صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الأغبري
مرتْ في 30 أغسطس/ آب 2021 الذكرى الثانية والعشرين لرحيل الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني (عبدالله صالح بن حسن الشحف) (1929 ــ 1999م)، وكما هو الحال مع السنوات الماضية كان التذكر في معظمه عبارة عن احتفاء صوتي لم يتجاوز مواقع التواصل الاجتماعي إلى تحقيق منجز حقيقي على الأرض على صعيد إعادة بناء منزله وتحويله إلى متحف، وتمويل شراء حقوق طباعة ما هو معروف من دواوينه وكتبه المخطوطة، والبحث والكشف عن مصير بقية مخطوطاته، التي ما زالت في طيّ المجهول.
من كتبه المخطوطة تم الكشف عقب وفاته عن ديوانين، هما: “العشق في مرافئ القمر” و”ابن من شاب قرناها”، وهما اللذان سُرّب منهما نسخ مصورة صارت لدى بعض الأدباء.
شهد العام الماضي طباعة كتابين باسم البردوني عن دار وسم التركية بعنوان “تبرج الخفايا ولفيف من التذكرات”، وهو كتاب ضم بعض حلقات نُشرتْ صحافيًّا من ذكريات الراحل خلال حياته، أما الكتاب الآخر فكان شعريًّا بعنوان “طواف” ضم مجموعة مختارة من قصائد غير منشورة.
اختلف ندماء مجلس البردوني في شهاداتهم بخصوص ما تركه البردوني من كتب مخطوطة، إلا أن أبرزهم أكدوا أنه مات ولديه ديوانان مخطوطان سبق ذكر عنوانيهما، بالإضافة إلى كتب نثرية مخطوطة هي “الجديد والمتجدد في الأدب اليمني”، وهو يقع في مؤلّف ضخم – حسب الناقد علوان الجيلاني، بالإضافة إلى كتاب “ثوار في رحاب الله” وفق ما تضمنه بيان حصر ما خلّفه الراحل في منزله من قِبل لجنة شُكلت عقب وفاته، ذكر ذلك أحد أعضاء اللجنة للمحرر، لكنها (أي اللجنة) لم تنهِ عملها بسبب خلافات عائلة الراحل… وكتاب “الجمهورية اليمنية”، إذ تؤكد مصادر أن هذا الكتاب، وإنْ كانت بعض حلقاته نُشرت في مجلة الجيش بصنعاء، كان الراحل قد أعاد مراجعته، وأضاف إليه المنعطفات المهمة من تاريخ الجمهورية، بما فيها حرب صيف 1994م، وكان جاهزًا للنشر قبل وفاته، علاوة على كتاب باسم “المواطن عبدالله البردوني”، ويضم ما نشره صحافيًّا من حلقات تذكراته، بالإضافة إلى حلقات أخرى لم تُنشر.
إضافة إلى ذلك تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي عناوين لكتب أخرى، منها رواية باسم “ميمون”، لكن هذه الرواية وغيرها، دون ما ذكر أعلاه، لم يتم تأكيدها من مصادر كانت قريبة من الراحل.
عاش سنواته الأخيرة وتوفي البردوني في منزل بالحي السياسي بصنعاء أكدت أرملته عقب وفاته أنه ملْكها وبنَتْه من مالها، وهو ما رفضه ابن أخ البردوني، ونتيجة لذلك تم التقاضي لسنوات.
خلال الخلافات تم نقل ما خلفه الراحل في المنزل الكائن بالحي السياسي إلى منزله القديم ببستان السلطان، وفق حديث لأرملته… لكن منزل البردوني القديم بقي مهجورًا إلى أن انهار في أغسطس/ آب 2020م جراء إهماله وعدم صيانته، وبالتالي لم يصمد أمام تداعيات الأمطار الغزيرة حينها.
مثّل انهيار منزل البردوني كارثة كبيرة؛ انطلاقًا مما كان يضمه من تراث الراحل من كتب ومقتنيات ومخطوطات وغيرها، وبالتالي كانت الخسارة فادحة بانهيار البيت.
أعلنت السلطة المحلية بصنعاء عن مشروع لإعادة بناء منزل البردوني، وتم البدء بالمشروع، لكن لم يُعرف بعد إلى أين سيمضي العمل فيه؟!
اليوم بعد 22 سنة على وفاته ما زال الحال كما هو عليه، بل يضاف إليه انهيار منزله، وتلف كثيرٍ من مقتنيات الراحل، وبالتالي أصبحت الخسارة كبيرة، وإزاء ذلك وجراء الحرب والحصار المفروض على البلد أصبح حتى الاحتفاء الصوتي محدودًا بذكرى وفاته، فيما لم تُبذل أيّ جهود لإخراج ما يتسنى الوصول إليه من مخطوطاته التي ما زالت حبيسة الإخفاء القسري لأسباب متعلقة بموقف السلطات المتعاقبة من الشاعر، الذي لم ينحز في حياته لأيّ سلطة، بل كانت وما زالت قصائده لا تحظى برضا الحاكم في اليمن، وتحديدًا منذ إعادة تحقيق الوحدة عام 1990م، إلا ما يتم توظيفه سياسيًّا بعد وفاته.
لم يكن البردوني شاعرًا فقط، بل كان ناقدًا ومؤرخًا، وقبل ذلك مدرسًا، وله بجانب الكتب الشعرية عددٌ من الكتب النثرية، التي تناولت جوانب من ثقافة اليمن بالنقد والتحليل والتأريخ.
أصدر البردوني 12 ديوانًا شعريًّا خلال (1961 – 1994)، ونال عدة جوائز منها: جائزة شوقي للشعر في القاهرة عام 1981، جائزة السلطان العويس في الإمارات عام 1993، جائزة أبي تمام في الموصل عام 1971، وجائزة اليونسكو، التي أصدرت عملة فضية عليها صورته عام 1982.
كما صدر له ثمانية كتب نثرية فكرية، منها: رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه، قضايا يمنية، فنون الأدب الشعبي في اليمن، اليمن الجمهوري، الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية… إلخ.
ربما يكاد البردوني هو الأديب اليمني الوحيد الذي كان يطبع كتبه على نفقته، ويتيح توزيعها في الشوارع بثمن زهيد بهدف إيصالها إلى أكبر عددٍ من القراء.
تعليقات