الهجرة يا إخوان رحلة كفاحٍ حتى في جانب إتقان لغة الآخرين، والترويج للغتكم العربية، واستغلال أيّ فرصة لفرضها كلغةٍ معترف بها في الجهات الرسمية لبعض الجهات الحكومية وبعض المنظمات، ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً.
شجِّع وادعم ابن بلدك.. العالِم والطبيب والإعلامي والرياضي، وفي السياسة أو الخدمة العامة.. ساهم في معالجة قضايا أبناء بلدك في المهجر، وناقِشْ معهم تفاصيل وطُرق الحيطة والحذر من الأماكن المشبوهة، وطرق تجنُّب التعرض للقتل أو السرقة.
وعندما تشعرُ أنّ لدى أحد أبناء جاليتك من الصغار واليافعين موهبةً فنيةً أو رياضية إبداعية اربتْ على كتفه، وقل له: (ما شاء الله.. تبارك الله.. ننتظرُ منك أنْ تملأ بنجوميتك الآفاق).
اعتز بنفسك، وكُن سفيرًا ناجحًا لوطنك أينما ذهبت.. وليس أجمل من كلمة تشجيع لابن مهاجرٍ أو مغترب.
الهجرة أيها الأحبة كما أنها حلم وطاقة متجددة، وصراع من أجل البقاء المحترم في أماكن بعيدة، هي أيضًا مسعى دائمٌ لتحويل كلّ حلُمٍ إلى حقيقة.
ولا تنسوا أنّ من شروط الاندماج في المجتمعات الجديدة الانخراط بين الحين والآخر في أعمال تطوعية تكشفُ جانبًا من شخصياتكم الإنسانية المتحضرة.
ذات تواصلٍ مع زميلي في الصحافة ومجلس نقابة الصحفيين اليمنيين العزيز أحمد يحيى الجبر، المهاجر في فرنسا، عرفتُ منه أنه، وهو ما يزال في بداية مشواره، يحرصُ على الانخراط في أعمالٍ تطوعية اختيارية، وعندما طلبتُ توضيح الصورة، قال لي: على اليمني المهاجر أنْ لا يُقدِّم نفسه أنه مجرَّد عالة على مكان الهجرة أو اللجوء، وإنما يبحث عن العمل المناسب، ولا بأس الانخراط في أعمالٍ تطوعية، والحقيقة لم أعرف أحمد في اليمن إلا خدومًا من موقع عمله حينها رئيسًا للجنة الخدمات في نقابة الصحفيين اليمنيين.
جميلٌ أنْ يخلعَ المهاجر ثوبَ أيِّ صراعٍ حزبيٍّ أو جهويٍّ في اليمن، ويتحرر من كلِّ ما يُفرِّق.
وعلى العكس لا بأس عليك كمتمتعٍ بجنسية مهجرك الجديد أنْ تُمارس نشاطات خدمية وسياسية، متسلحًا بوعيِ الاحترام للكيانات التي لا تنظرُ إليك وإلى غيرك من المهاجرين بعنصرية، بقدر ما تعترفُ بحقوقكم الإنسانية وأصواتكم الانتخابية، ولا تصادر حقوقكم المدنية بخلفية جنسياتكم الأصلية أو ألوان بشرتكم.
وثمَّة واجبات كثيرة ينبغي أنْ يقومَ بها المغترب تجاه نفسه وأبناء وطنه في المهجر وداخل الوطن اليمن الأم، وهو ما سيكونُ محل وقفة قادمة إنْ كان في العمر بقيِّة.
*كاتب يمني
تعليقات