Accessibility links

إعلان
إعلان

وجدي الأهدل*

لعلّه كان من الأفضل بالنسبة للعالم العربي لو أنّ عددًا من قادته قد تمسكوا بمواهبهم الأدبية والفنية وحادوا عن طريق السياسة، ولربما أن مصير العرب قد اختلف لو أن أنور السادات صار ممثلاً، ومعمر القذافي قاصًّا، وصدام حسين روائيًّا، وعلي عبدالله صالح شاعرًا..

وهناك غيرهم من لديه ميول علمية أو أدبية تركها وراء ظهره، وجرفته السياسة إلى مياهها العميقة.

حين نُراجع التاريخ، نجد أن أدولف هتلر كان في الأصل فنانًا تشكيليًّا، وقد واجه في بداياته – كأيّ مبتدئ – عددًا من الصعوبات، ولسوء حظ العالم، أنه كان يفتقر إلى الإيمان بموهبته الفنية، فتخلى عنها، واختار الطريق السهل للنجاح، طريق السياسة، فوصل إلى أعلى المراتب القيادية، وبدلاً من أن يحصل العالم على لوحات فنية جميلة، حصل على ستين مليون جثة.

الإنسان يُشبه الطائر، والفن يمنحه حرية الطيران.. وأما السياسة فهي استدراج هذا الطائر إلى القفص، وأيُّ إنسان يُمارس السياسة، ولو عن حُسن نِيّة، هو إنسان دخل إلى القفص برجليه، وحكم على نفسه بفقدان الحرية.

وأما الإنسان الذي يُمارس السياسة بسلوك ميكافيللي رديء خشن وخبيث، فهو لا يكتفي باستدراج نفسه فقط إلى القفص، ولكنه يسعى إلى استدراج المجتمع برمته إلى القفص، وإحكام القفل على الجميع دون رحمة.

يمتلك الإنسان حرية الإرادة ليختار إما أن يسمو بروحه عن طريق الفن والأدب والعلم، وإما أن ينحدر بها إلى الدرك الأسفل عن طريق الانحياز إلى التعصب والعنف والدمار والقتل.

والمفارقة أن الإنسان الذي يَتَسَفَّلُ بروحه يحسب نفسه قد بات أكثر أهمية، فيستخف بالفن والأدب، ويزدري أعلامه ومريديه، ثم في نهاية المطاف يصل به الأمر إلى الاستهانة بالأرواح البشرية.

لدينا أنموذج إيجابي يقع على الطرف النقيض من أدولف هتلر، هو عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين، الذي رفض أن يكون رئيسًا لدولة إسرائيل.. هل كان أينشتاين سيرفض هذا المنصب القيادي الرفيع لو لم يكن عالمًا؟، بالطبع لا.. لكن ضمن سياق السؤال هناك تناقض، فلو لم يكن عالمًا لما حصل على ذلك العرض.. هذا غير صحيح..!، إذْ كان يمكن لـ(أينشتاين) أن يصل إلى هذا المنصب الرفيع لو أنه وظّف عبقريته الفائقة في الحقل السياسي، ولو حدث هذا لكان العالم قد خسر أعظم عالم فيزياء في التاريخ، ولكُنَّا كسبنا سياسيًّا تافهًا.

نحن اليوم في القفص، والمشاريع السياسية المتناقضة المتدافعة التي تتقاتل في منطقتنا هي الحديد الذي يتشكل منه القفص.

وكل مشروع سياسي جديد يضيف المزيد من القضبان، ويُفاقم العتمة في داخل القفص.

لذلك ليس الحل في المشاريع السياسية؛ لأنّ كلّ مشروع سياسي يخلق نقيضه – ولو بعد حين – ولكن الحلّ هو في المشاريع الثقافية والعلمية.

المشروع العلمي والثقافي لا يخلق تناقضات، بل يعمل على حلها، وبالتدريج يجعل قوى وطاقات المجتمع تصبُّ نحو الخير والعدل وخدمة الصالح العام للبشرية.

قد يحتجّ واحد ويقول: أتريد أن يكون عندنا مليون أديب؟؟.. الجواب بكل يقين هو (نعم)، فما المانع أن يكون بيننا مليون عالم ومليون روائي ومليون موسيقار ومليون نحّات.. أليس الأفضل أن تتجه هذه الملايين إلى الإبداع والاختراع؟!

إنّ كلّ بندقية يتم سحبها من الميدان سيقابلها ظهور فرشاة رسم أو قلم يتغنى بجمال الحياة وحب الإنسان.

*روائي يمني

   
 
إعلان

تعليقات