عبدالله الصعفاني*
أبلغني أنه مسافر، فقلتُ له بتفكُّه، وكأنني عبدالحليم حافظ: قل لي إلى أين المسير في ظلمة الدرب العسير.. خير يا طير.. إلى أين العزم إن شاء الله؟ فقال:
مسافر في موضوع قتل..!
* ولَخَّص القضية على هذا النحو:
قام أحدهم بزرع مواصير بلاستيكية للمجاري في الليل البهيم فأثار غضب آخر قام تحت شمس النهار بتكسير قصب البلاستيك، فاستشاط الأول غَضبًا وصوَّب سلاحه، فكان ما كان من القتل الذي جلب المحوّشين وقسم الشرطة والنيابة، وما إلى ذلك من أمور تعقب كل جريمة قتل.
لحظتها وجدتني أقول:
مؤسف أن يموت يمني هذه المرة، ولكن في معركة ذات المجاري..!
* الحادثة الموجعة ولَّدت عندي عصفًا ذهنيًّا، وأشعلت عود ثقاب داخل دبة غاز إحساسي بالألم من سلسلة جرائم قتل تنتهي كلّ منها بمحبوس ويتامى وأرامل، وثكالى، ومشكلات من النوع الذي يؤسس للمزيد من القتل المادي والمعنوي.
قد يقول أحدكم: وما الجديد؛ فالقتل يحدث يوميًّا في كل مكان على ظهر هذا الكوكب، ولكن ما يستفز أيّ عاقل هو عندما تكون بواعث قتلنا لبعضنا غير مبررة غالبًا، بل وساذجة، من منظور أنه كان يمكن حلها بفاتورة أقل..!
قتْل لمجرد أن بعضنا يستهين بالروح فيقرر بطيش انتزاع روح، حماقة، أو رغبة في ممارسة اللعب بطريقة أكشن عابث ارتقى إلى درجة الظاهرة، وإلاَّ هل يحتاج مسلح في نقطة أمنية أن يقتل مسافرًا بعد آخر رغم أن الدافع الحقيقي هو نهب ما في جيوبه..؟
وهل يحتاج لص لأنْ يقتل صاحب دراجة نارية لمجرد أنه يريد أن يسرقها فلجأ الى القتل العمد أثناء مشوار..؟!
وهل، وهل…؟
(راجعوا ذاكرة حوادث القتل)
* ولا ريب أن كُلاًّ منكم يحتفظ بحكايات قتل بدواعي اللعب أو الترويح أو مفاخرة تنتهي بقتل العريس أو بعض ضيوفه ليتحول بيت العرس إلى بيت عزاء، ويصير دار الفرح مندبة بكاء، وفضاء عويل.
* وعندما تعبِّر عن صدمتك من حادثة موت شاب أو قتله لآخرين أثناء تنظيفه السلاح أو عبثه به، أو لمجرد التخويف ستستمع لمن يسرد عليك حوادث تراجيدية مشابهة تثير السؤال.. ما أرخص الإنسان في بلدي، وليس مُهمًّا إن فشلتَ في إكمال القصيدة، أو حتى شطر منها، وليس هذا هو الموضوع.
* وهنا لنقل لبعضنا بإلحاح.. بَطّلوا (مجنانة)، وتعالوا نتعاون ونتواصى لوقف الاستهتار بالأرواح ونحل مشاكلنا النفسية والاجتماعية بتكلفة أقل من قتل النفس المحرمة بغباء متوحش أو انفعال عابث؟
* كفاية علينا هذا الاحتراب بين أطراف الصراع وجنون الممولين لشخصيات الارتهان والارتزاق والتمزيق بفواتير فورية ومؤجلة.
لتتوقف كل أشكال التوحش والعبث والطفولية الدامية.
* وعلى ذكر (الطفولي) ليتوقف كل واحد منا سريعًا أمام بعض الصور العابثة من أرشيف ذاكرته.
شاب يقتل زميله في ملاحقة داخل الفصل الدراسي في صراع على قبعة.. كيف؟
قالوا هم فقط تلاحقوا على القبعة، فوكز أحدهم زميله، فقضى عليه..! والله زمان يا لعبة (الكوفية الخضراء ما فيها.. فيها زبيب أخضر هاتوها..)، وشاب يستعين بعصابة ليقتل أستاذه، والحكايات أكثر من الهم على القلب.
* والمخيف هو دلالة ما يمكنك الوقوف عليه إن تابعت من نافذة أو رصيف حالة العنف بين تلاميذ وهم ذاهبون أو عائدون من المدرسة.
عنف طفولي تتعفَّر فيه وجوه طرية بتراب وطين الأرض، وتشاهد وتسمع فيه من الوجع وبذيء الكلام ما يقهرك.
* قبل أيام فقط وجدت نفسي واقفًا على مشهد مستفز بين طفلتين أثناء عودة البنات من يوم دراسي اعتيادي.
* كنت حينها أنتظر خروج ابنتي من المدرسة، فشاهدت طفلة تمسك رأس طفلة أصغر منها.. تخربش وجهها بانفعال، ثم تدفع رأسها في سور المدرسة بعنف.
تحركت نحوهما، وليتني لم أتواجد في المكان لأقف على مشهد طفلة في الأول ابتدائي تبكي وتجد صعوبة في فتح عينها اليمنى، والمعتدية هي أختها في الصف الثالث الابتدائي أيضًا.
* سألت وقد تجمعت البنات حول الطفلتين ليش تعملي باختك هكذا..
ولم ترد سوى بكلمة واحدة: تستاهل..!
عدوانية بين أختين في سن البراءة تُشعر بالخوف من تربية أسرية تنتج توحشًا بين أختين في سن البراءة، ما يفرض إغلاق هذه الوقفة بالقول:
صار على كل أب أن يحسن التربية ما استطاع، أو يجد هو الآخر من يتولى إعادة تربيته حتى لا يتركهم نهبًا لأفكار العنف.
* وأما وقد ارتفع منسوب العنف بسبب ومن غير سبب، انفعالاً وعدوانية، ولمجرد العبث فقد وجب أن أصرخ مع الشاعر يحيى الحمادي، وهو يتساءل شعرًا..
يا لِهذِي البلاد التي أصبحت مسرحًا لِلكُرَب..
كيف يقتل مَن قلبه للتراب انتسب..؟
* كاتب يمني
تعليقات