عبدالله الصعفاني*
أرسل لي الدكتور الشاعر المثقف فيديو قصير يسجل دقائق تحكي مهارات ابنه الواعد المتوعد، وبمتابعتي للفيديو وجدت نفسي أمام ميلاد نجم كروي كبير.. لاعب يسيطر على الكرة ببراعة، يداعبها بمهارة، يطوعها بين قدمه وكل أعضاء جسده في حنان وموهبة وإدهاش، ويكشف عن ميلاد نجم كبير.
* فهمت من الفيديو الذي وصلني من والد هذا اللاعب أنه يريد أن أشاركه الفرحة وأنشر الفيديو في صفحتي ليطل الأب الشاعر الجميل وابنه الموهبة على جمهور رياضي آخر غير جمهور القصائد بحكم انتمائي إلى أكثر من ثلاثة عقود من العمل في الصحافة والكتابة وفنون النقد الرياضي.
* ولو كان لأي أب ولد بتلك الموهبة والمهارة والنبوغ المبكر لأرسل نماذج من إبداعه إلى كل ناقد وفنان وشاعر ليفخر، ويشجع وينتصر للموهبة عندما تكون فطرية وليس صناعة.
بتفسير آخر.. إنها الأبوة، حيث ليس أعز من الأنا إلا الضنا، وأولادنا هم أكبادنا التي تمشي على الأرض، فضلاً عن حقيقة أن ابنك أو ابنتك إنما هو الامتداد الجميل لك في الحياة، ولكن ليتني لم أنشر ذلك الفيديو.. وتصوروا بالملوَّن بالأبيض والأسود إذا أردتم.
* تلقيت رسالة من ذلك اللاعب الناشئ بعد نشر الفيديو مع كلمات تبشر بميلاد نجم، وبأن ابن الشاعر ليس بالضرورة أن يكون شاعرًا ولا ناقدًا، وإنما موهبة لافتة في كرة القدم.
وتابعوا ما قاله ذلك اللاعب الذي أكد من جديد بأن اليمن مقبرة المواهب..!
لقد قال لي هذا الناشئ الموهبة في رسالته: “يا عمو.. أرجوك ألغي الفيديو من منشورك لأنهم في النادي غضبوا مني وقالوا ليش تصور نفسك.. ممنوع التصوير، وممنوع نشر فيديوهات وأنت تلعب كرة قدم”.
وتخيَّلوا.. مسئولًا في نادي صنعاني كبير ينزعج لأن لاعبًا ناشئًا نشر فيديو وهو يتفنن في مداعبة كرة القدم..!
حذفت الفيديو من المنشور بناء على رغبته، وأبقيت فقط على الصورة الفوتوغرافية، ولكن هل انتهى كل شيء عندي..؟
ما حدث أنني شعرت، وما زلت أشعر في دماغي بوجع، وفي قلبي ندبة اكتشفت بأنها تتضخم وتتحول إلى سحابة تدعو للكآبة، وما زلت أسال نفسي: لماذا تم تهديد الولد بخلفية أن والده نشر فيديو عن موهبته..؟
ما العيب والحرام في النشر..؟، ثم ما الذي قالوه له حتى جعلوه يطلب رقمي من والده الدكتور الشاعر، ويقول لي برسالة نصية إلى الخاص: احذف يا عمو الفيديو.. رجاء تحذف..!
* دخلت في عصف ذهني حائر، وتوالدت الأسئلة الحائرة على طريقة الفئران والأرانب.
ما الذي حدث؟، وكيف لصغير في سنه يحب الإطراء والتشجيع يطلب حذف فيديو يعلن عن موهبته؟، أين نعيش.. لماذا وأي أنماط تفكير؟، وليتني لم أعصف الذهن أو أحصل على جواب.
لقد ضغط عليه مسؤول أحمق في النادي أن يحذف فيديو من منشور ناقد رياضي لسببين غريبين:
الأول حتى لا يكون الفيديو سببًا في التقاطه من نادٍ صنعاني منافس.. والسبب الثاني حتى لا يراه مدرب منتخب الناشئين تحت 16 سنة الذي كان حينها يتابع مواهب الأندية الصنعانية ويضمه للمنتخب، لأن إداري هذا النادي يجهز لعرض لاعبين آخرين من باب المحسوبية والمجاملة.
* شعرت بالقهر من إداري يحرص على إخفاء موهبة ناشئ والتستر عليها؛ لأن له غرض تافه يختصر معنى أن يكون الإداري تافهًا.
ووجدت نفسي أدعو الله على طريقة عجوز مظلومة في فيلم مصري، وهي تقول: “إلهي وانت جاهي تكتب الشفاء للقطط، وتبتلي كل مسؤول فاسد بالوجع، ولو من باب قرصة الأذن..!”.
* تحجب يا مفتري موهبة لاعب ناشئ لأنك لا تريد وصول موهبته إلى مدرب منتخب يمثل البلاد، ويعد بنشر ما تيسر من فرحة في نفوس العباد.. فقط لأنك تود ترشيح آخر بديلاً عنه..! ويارباااااه.. ما الذي حدث..؟، وأي تفكير مشوه تسبب في هذا الموقف..؟، وما الذي تتعرض له مواهب البلد من الظلم والتغييب في وجود إداريين بهذا الفكر المشوه في شتى تفاصيل الحياة..؟
* قد يسأل بعضكم ولماذا تنشر الحكاية الآن وليس في وقتها..؟
الموضوع ببساطة أنني احترمت رغبة اللاعب الناشئ ووالده حينها بعاطفة أب يخاف على أولاده من نسمة ريح باردة، ولكن..!
ظلت الحكاية في تلافيف ذاكرتي، ندبة في عقلي الباطن، ولوزتين ملتهبتين في الحلق.. زائدة دودية ليس لها غير القطع..!
ثم ألم يقل تلامذة أبو الطب النفسي أن في الكتمان خطر، وأن في الفضفضة صحة نفسية.. و”إذن” يا روح ما بعدك روح.
* اكتب، انتصر ولو بعد حين، فإن تكتب وتحذّر متأخرًا خير من أن “تدعمم” إلى ما لا نهاية.
* وها أنا في الخواتم أعتذر مرتين.. مرة عن إخفاء حكاية جديرة بالسرد، ومرة ثانية إذا كان اللاعب ما يزال عند خوفه من انتشار فيديو يعلن عن موهبته لأن إداريًّا غبيًّا لا يريد ذلك.
* وأما وبعض الأمور أمانة كالمجالس، فسأكتفي هنا بنشر 11 حرفًا فقط من اسم والد هذا اللاعب حتى لا يغضب مني الأب الجميل، شاعر السهل المثير الممتنع الدكتور إبراهيم طلحة..!
وقديمًا قال إداري رياضي لئيم: أحلى من كتمان موهبة “ما فيش”..
وسلامتكم..!
* ناقد رياضي يمني
..
تعليقات