Accessibility links

القرار السعودي بترحيل اليمنيين من جنوب المملكة: المنطلقات والانعكاسات


إعلان
إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي”
تتصاعدُ يومًا بعد آخر، منذ أسبوعين، مخاوف من تداعيات “تسريبات” بقرارٍ سعودي غير مُعلَن بترحيل العمالة اليمنيّة من مناطق جنوب المملكة في مدى أقصاه أربعة أشهُر.

وتحدثت بهذا الشأن تقارير لوسائل إعلامية محلية وعربية، قالت إنّ عددًا من اليمنيين العاملين هناك، بما فيهم أكاديميون تلقّوا إخطارات بإلغاء عقودهم. 

وتناقلت مصادر إعلامية متعددة صورة لوثيقةٍ مسربة، تضمنت قرارًا غير معلَن للسلطات السعودية بإلغاء عقود جميع اليمنيين العاملين في مناطق جنوب المملكة (عسير، نجران، جيزان، الباحة)، وأمهلَ القرار مُلّاك المنشآت في تلك المناطق أربعة أشهر لترحيل جميع عمالهم اليمنيين، واستبدالهم بعمّالٍ من جنسيات أخرى.

أثارت تلك التسريبات مخاوف مِن ترحيلٍ وشيكٍ لمئات الآلاف من العاملين اليمنيين هناك، بما فيهم أساتذة جامعيون وأطبّاء، وهو ما سيتسببُ بتداعيات اقتصادية جديدة ستُفاقم المعاناة الإنسانية في بلدٍ يشهدُ حربًا تُشارك فيها السعودية منذ أكثر من ست سنوات.  

 

مُقيمٌ يمني في جيزان لـ”اليمني الأميركي”: لم أتلقّ أيّ إخطارٍ بإلغاء عقد عملي، لكني أسمعُ أخبارًا عن يمنيين تلقّوا إخطارات بذلك.

 

مُقيم يمنيّ بمنطقة جيزان قال لـ “اليمني الأميركي”، في حديثٍ غير رسمي، إنه لم يتلقَّ أيّ إخطار بإلغاء عقد عمله، لكنه قال إنه يسمعُ أخبارًا عن يمنيين تلقّوا إخطارات بذلك، إلا أنه لم يرَ من ذلك شيئًا.

كما قال إنّ المنشأة التي يعملُ فيها لم تتلقَ أيّ خطابٍ بشأن إلغاء عقود عمالتها من اليمنيين، وفق حديثٍ له مع مدير مسؤول في المنشأة. 

وفي ذات الوقت تحدَّث عن أخبارٍ تقولُ إنه يتم رفض قبول تجديد الإقامات لليمنيين في الإدارات المعنية بجيزان.

فيما تحدثت مصادر متعددة عن تلقّي الأكاديميين اليمنيين العاملين في جامعتَي نجران وجيزان إشعارات رسمية بإلغاء عقود العمل، يدورُ الحديث عن إجراءات مماثلة ستمتد إلى الجامعات والمؤسسات العامة والخاصة الأخرى في جنوب السعودية، بينما لم نستطع الوصول إلى مصدرٍ أكاديمي يمني في تلك المناطق يقولُ إنه تلقّى إخطارًا بذلك، وهذا لا يعني نفيًا، لكنه في نفس الوقت لا يُعد تأكيدًا، لا سيما وقد تحدّث إلينا بشكلٍ غير رسمي أكاديميون يمنيون في جامعة الملك خالد بمنطقة أبها، مؤكدين أنهم يسمعون أخبارًا متداولة عن ذلك، لكن لم يصلهم أيّ شيء رسمي حتى كتابة هذا، بتاريخ 9 أغسطس/ آب 2021. 

وفي الواقع لم يصدُر تعليقٌ رسمي سعودي على هذه التناولات الإعلامية، كما لم تُعلِّق الحكومة اليمنية الشرعية على ذلك، فيما نددت حكومة سلطة صنعاء التابعة لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) بالقرار.

 على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي هناك سخطٌ واسعٌ أبداه يمنيون، وعبّروا عن ذلك من خلال تغريدات وتدوينات ضمن تاغات (هشتاقات) أبرزها # السعودية_ تطرد_ اليمنيين… وأعربت بعض هذه المنشورات عن استياءٍ كبيرٍ من القرار، الذي اعتبره البعض يستهدفُ العمالة اليمنية بشكلٍ مباشر.

 

مصادر متعددة تتحدثُ عن تلقّي الأكاديميين اليمنيين في جامعتَي نجران وجيزان إشعارات رسمية بإلغاء عقود العمل، فيما يدورُ الحديث عن إجراءات مماثلة ستمتد إلى الجامعات والمؤسسات الأخرى في جنوب السعودية.

 

وربط ناشطون يمنيون بين هذا القرار وسلسلة من القرارات اتخذتها السعودية في السنوات الأخيرة ضد العمالة اليمنية، معتبرين القرار الأخير أسوأها؛ كونه – كما يرى أحدهم – يعكسُ توجُّهًا سعوديًّا تمييزيًّا واستعلائيًّا ضد اليمنيين بشكلٍ واضح.

وفي حديث لـ “اليمني الأميركي” اعتبر مُقيم يمني غادر المناطق الجنوبية في المملكة، وطلب حجب هويته، أنّ الإجراءات الأخيرة لا علاقة لها بمبرر “السعْودة”.. وقال: السعْودة تستهدفُ جميع الجنسيات، وأحيانًا تتم تدريجيًّا، بدءًا من المِهن البسيطة، بينما القرار الأخير يستهدفُ جميع أفراد العمالة اليمنية في المناطق الجنوبية، بما فيهم أساتذة الجامعات، والأطباء، وغيرهم.

وذهبت تقارير إعلامية إلى الحديث عن علاقة بين دور المملكة في الحرب، وحرصها على تمييع الواقع اليمنيّ، واستدامة الصراع بما يصعُب معه قيام دولة يمنية حقيقية، وبين إقدامها في هذا التوقيت على اتخاذ قرارٍ بهذا الحجم، سيعملُ بلا شكّ على تكريس تداعيات الحرب في اليمن من خلال مضاعفة معاناة ملايين الأسر اليمنية، التي تعتمدُ في معيشها على تحويلات 800 ألف يمني يعملون في جنوب المملكة، انطلاقًا من أنّ كلّ مغتربٍ يمني يعولُ خمس أُسرٍ داخل بلاده على الأقل.

وتحدّث حقوقيون عن «الانعكاسات الخطيرة للوضع الاقتصادي داخل اليمن في حال تنفيذ هذا القرار، خاصة وأنّ هناك حوالى 3 ملايين يمني داخل المملكة يُعتبرون الداعم الأساسي للاقتصاد اليمني، وفي حال ترحيل العمّال فإنّ الأمر سيتسببُ بكارثة اقتصادية مجهولة النتائج على البلد الذي يُعاني من نقصٍ حاد في الاحتياجات الأساسية منذ سنوات بسبب الصراع المستمر، وتدخّل دول التحالف العربي».

 

عبدالرحمن مُراد لـ”اليمني الأميركي”: ما تم مؤخرًا، قد لا يكون سوى مرحلة من مراحل ترحيل العمالة اليمنية من جميع مناطق المملكة، وستعقبها مراحل حتى يتم ترحيل كامل العمالة اليمنية.

 

 واستغربت منظمة سام للحقوق والحريات، في جنيف، من «قرار المملكة العربية السعودية بإلغاء عقود العمل اليمنية في مناطقها الجنوبية خلال أشهرٍ دون ارتكاب أيّ مخالفة»، مؤكدةً أنّ هذا القرار «مبنيٌّ على أساسٍ سياسي خاطئ، ويحملُ دلالات تمييزية غير مقبولة»، داعيةً السلطات إلى التراجُع عن قرارها «لأنه يُشكّلُ انتهاكًا واضحًا لقواعد القانون الدولي».

وأوضحت المنظمة، في بيانٍ لها صدر مؤخرًا، أنّ تداعيات القرار الحالي في حال تنفيذه، «سيعني المزيد من الأشخاص الذين يفقدون مصدر رزقهم في وقتٍ يشهدُ اليمنُ تراجعًا حادًّا في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ويُحذِّر من احتمالية حدوث أزمة جديدة بعد ترحيل هؤلاء العمّال، خاصة وأنّ معظم أسرهم تعتمدُ عليهم بشكلٍ أساسي في الحصول على المستلزمات الأساسية».

 تتعاملُ السعودية مع اليمن – حاليًّا – من منظورٍ لا يختلفُ عمّا يقدّمه تاريخ علاقة المملكة بالبلد الجار، فدورها في الحرب المستعرة يكفي للتدليل على طبيعة العلاقة التي تربطُ المملكة باليمن، فهي تحرصُ دومًا على إبقاء اليمن أسير مشاكله، وبالتالي فإنّ ما تقوم به هو الإمعان في تكريس هذه المشاكل.

 الكاتب والباحث اليمني عبدالرحمن مُراد تحدّث إلى “اليمني الأميركي” عمّا يمكنُ أنْ تكون أسبابًا لهذا القرار، فاستعرضَ عددًا من الأبعاد، أولها البُعد الديموغرافي، «انطلاقًا من أنّ المناطق الجنوبية كانت امتدادًا لليمن الطبيعي، وبالتالي هناك تداخُل اجتماعي ومذهبي، باعتبار هذه المناطق امتدادًا قبليًّا وشيعيًّا لشمال اليمن، وإنْ كانت مذهبية تلك المناطق الجنوبية متضادة مع المذهب الزيدي، لكنها في نظر السعوديين محسوبة شيعية؛ ولهذا ربما تخشى المملكة من أنْ يكون لليمنيين هناك مساحة تُقلقهم، ومن هنا – أيضًا – لا يُمكن استبعاد البُعد الأمني؛ فالمملكة تخشى، أيضًا، من أنْ يكون هناك بيئة حاضنة لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) في تلك المناطق».

وأضاف: «كما لا يُمكن تجاوُز ما حملته ما تُعرف برؤية 2030 في ما يتعلقُ بالعمالة، وتحديدًا العمالة اليمنية، وفي هذا السياق سبق واتخذت المملكة قرارات ضد العمالة اليمنية، ومن غير المستبعَد أنَّ المملكة تستهدفُ ترحيل العمالة اليمنية كلها في المملكة، وما تم مؤخرًا قد لا يكون سوى مرحلة من مراحل ترحيل العمالة اليمنية من جميع مناطق المملكة، وستعقبها مراحل حتى يتم ترحيل كامل العمالة اليمنية»

واعتبر مُراد أنّ دور السعودية في الحرب مرتبط بمعادلات صراعٍ إقليمي ودولي على النفوذ، «والسعودية، بلا شك، هي أداة من أدوات هذا الصراع، وبالتالي فإضعاف اليمن هدفٌ من أهداف هذا الصراع منذ بدء الحرب».. مستبعدًا أنْ يكون هذا القرار مرتبطًا بسياسات إصلاحات السوق، أو ما يُعرف بتوطين الوظائف.

   
 
إعلان

تعليقات