صنعاء- “اليمني الأميركي” – محمد الصباحي:
يمتاز العسل اليمني بجودة أنواعه ذات القيمة الغذائية والعلاجية، وهو ما عزز من سمعته محليًّا وخارجيًّا، إلا أن الإقبال عليه في السنوات الأخيرة عزز من ممارسات الغش في أسواقه، بالإضافة إلى التردي الحاصل في مجالات إنتاجه، بدءًا من تربية النحل وتغذيته، وانتهاء برقعة العسل الصناعي والمستورد في اليمن.
يشتهر العسل اليمني بعدد من الأنواع، ويمثل (السدر والسُّمر) أكثر شهرة وجودة، وفي هذين النوعين مستويات يعرفها الخبراء في هذا المجال.
عبدالله الأشموري، المدير التنفيذي لشركة عالم العسل في صنعاء يقول: «يتعرض العسل اليمني إلى غش مباشر، فغالبًا ما يحدث خلطه بعسل خارجي لتغطية الفوارق في الجودة بنسبة 70%، ولذا تجد السوق صعوبة كبيرة في التمييز، وهي كارثة كبيرة، ومسمار يدق في نعش العسل اليمني الأصلي»، متحدثا لـ”اليمني الأميركي”.
غالبية تُجار العسل في اليمن، ومنهم عبدالله الأشموري، يعتمدون على معايير تقليدية في معرفة جودة العسل الأصلي عن المقلد… يبيّن الأشموري: «على الرغم من وجود مختبرات كيميائية، إلا أننا لم نجد معايير ثابتة إلى الآن، وما نزال نعتمد على ما لدينا من خبرة في التذوق والشم ومعرفة اللون والملمس».
على الرغم من العمر الطويل لليمن في تجارة العسل، إلا أن هذا القطاع ما زال دون المستوى مقارنة بما يفترض أن يكون عليه.
يقول الأشموري: «نحنُ في شركة عالم العسل اليمني ندرس منذ مدة إنتاج عسل مُعلب له اسم وماركة عالمية في السوق المحلية والعالمية، لكن المشكلة التي نعانيها، كباقي التجار، هي قلة التسويق الخارجي لتكاليفه الباهظة، وهذا يحتاج إلى جهد دولة، ويتبعها العديد من التسهيلات من قِبل الجهات المرتبطة بالعسل».
المعارض الخارجية
تُمثّل المعارض الخارجية إحدى الوجهات المهمة، التي يتم من خلالها بيع وتسويق العسل اليمني، رغم قلتها في السنوات الماضية بسب ظروف الحرب وإغلاق المنافذ.. يوضح الأشموري: «أصبحت المشاركة في المعارض الدولية الخاصة بالعسل ذات كلفة عالية في النقل والإيجارات وكثرة المنافسين من شركات ومؤسسات تبيع منتجها من العسل بأرخص الأسعار على أنه عسل يمني ملَكي».
جودة العسل اليمني من حيث الطعم والنكهة واللون هي معايير ثابتة في قيمته ومكانته المحلية والعالمية، إلا أن هناك أيادي عابثة تسعي للتلاعب والغش بطرق مبتكرة وحديثة، بما فيها الترويج والتسويق عبر الإنترنت لأنواع مغشوشة باعتبارها العسل الأصلي.
ظاهرة انتشار الباعة المتجولين للعسل تثير الكثير من الشكوك بالنسبة للمستهلك حول جودته وقيمته الغذائية، التي يؤكد أكثر الباعة أن ما يتم بيعه هو عسل مراعي، وهو ذو جودة أقل من أنواع السدر والسُّمر.
العسل المُسكّر
العسل المُسكّر من أشكال الغش الذي يمارسه بعض مُربيي النحل، وهذا، بالإضافة إلى عوامل أخرى، أفقد ثقة المستهلك محليًّا وخارجيًّا.
المهندس الزراعي جميل البعداني (47عامًا) نحّال ومدرب مادة النحل في المعهد البيطري بصنعاء/ شمال اليمن، يوضح: «النحل لا يُخزن العسل، والغش السُّكري يتم مباشرة من النحال نفسه، حيث يقوم بخلط المحلول السكري وإضافته إلى العسل بعد فرز، وحتى عملية فرزه للعسل من الخلايا خاطئة لتعرضها لحرارة الشمس مما يُبدد القيمة الغذائية للعسل، فيحدث له تخمر.
ويضيف: «السكر عبارة عن مادة مساعدة لتحفيز النحل وتجديد نشاطه، مما يجعل من الملكة تقوم بعملية وضع البيض، فيستهلك النحل المحلول السكري ويمتصه لفترة معينة فقط، ولذا يلجا مربو النحل لهذه الطريقة عند قلة وانعدام تواجد الأزهار لغرض المحافظة على النحل من الانقراض والموت، وعند عودة الأزهار يقوم بالتخلص من هذه الأقراص السكرية»، متحدثًا لـ “اليمني الأميركي”.
أمراض النحل
إلى ذلك يتعرض النحل للعديد من الأمراض، التي تُسببها الآفات، مما يؤثر سلبًا في إنتاجيته في اليمن.. يوضح البعداني: «يُعد مُربي النحل (قليل الخبرة) العدو الأول للنحل، بالإضافة إلى الحشرات الضارة مثل دبور البلح، ذئب النحل، العناكب وطائر الورور، التي تسبب الأمراض، ومنها الإسهال الأصفر نتيجة شُرب النحل من المياه الراكدة، ومرض الكارين الذي يؤثر في القصبة الهوائية للنحل».
تعاني تربية النحل في اليمن من صعوبات، و«يأتي في المقام الأول تدهور الغطاء النباتي بسبب عملية التحطيب والقضاء على الأشجار نتيجة انعدام مادة الغاز وشحة الأمطار بشكل عام، مما أثر في النحل وتربيته، بالإضافة إلى انتشار المبيدات السامة… كما ما يزال أكثر النحالين يستخدمون في تربية النحل الخلايا المصنعة محليًّا، والتي يصعب فيها تمرير التغذية الكافية للنحل، مع صعوبة في فرز العسل منها«، يقول البعداني.
أسعار العسل
محمد المليكي، عامل في أحد المحلات التجارية لبيع العسل بصنعاء، يؤكد أن «العسل الخارجي أثّر في المنتج اليمني، بما في ذلك مناطق إنتاج العسل المشهورة مثل حضرموت، والتي يتم من خلالها دخول العسل المستورد».
وبخصوص الأسعار يوضح: «تختلف أسعار العسل حسب جودته ومنطقة تربية النحل والغطاء النباتي لتلك المنطقة، وثلث ما هو موجود في سوق العسل المحلية هو (مراعي، ومستورد)، وتجارة العسل بشكل عام تأثرت بظروف الحرب، وما نتج عنها من إغلاق المنافذ، ومع ذلك لا يزال العسل اليمني يحتفظ بجودته ومكانته، ويتم استخلاصه يدويًّا للمحافظة على صفاته الغذائية».
فيما يؤكد عوض الوجيه، رئيس قسم الأعشاب الطبيعية والعسل الطبيعي في بهارات ياسين لـ “اليمني الأميركي” بقاء الطلب الكبير على العسل الأصلي، «فعلى الرغم من مزاحمة المنتج الخارجي كعسل الغابة السوداء والحبشي والكشميري، إلا أن جودة العسل اليمني، وخاصة السدر والسمر ما زالت متميزة، وله طلب كبير».
عسل السدر
أشهر المناطق التي توفر عسل السدر في اليمن حضرموت وشبوة/ جنوب اليمن، وعمران ووصاب وحجة/ شمالًا، وأفضل أوقات إنتاجه عند الحصاد في أكتوبر تشرين أول، ونوفمبر/ تشرين ثاني، وديسمبر/ كانون أول من كل عام، وتعود تسميته لكون النحلة تتغذي على شجرة السدر.
«يُعد العسل اليمني من أفضل أنواع العسل في العالم، خاصة السدر، وارتبطت جودته بمناطق اليمن، ولذا نعمل على نشر المنتج اليمني من العسل منذ تأسيس الجمعية عام 2017، لكن ظروف الحرب حجمت من نشاط الجمعية، وقبل سنة عادت الجمعية إلى مكافحة الغش الصناعي للعسل»، يقول الأمين العام لجمعية النحالين وتجار العسل اليمنيين، توفيق المعمري.
مزاولة المهنة واختبار العسل
يصنف عسل السدر والسُّمر اليمني كأجود أنواع العسل عالميًّا، ويأتي بعده عدد من الأنواع، منها عسل العود الأبيض، وقيمته العلاجية مرتفعة، وعسل الصورب (شجرة معمرة)، وعسل السلام وينتج في تهامة/ غرب اليمن، وعسل المراعي (ينتج في موسم الأزهار فقط)، وتابعات السدر (نسبة السدر ضعيفة والباقي أزهار)، وتؤخذ معايير لتصنيف السدر في نسبة شجرة السدر والسكر في العسل المنتج، حسب المعمري متحدثًا لـ”اليمني الأميركي”.
تُمنح تصاريح مزاولة مهنة بيع العسل في اليمن وفق شروط ومعايير تضعها جمعية النحالين اليمنيين من خلال قرار مجلس الوزراء، بالتعاون مع وحدة العسل في وزارة الزراعة، وهو القرار الصادر عام 2018م، والذي ينص على أن يكون للتاجر 15 سنة خبرة في هذا المجال، ويتمتع بالثقة والسمعة الطيبة.
ويوضح المعمري أن «اختبار جودة العسل تخضع من قِبل الجمعية لاختبارين، أحدهما فيزيائي من خلال خبراء متذوقين للطعم والرائحة والشكل وخصائص المنطقة التي ينتج فيها العسل، وآخر كيميائي من حيث نسبة الرطوبة ونسبة الجلوكوز».
رافد وطني
يؤكد عدد من الاقتصاديين أهمية العسل اليمني كرافد للخزينة العامة، وهنا يقول الخبير الاقتصادي، محمد صالح حاتم: «طيلة العقود الماضية لم يتم استغلال العسل اليمني اقتصاديًّا؛ إذ أُهمل كبقية القطاعات الزراعية والموارد الاقتصادية الوطنية، وبقي دون تنظيم واهتمام ورعاية من قِبل الدولة… وبالتأكيد سوف يساهم هذا القطاع في رفد الخزينة العامة لو تم تنظيمه».
وينسب حاتم لبعض المصادر أن كميات العسل المصدرة من اليمن وصلت عام 2010م إلى 928 طنًّا، كما تشير بعض الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة والري في اليمن أن كميات العسل المنتجة عام 2014 وصلت إلى 7264طنًّا، وهي الكمية التي تقلصت خلال سنوات الحرب إلى 2885 طنًّا عام 2021م، بنقص يقارب 60%، وفق حاتم.
وفي ما يخص عملية تنظيم عملية تصدير العسل اليمني يضيف حاتم: «يحتاج العسل اليمني إلى رؤية واستراتيجية وطنية لتنميته وإنتاجه وإيجاد شركات ومؤسسات تجارية خاصة به، لديها علامة تجارية، ومنع بيعه في عبوات كبيرة».
اللجنة الزراعية العليا بما فيها وحدة العسل في اليمن (جهة حكومية) أبدت تفاؤلاً كبيرًا في جهودها المستمرة في التوعية والإرشاد.
يقول نصر الله اليمني – مسؤول الرقابة والتفتيش في وحدة العسل: «نؤمن أن الرقابة هي ثقافة مجتمعية يشترك فيها التاجر والجهات الرسمية والمستهلك… ونقوم بالرقابة والتفتيش الميداني على جودته وتداوله ومنع حالات التلاعب والغش».
مما سبق يتضح ما يعانيه العسل اليمني، الأمر الذي يتطلب من الدولة إعادة النظر في علاقتها بهذا القطاع، من خلال صوغ التشريع المناسب لضبط سوقه ورفده بعوامل تعزز من تطوره اقتصاديًّا، وصولاً إلى إنتاج وتسويق عسل يمني ذي هوية خاصة تستثمر جودته والطلب عليه بموازاة محاصرة أساليب الغش، بما يعزز من حضوره سوقيًّا (محليًّا وخارجيًّا) كرافد اقتصادي مهم للخزينة العامة.
تعليقات