جميس زغبي*
أطلق مقتل جورج فلويد على يد رجل شرطة موجةً من الاحتجاجات على امتداد الولايات المتحدة. ولم يكن «فلويد» أول أسود غير مسلح يقتله شرطي باستخدام قوة قاتلة بلا مسوغ، فهناك 100 شخص يقتلون بهذه الطريقة كل عام. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي شهدنا فيها احتجاجات حاشدة عبر الولايات المتحدة، رداً على الظلم العرقي. فقد شهدتُ مثل هذه الاحتجاجات مراراً في حياتي، لكن هذه المرة تبدو مختلفة.
فقد عُرفت الولايات المتحدة بالظلم العرقي منذ بداياتها. فقد وُلدت البلاد بخطيئة العبودية الأصلية، وخاضت حرباً أهلية دموية لإنهائها. وفي أعقاب ذلك لم يجر الكثير لتعويض ملايين المواطنين السود بعد تحريرهم من الرق. وبعد عقود قليلة، شعروا بأنهم ضحايا نظام وحشي جديد من الاستعلاء العرقي والتمييز المفروض الذي أنكر على الأميركيين الأفارقة الحصول على الحقوق المتساوية والفرص الاقتصادية، مما أوقع كثيرين منهم في قبضة الفقر ليبقوا فيها لأجيال. وفي قلب هذا النظام، مورس عنف منظم بغرض الحفاظ على عدم المساواة وإخضاع عرق كامل.
وعلى سبيل المثال، قبل قرن فحسب وعلى امتداد 30 عاماً، أُعدم أكثر من أربعة آلاف أميركي أسود بغير محاكمة في أعمال إرهاب مارستها جماعات تنفذ «ما تراه قانوناً» بعيداً عن الدولة. وفي أقل من عقد من الزمن في مدينة واشنطن التي أقيم فيها، تم طرد مئات من أسر السود بالقوة من منازلهم داخل حيين سكنيين بالمدينة ضمن عملية تطهير عرقي لإفساح الطريق لمدارس للبيض وحدهم. وكل هذا جزء من تاريخنا ويتعين الإقرار به.
وأنا أنتمي لعصر حركة الحقوق المدنية، وشاركت في مسيرات للإسكان المفتوح في ستينيات القرن الماضي، وعملت في منظمة مناهضة للعنصرية احتجاجاً على الظلم العرقي في فلادليفيا في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي. وعاصرت الاضطرابات الحضرية التي دمرت المدن الرئيسية الأميركية عام 1968 بعد مقتل مارتن لوثر كينج.
وحين أسستُ حملة حقوق الإنسان الفلسطيني في سبعينيات القرن الماضي، أسعدني الحظ بالتعرف على معظم الزعماء الأميركيين الأفارقة الكبار الذين كانوا رفاق «كينج». والذين لم أقابلهم في حملة حقوق الإنسان الفلسطيني، عملت معهم أثناء اشتراكي في حملات ترشيح القس «جيسي جاكسون» عن الحزب «الديمقراطي» للرئاسة عامي 1984 و1988. وشرفت بالدعوة مع كثيرين من هؤلاء الزعماء لاجتماع صغير في البيت الأبيض مع الرئيس بيل كلينتون لمناقشة مبادرته «أميركا واحدة» التي كانت تمثل حواراً قومياً عن العِرق.
وخلال هذه العقود، شعرنا في بعض اللحظات بتحقيق تقدم. فقد أُقرت تشريعات تكفل الحقوق المدنية، وحقوق التصويت وإجراءات تنهي الفصل في المدارس والإسكان وإجراءات لتصحيح التمييز. بل وانتخبنا أول رئيس أميركي من أصل أفريقي، مما خلق لدينا شعوراً ساذجاً بأننا تجاوزنا أخيراً، كمجتمع، انقسامنا العرقي. لكن بعد كل خطوة للأمام، عادت حقيقة العنصرية لتعلن عن نفسها بقوة. ويذكرنا بها تقويض كونجرس «جمهوري» لجهود معالجة عدم المساواة العرقية والقتل الغاشم للسود في مجتمعاتنا، مع ما ينجم عن ذلك من اضطرابات عرقية.
والحقيقة ببساطة في الحياة الأميركية، هي أنه رغم ما تحقق من تقدم منذ أن تحدث كينج عن أميركتين- السوداء والبيضاء- مازال هذا الانقسام الحقيقي للغاية يحدد واقع حياتنا الحالي. ومازال هناك عدم مساواة في الدخل والوظائف والإسكان والصحة والتعليم والعدل الجنائي والفرص. والإحصاءات في كل هذه المجالات مذهلة ويجب أن تثير قلق كل الأميركيين. ومثال واحد على الآثار الجانبية لعدم المساواة المستدامة: يمثل الذكور السود الأميركيين 6.5% فقط من السكان، لكنهم يمثلون 40.5% من السجناء.
لقد أوشكنا على دخول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ومن المهم أن نعترف بأن العنصرية الهيكلية مستمرة، لكن هناك تغير في الشعب الأميركي. فالشباب الأميركي، من السود وداكني البشرة والبيض، لديهم رؤية مختلفة تماماً عن العالم وعن بعضهم البعض. وهؤلاء هم الأطفال الذين ألهمهم الرئيس باراك أوباما وروعتهم عمليات القتل بالجملة. إنهم ليسوا متسامحين فحسب تجاه التنوع العرقي بل يحتفون به. وهم يرون أن عدم المساواة والظلم غير مقبولين، ويشعرون أن لديهم الحافز للتصدي لهما.
ويحاول بعض المعلقين العثور على تشابهات بين احتجاجات ستينيات القرن الماضي واحتجاجات اليوم. لكن أحد الاختلافات تتمثل في الانتشار وسط الفئات المختلفة، وخاصة وسط الشباب من البيض، فقد كانت مشاركتهم محدودة في الماضي. صحيح أنه كان هناك بعض الطلاب البيض الشجعان والمنظمات اليسارية التي يقودها البيض، التي لعبت دوراً في الكفاح من أجل إنهاء الفصل العنصري، لكن في حرم الجامعات على امتداد البلاد كان الطلاب البيض أكثر تركيزاً على فيتنام وحركات الرفض الثقافي المختلفة.
أما احتجاجات مناهضة العنصرية الحالية ضد عنف الشرطة وعدم المساواة العرقية، فقد جمعت بين السود والبيض والأغنياء والفقراء. والمحتجون يطالبون بتغير حقيقي وأساسي، وهي بادرة أمل على أننا ربما نكون مستعدين، كمجتمع، لمعالجة تركة خطيئتنا الأصلية ودفنها للأبد. ولن يكون من السهل معالجة عدم المساواة العرقية العميقة وتأصل عنف الشرطة. لكن يحدوني أمل في أننا نسير على الطريق الصحيح إلى الأمام.
فقد عُرفت الولايات المتحدة بالظلم العرقي منذ بداياتها. فقد وُلدت البلاد بخطيئة العبودية الأصلية، وخاضت حرباً أهلية دموية لإنهائها. وفي أعقاب ذلك لم يجر الكثير لتعويض ملايين المواطنين السود بعد تحريرهم من الرق. وبعد عقود قليلة، شعروا بأنهم ضحايا نظام وحشي جديد من الاستعلاء العرقي والتمييز المفروض الذي أنكر على الأميركيين الأفارقة الحصول على الحقوق المتساوية والفرص الاقتصادية، مما أوقع كثيرين منهم في قبضة الفقر ليبقوا فيها لأجيال. وفي قلب هذا النظام، مورس عنف منظم بغرض الحفاظ على عدم المساواة وإخضاع عرق كامل.
وعلى سبيل المثال، قبل قرن فحسب وعلى امتداد 30 عاماً، أُعدم أكثر من أربعة آلاف أميركي أسود بغير محاكمة في أعمال إرهاب مارستها جماعات تنفذ «ما تراه قانوناً» بعيداً عن الدولة. وفي أقل من عقد من الزمن في مدينة واشنطن التي أقيم فيها، تم طرد مئات من أسر السود بالقوة من منازلهم داخل حيين سكنيين بالمدينة ضمن عملية تطهير عرقي لإفساح الطريق لمدارس للبيض وحدهم. وكل هذا جزء من تاريخنا ويتعين الإقرار به.
وأنا أنتمي لعصر حركة الحقوق المدنية، وشاركت في مسيرات للإسكان المفتوح في ستينيات القرن الماضي، وعملت في منظمة مناهضة للعنصرية احتجاجاً على الظلم العرقي في فلادليفيا في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي. وعاصرت الاضطرابات الحضرية التي دمرت المدن الرئيسية الأميركية عام 1968 بعد مقتل مارتن لوثر كينج.
وحين أسستُ حملة حقوق الإنسان الفلسطيني في سبعينيات القرن الماضي، أسعدني الحظ بالتعرف على معظم الزعماء الأميركيين الأفارقة الكبار الذين كانوا رفاق «كينج». والذين لم أقابلهم في حملة حقوق الإنسان الفلسطيني، عملت معهم أثناء اشتراكي في حملات ترشيح القس «جيسي جاكسون» عن الحزب «الديمقراطي» للرئاسة عامي 1984 و1988. وشرفت بالدعوة مع كثيرين من هؤلاء الزعماء لاجتماع صغير في البيت الأبيض مع الرئيس بيل كلينتون لمناقشة مبادرته «أميركا واحدة» التي كانت تمثل حواراً قومياً عن العِرق.
وخلال هذه العقود، شعرنا في بعض اللحظات بتحقيق تقدم. فقد أُقرت تشريعات تكفل الحقوق المدنية، وحقوق التصويت وإجراءات تنهي الفصل في المدارس والإسكان وإجراءات لتصحيح التمييز. بل وانتخبنا أول رئيس أميركي من أصل أفريقي، مما خلق لدينا شعوراً ساذجاً بأننا تجاوزنا أخيراً، كمجتمع، انقسامنا العرقي. لكن بعد كل خطوة للأمام، عادت حقيقة العنصرية لتعلن عن نفسها بقوة. ويذكرنا بها تقويض كونجرس «جمهوري» لجهود معالجة عدم المساواة العرقية والقتل الغاشم للسود في مجتمعاتنا، مع ما ينجم عن ذلك من اضطرابات عرقية.
والحقيقة ببساطة في الحياة الأميركية، هي أنه رغم ما تحقق من تقدم منذ أن تحدث كينج عن أميركتين- السوداء والبيضاء- مازال هذا الانقسام الحقيقي للغاية يحدد واقع حياتنا الحالي. ومازال هناك عدم مساواة في الدخل والوظائف والإسكان والصحة والتعليم والعدل الجنائي والفرص. والإحصاءات في كل هذه المجالات مذهلة ويجب أن تثير قلق كل الأميركيين. ومثال واحد على الآثار الجانبية لعدم المساواة المستدامة: يمثل الذكور السود الأميركيين 6.5% فقط من السكان، لكنهم يمثلون 40.5% من السجناء.
لقد أوشكنا على دخول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ومن المهم أن نعترف بأن العنصرية الهيكلية مستمرة، لكن هناك تغير في الشعب الأميركي. فالشباب الأميركي، من السود وداكني البشرة والبيض، لديهم رؤية مختلفة تماماً عن العالم وعن بعضهم البعض. وهؤلاء هم الأطفال الذين ألهمهم الرئيس باراك أوباما وروعتهم عمليات القتل بالجملة. إنهم ليسوا متسامحين فحسب تجاه التنوع العرقي بل يحتفون به. وهم يرون أن عدم المساواة والظلم غير مقبولين، ويشعرون أن لديهم الحافز للتصدي لهما.
ويحاول بعض المعلقين العثور على تشابهات بين احتجاجات ستينيات القرن الماضي واحتجاجات اليوم. لكن أحد الاختلافات تتمثل في الانتشار وسط الفئات المختلفة، وخاصة وسط الشباب من البيض، فقد كانت مشاركتهم محدودة في الماضي. صحيح أنه كان هناك بعض الطلاب البيض الشجعان والمنظمات اليسارية التي يقودها البيض، التي لعبت دوراً في الكفاح من أجل إنهاء الفصل العنصري، لكن في حرم الجامعات على امتداد البلاد كان الطلاب البيض أكثر تركيزاً على فيتنام وحركات الرفض الثقافي المختلفة.
أما احتجاجات مناهضة العنصرية الحالية ضد عنف الشرطة وعدم المساواة العرقية، فقد جمعت بين السود والبيض والأغنياء والفقراء. والمحتجون يطالبون بتغير حقيقي وأساسي، وهي بادرة أمل على أننا ربما نكون مستعدين، كمجتمع، لمعالجة تركة خطيئتنا الأصلية ودفنها للأبد. ولن يكون من السهل معالجة عدم المساواة العرقية العميقة وتأصل عنف الشرطة. لكن يحدوني أمل في أننا نسير على الطريق الصحيح إلى الأمام.
رئيس المعهد الديمقراطي الاميركي*
تعليقات